رالف نادر
ترجمة: علاء الدين أبو زينة
يستطيع المرء أن يجادل بأن انخراط الغرب الطويل في قضية فلسطين قد اتبع نفس النموذج الأولي لسان ريمو: حيث يتم منح الحركة الصهيونية (وفي النهاية إسرائيل) أهدافها السياسية بناءً على شروط غير قابلة للتنفيذ والتي لا يتم احترامها أو تنفيذها أبداً. وتجدر ملاحظة كيف مرت الغالبية العظمى من قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بحقوق الفلسطينيين تاريخياً في الجمعية العامة، ولم تمر من مجلس الأمن، حيث الولايات المتحدة واحدة من خمس قوى تتمتع بحق النقض (الفيتو)، ومستعدة دائماً لإبطال أي محاولة لفرض القانون الدولي عندما يتعلق الأمر بالمصالح الفلسطينية.
قبل مائة عام، اجتمع ممثلون من عدد قليل من البلدان القوية في سان ريمو، البلدة الهادئة على الريفييرا الإيطالية. ومعاً، قرروا مصير الأراضي الهائلة التي صودرت من الإمبراطورية العثمانية بعد هزيمتها في الحرب العالمية الأولى.
كان في 25 نيسان (أبريل) 1920، حين مرر “المجلس الأعلى للحلفاء” لما بعد الحرب العالمية الأولى “قرار مؤتمر سان ريمو”. وفي القرار، تم تأسيس انتدابات القوى الغربية على فلسطين وسورية و”بلاد الرافدين” -العراق. وتم تحديد الأخيرتين -نظريًا- للاستقلال الإقليمي، بينما مُنحت فلسطين للحركة الصهيونية لتأسيس وطن يهودي هناك.
وجاء في نص القرار: “سيكون الانتداب مسؤولاً عن تنفيذ إعلان (بلفور) الذي أصدرته الحكومة البريطانية في 8 تشرين الثاني (نوفمبر) 1917، وتبنته دول الحلفاء الأخرى، لصالح إقامة وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين”.
وأعطى القرار اعترافًا دوليًا أكبر بالقرار الذي كانت بريطانيا قد اتخذته من جانب واحد، قبل ثلاثة أعوام، بمنح فلسطين للاتحاد الصهيوني لغرض إقامة وطن يهودي، مقابل الدعم الصهيوني لبريطانيا خلال الحرب العظمى.
ومثل إعلان بلفور البريطاني، جاء القرار على ذكر سريع لسكان فلسطين التعساء، الذين تمت مصادرة وطنهم التاريخي بشكل غير عادل وتسليمه للمستوطنين الاستعماريين.
يتوقف إنشاء تلك الدولة اليهودية، وفقًا لقرار سان ريمو، على بعض من “فهم” غامض ما بأنه “لن يتم فعل أي شيء قد يمس بالحقوق المدنية والدينية للمجتمعات غير اليهودية الموجودة في فلسطين”.
وكان الهدف من الإضافة المذكورة أعلاه بكل وضوح هي أن تكون محاولة ضعيفة لادعاء التوازن السياسي، بينما لم يتم في الواقع وضع أي آلية إنفاذ لضمان احترام هذا “الفهم” أو تنفيذه على الإطلاق.
في واقع الأمر، يستطيع المرء أن يجادل بأن انخراط الغرب الطويل في قضية إسرائيل وفلسطين قد اتبع نفس النموذج الأولي لسان ريمو: حيث يتم منح الحركة الصهيونية (وفي النهاية إسرائيل) أهدافها السياسية بناءً على شروط غير قابلة للتنفيذ والتي لا يتم احترامها أو تنفيذها أبداً.
لاحظ فقط كيف مرت الغالبية العظمى من قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بحقوق الفلسطينيين تاريخياً في الجمعية العامة، وليس في مجلس الأمن، حيث الولايات المتحدة واحدة من خمس قوى تتمتع بحق النقض (الفيتو)، ومستعدة دائماً لإبطال أي محاولة لفرض القانون الدولي عندما يتعلق الأمر بمصلحة الفلسطينيين.
إن هذه الثنائية المتعارضة التاريخية هي التي أدت إلى الجمود السياسي الذي نشهده اليوم.
لقد فشلت القيادات الفلسطينية، الواحدة تلو الأخرى، فشلاً ذريعاً في تغيير هذا النموذج الخانق. قبل عقود من إنشاء السلطة الفلسطينية، قامت وفود لا تعد ولا تحصى، والتي ضمت أولئك الذين يدّعون تمثيل الشعب الفلسطيني، بالسفر إلى أوروبا، حيث ناشدت حكومة أو أخرى، وترافعت عن القضية الفلسطينية وطالبت بالإنصاف.
ولكن، ما الذي تغير منذ ذلك الحين؟
في 20 شباط (فبراير)، أصدرت إدارة دونالد ترامب نسختها الخاصة من وعد بلفور، المسماة “صفقة القرن”.
