مصعب عيسى
لقد أضعنا القدس لفرط الطرق المؤدية اليها.. والتي مرت من كل عواصم العرب الا من طريق الالام الذي سار به يوما عيسى بن مريم.
لفرط الجيوش والالوية التي سميت باسمها والتي حاربت في كل العواصم الا في القدس.. فقدناها ونحن نراقب بعين الذهول خيبتنا الأخيرة.
كان محمد الماغوط مستشعرا بضياع القدس ومدركا لهذه النكبات التي ستصيبنا حين كتب في القرن المنصرم .
‘من كثرة الطرق التي أصبحت تؤدي إلى فلسطين صارت القضية في حاجة إلى إدارة مرور !
فمنذ قرن ونيف صفعنا التاريخ على جباهنا باكيا على قرون قد خلت من قبلنا حين اتانا وعد مشؤوم اخرجنا من حركة التاريخ وديمومته فصرنا ارض بلا قرن بتسكين الراء لقرن بلا ارض .
وبين بداية قرن واخر قام كيان و امتلأت الأرض قرونا من اللاجئين ..هكذا ببساطة تمت عملية السطو التاريخي على فردوسنا الأرضي القابع في مساحة جغرافية تقدر بحوالي 27 الف كيلو متر مربع لا لشيء فقط لان الرب تحول الى وكيل عقارات توراتي افتتح له مكتب تسيير اعمال بين لندن وواشنطن مهمته منح الأرض لذاك وسلبها من اخرفكان يقوم بدور سمسار فصاروا قرن الله المختار وصرنا قرن الله المحتار
لكن ما يؤلم حقيقة ان تتابع النكبات والنكسات على هذه الأرض وشعبها دون توقف بعد ان اعتلت عروشنا قرونا مدججة بكل أنواع العهر والطغيان تنطح بقوة كل مايصادفها او يواجهها او يعترضها محاولا تغيير مسار اللعبة تضيف للتاريخ حوادث مزيفة وتشطب منه احداث متتالية تروي قصة الوجود على هذه الأرض.
نعم اضعنا القدس ..اضعنا فلسطين هذه المرة لأن من تولى قيادتنا لم يسند ظهره للتاريخ والحجارة القديمة المتبقية عند سور القدس القديمة ،لم يتكأ على شجر الزيتون المتجذر في الأرض السابعة ، لم يتوضأ بماء عين العذراء بين طبريا والناصرة ،لم يدرك عمق الحضارة بين سفح الجرمق وشاطئ حيفا ،لم يكترث القوادون بكل هياكلهم التنظيمية المتعفنة حجم الكارثة المتربصة في إعادة اعمار الهيكل.
منذ ربع قرن ونيف تحولت الأحزاب الفلسطينية من اقصى يمينها الى اقصى يسارها الى مقرات دعاية وإعلان لذلك المحور او تلك المنظومة.
لقد تم تغييب التاريخ والجغرافية من الفكر الحزبي الفلسطيني باسره بقصد خلق جيل جديد لايعرف عن يبوس مثلا اكثر من معرفته عن ستالين او الخميني.
لخلق مجتمع لايعرف ماهي الحدود التاريخية لارض كنعان بن سام بقدر معرفته عدد الدول المانحة والصديقة ومعرفة مساحاتها وتاريخها.
اصبح المثقف الفلسطيني يخشى الانتساب الى احد هذه الفصائل خوفا من الانحراف الفكري الذي قد يصيبه لفرط التفاهة المتراكمة داخل اقبية هذه الدكاكين الحزبية والتي طالت قرون قياداتها من فرط حجم الدياثة والدعارة التي مارسوها ولازالوا حين اسقطوا من ادبياتهم حكاية التاريخ الكنعاني الممتد الى ماقبل التاريخ بحوالي أربعة الاف عام واستبدلوا ميلاد الابجدية الكنعانية بنظام داخلي مستورد من دولة مارقة حددت طريقا التحرير وفق منهجية حكامها وماتقتضيه المصلحة فابتلينا بالانتظار على عتبات الدول نستجدي كشافا ينير لنا طريق القدس الذي اضعناه في ليالينا المظلمة فاصبنا بالشلل لتقديس النص الحزبي اكثر من تقديس طفل يان في غياهب المعتقل.
قرون تربعت على جسد الشعب منذ عقود وطالت ..وحان قطافها ،قرون لم تكتفي بما أصابها من وفقدان للغيرة الوطنية والأخلاقية والتاريخية بل تحاول جاهدة تحويلنا الى مجتمع من فاقدي الغيرة والحس عبر صقل الشباب والكوادر ومسخهم الى أدوات تصفيق لهذا القائد او ذاك او تاهيل جيل من البلطجية تدافع عن كل العواصم الا عن القدس
ضاعت القدس حين مر طريقها فوق جثث شهداء درعا ودمشق وحمص وحماة الذين هتفوا ذات مساء لسقوط القرن الاسدي الذي سبى زنوبيا والفيحاء والشهباء الى قصور كسرى والقياصرة .
تاهت دروب القدس حين استبدلنا البندقية بالسمسرة وصارت أسلوب حياة وصار لها منصب يديره كبير السماسرة الفلسطينين. حين تبدل نشيدنا من فدائي يا شعب الخلود الى زراعة الليمون والتفاح بحاكورة أبو عبود. حين تحولت شوارعنا الى ساحات رقص ودبكة وجوفية .حين نتضامن مع اسرانا المضربين عن الطعام بإقامة حفلات ومهرجانات خطابية تتخللها طاولات الطعام المفتوحة والمرصعة بكل أنواع الماكولات العربية والعربية ولافتة كتب عليها مي وملح يحملها قرن يرتدي بزة رسمية يتدلى بطنه امامه كاثداء بقرة مرضعة يلوك بلسانه بقايا الطعام العالق بين تضاريسه الفموية .حين وقفنا مع القرون العربية ضد شعبنا الأعزل في مخيمات سوريا وهو يباد بصمت وبرعاية دولية ومباركة من محور المقاومة لقد استباحوا فلسطين باسم القضية ودمروا القدس بالأسلحة الوطنية .
مانفع فلسطين دون الخيمة الشاهدة الوحيدة على النكبة وعلى تواطئ التاريخ، لذلك كان لزاما على احفاد الاسخريوطي ان يوطدوا حطم القرون فوق رقابنا وان يدمروا ماتبقى من شهادة التاريخ القابعة منذ سبعين عاما وتعد الليالي عند ذلك الزقاق تنتظر يوم العودة .
ماذا سنخبر التاريخ غدا. لن يرحمنا التاريخ …سوف يضعنا في قفص الاتهام ولن يبرئنا.. لأننا رضينا بقرون تحكم مصائرنا فإما ان نسقط القرون التي تقود علينا او ستتوالى صفعات القرون على مؤخراتنا وتشطب اسم كنعان من قصة الحضارة …ونصير في خبر كان .