أحمد مظهر سعدو
فقدت الثورة السورية، ثورة الحرية والكرامة إحدى أيقوناتها التي صدحت باسم الثورة منذ بواكير انطلاقتها، في آذار/ مارس 2011 ، حيث رحل بلبل الثورة وحارسها (عبد الباسط الساروت جراء إصابة تعرض لها وهو يقاتل قوى البغي الأسدي ومن معهم في ريف حماة الشمالي، وبرحيل واستشهاد الساروت تخسر سورية وتخسر الثورة السورية واحدًا من أهم علاماتها الفارقة، والذي يصح أن يسمى (جيفارا الثورة السورية)، لما عرف عنه من إيثار وإقدام وإيمان لا يقف عند حد، نحو الحرية والكرامة للسوريين، حيث تمت سرقة الحرية في سورية منذ اعتلى السلطة حافظ الأسد إبان انقلابه على رفاقه البعثيين في 16 تشرين ثاني / نوفمبر 1970 .
رحل الساروت في خضم العمل اليومي الذي طالما آثره عن الجلوس على الأرائك وانتظار أصدقاء سورية المفترضين، وهو الذي آمن بالثورة السلمية منذ البداية، وكان من أهم نشطائها في حمص العدية، لكنه ومع استمرار النظام الأسدي قصفه وقتله للمدنيين السوريين، انتقل إلى مقارعة النظام عسكريًا، لأنه آمن أن لا إمكانية واقعية لتخلي النظام عن سلطته، إلا بالقوة، وهو الذي كان قبل الثورة حارس مرمى أشهر أندية سورية وأعرقها نادي الكرامة الحمصي، ليكون مع الثورة أبرز منشديها، وأحد أكبر رموز الثورة السورية ضد النظام. عاش الشاب عبد الباسط الساروت حياةً ملؤها الأمل والعمل في نفس الآن، لكن هذه الحياة الدنيوية انتهت يوم السبت تاريخ 8 حزيران/ يونيو 2019، بعد إصابة خطيرة تعرّض لها في المعارك على جبهات ريف حماة الشمالي الغربي، وهو المكان الذي اختاره أخيراً للبقاء بعد خروجه مع قوافل المهجّرين قسريًا من مدينة حمص وريفها. رحل الساروت قبل أن ينعم بانتصار الثورة التي عشق العمل فيها، وآمن بكل ثوابتها، ولم يتراجع قيد أنملة عن أية تضحية تتطلبها سورية وتحتاجها الثورة ضد النظام الأسدي.
ينحدر عبد الباسط الساروت ابن البياضة الحمصية من عائلة مهاجرة من الجولان السوري المحتل، وفق مصادر مقربة منه. وُلد في مدينة حمص عام 1992، وعاش فيها إلى أن بدأت الثورة السورية ضد نظام بشار الأسد، في أواسط آذار/ مارس 2011.
لقد كان حارسًا مهما وأمينًا للثورة، كما كان حارسًا لنادي الكرامة الذي انتمى إليه. وتشهد أحياء الخالدية والبياضة على حراكه السلمي ونشاطه المميز مع الأيقونة الأخرى التي سبقته بالرحيل، فدوى سليمان، حيث حفظ كل السوريين نشيده الوطني الذي يحاكي القلب والعقل، (جنة جنة جنة يا وطنا)، والذي بقي يردده في البياضة والخالدية وكل أحياء حمص الثائرة، حتى اضطر للخروج من حمص في أيار/مايو 2014، مع المهجرين قسريًا إلى ادلب والشمال السوري.
خلال الثورة السورية فقد الساروت أربعة أشقاء له، هم إخوته الأربعة شهداء على طريق الحرية. انتمى بلبل الحرية إلى أحد فصائل الثورة وهو فصيل (جيش العزة) الذي يعتبر من الفصائل الرافضة للتفاوض مع النظام وحلفائه، ويقاتل ويدافع عن ريف حماة الشمالي بكل بسالة وأيمان.
لم تفتر عزيمة الساروت أبدًا بل بقي يكرر عبارة (راجعين يا حمص) وهو أمل الثوار الذين آمنوا بثورتهم وووطنهم، وانتموا إلى العزة والكرامة، ورفضوا الذل والهوان على يد عصابات الأسد.
يقول الإعلامي السوري عمر شيخ إبراهيم (رحل الحارس وبقي الآلاف يحرسونها)، لكن الدكتور حسام الدين درويش ابن الثورة والأستاذ الجامعي فيقول أيضًا (كانت حياة الساروت، في تحولاتها من حنجرة تغني إلى بندقية تقاتل، ملحمة شبيهة بملاحم اليونان حيث يصارع إنسان بسيط جبروت القدر. وكان صوته أبلغ وأصدق من البندقية. ستبقى أغنية “جنة جنة جنة والله يا وطنا” خالدة في الذاكرة الشعبية. ولا تنتهي الملحميات بموت أبطالها بل بالعكس يحوّل ذلك الموت أبطالها إلى أسطورة. لم تترك أبدية الخواء الأسدية من خيار لأبناء حمص غير الموت الجماعي وسرديات قهر وذاكرة).
أما الباحث والمعارض السوري مناف الحمد فيقول: (مسيرة الساروت التي تُوجت باستشهاده تؤكد أن لثورة السوريين رموزها التي لم يلوثها التطرف ولم يلطخ نقاءها الفساد.)
لقد شهد الشعب السوري عبر مراحل ثورته المتلاحقة، الكثير من المآسي والصعاب ، لكنه تجاوزها جميعًا وبقي مصرًا على ثورته، متابعًا لما بدأه، لم تنحن له قامة ولا هانت عزيمته، وهو كذلك اليوم في رحيل قامة كبرى من قامات الثورة السورية، بل أيقونة مهمة من أيقوناتها، وتبقى الدروس من حيوات الثوار، ومنهم عبد الباسط الساروت، ستكون حافزًا لا ينضب، على طريق الثورة ضد الظلم، واستلاب إرادة الناس، وهدر إنسانية الإنسان السوري، بل وهدر الانسان أي إنسان، وهو ما فعله نظام الإجرام الأسدي بحق الشعب السوري، والفلسطيني، وكذلك اللبناني والعراقي.
المصدر: المدار نت