هذا القرار الأميركي، الذي خرق القانون الدولي مرة أخرى، يمهد الطريق أمام المزيد من الضم الاستعماري الإسرائيلي لفلسطين المحتلة. إنه يهدد الفلسطينيين بوقاحة بأنهم إذا لم يتعاونوا فإنهم سيعاقبون بشدة. والواقع أنها قد تمت معاقبتهم بشدة مسبقاً،عندما قطعت واشنطن كل التمويل للسلطة الفلسطينية وللمؤسسات الدولية التي تقدم المساعدة الحاسمة والضرورية للفلسطينيين.
كما كان الحال في مؤتمر سان ريمو، ووعد بلفور، والعديد من الوثائق الأخرى، طُلب من إسرائيل، بأدب شديد وإنما من دون أي خطط لفرض مثل هذه المطالب، منح الفلسطينيين بعض الإيماءات الرمزية من الحرية والاستقلال.
قد يجادل البعض، محقين تماماً، بأن “صفقة القرن” وقرار مؤتمر سان ريمو ليسا متطابقين، بمعنى أن قرار ترامب كان من جانب واحد، في حين كان قرار سان ريمو نتيجة توافق سياسي بين بلدان مختلفة -بريطانيا وفرنسا وإيطاليا وغيرها.
صحيح، ولكن يجب أخذ نقطتين مهمتين في الاعتبار: أولاً، كان وعد بلفور أيضًا قرارًا أحاديًا. وقد استغرق الأمر حلفاء بريطانيا ثلاثة أعوام فقط لاعتناق القرار غير القانوني الذي اتخذته لندن بمنح فلسطين للصهاينة والمصادقة عليه. والسؤال الآن، كم من الوقت سيستغرق الأمر أوروبا هذه المرة حتى تعتنق “صفقة القرن” على أنها خاصة بها؟
ثانياً، كانت روح كل هذه الإعلانات، ووعودها، وقراراتها، و”صفقاتها” هي نفسها، حيث تُقرر القوى العظمى بحكم نفوذها الهائل إعادة ترتيب الحقوق التاريخية للأمم. بطريقة ما، لم يمت الاستعمار القديم حقاً قط.
الآن، تُقدم للسلطة الفلسطينية، مثل القيادات الفلسطينية السابقة، نفس العصا والجزرة المعروفتين. في آذار (مارس) الماضي، أخبر صهر الرئيس الأميركي دونالد ترامب، جاريد كوشنر، الفلسطينيين بأنه إذا لم يعودوا إلى المفاوضات (غير الموجودة من الأساس) مع إسرائيل، فإن الولايات المتحدة ستؤيد ضم إسرائيل للضفة الغربية.
منذ ما يقرب من ثلاثة عقود الآن، وبالتأكيد منذ توقيع اتفاقيات أوسلو في أيلول (سبتمبر) 1993، اختارت السلطة الفلسطينية الجزرة. والآن بعد أن قررت الولايات المتحدة تغيير قواعد اللعبة تمامًا، تواجه سلطة محمود عباس أخطر تهديد وجودي لها حتى الآن: الانحناء لكوشنر أو الإصرار على العودة إلى نموذج سياسي ميت كانت واشنطن هي التي بنته، ثم هجرته.
في الأثناء، تقابَل الأزمة داخل القيادة الفلسطينية بوضوح تام من جانب إسرائيل. فقد اتفقت الحكومة الائتلافية الإسرائيلية الجديدة، التي تتألف من المتنافسَين السابقين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وبيني غانتس، مبدئياً على أن ضم أجزاء كبيرة من الضفة الغربية وغور الأردن هو مسألة وقت فقط. وهم ينتظرون فقط إيماءة الموافقة الأميركية.
ومن غير المرجح أن ينتظروا طويلاً؛ حيث قال وزير الخارجية، مايك بومبيو، في 22 نيسان (أبريل) إن ضم الأراضي الفلسطينية هو “قرار إسرائيلي”.
بصراحة، لا ينطوي ذلك على أي أهمية. لقد تم بالفعل إصدار وعد بلفور القرن الحادي والعشرين؛ وليست المسألة الآن سوى جعله حقيقة جديدة لا جدال فيها.
ربما حان الوقت لكي تفهم القيادة الفلسطينية أن الزحف والتذلل عند أقدام أولئك الذين ورثوا قرار سان ريمو، وبناء وإدامة إسرائيل الاستعمارية، لم يكن أبدًا هو الجواب.
ربما يكون الوقت قد حان لإجراء بعض المراجعة الجدية.
*ناشط في حماية المستهلك، ومحام، ومؤلف كتاب “فائقو الثراء فقط هم الذين يستطيعون إنقاذنا”!
*نشر هذا المقال تحت عنوان: 100 Years of Shame: Annexation of Palestine Began in San Remo
المصدر: (كاونتربنتش) / الغد الأردنية