جهاد عدلة
مثقف عراقي مفضال وحبيب، أرسل إلي عبر الواتس اب قبل أيام، مقطعا مصورا وذيله بتعليق مقتضب: “عراق بعد ٢٠٠٣”، وفيه مراسل تلفزيون عراقي يضيف شخصا معتوها، بكثير من التوقير والاحترام، يتحدث الأخير عن “عينه” التي يصيب بها كل شيء، وأنه ما نظر يوما إلى شيء إلا كسره أو أحرقه أو أمرضه، فسأله المذيع: “هذي موهبة لو شو؟” فأجاب المعتوه: “لا هذه قضية علمية معروفة، حتى إن روسيا في الحرب الباردة استعانت بأصحاب العين، وقصة صاروخ تشالنجر اللي سقّطوه معروفة”.
المذيع: “سقطوه بالعين؟”.
المعتوه: “إي هذي معروفة ومعترف بيها علميا”.
ثم انتقل المراسل “الحاذق” إلى مستوى “أعمق” من الحوار، فسأله عن إمكانية توظيف عينه في أعمال الخير، فأجاب المعتوه: “أكو أبحاث علمية مع جامعات تركية لمعالجة بعض الأمراض، وأمراض السرطان، ولكن كل المحاولات حتى الآن فشلت، ولكن بالإصرار والعزيمة نوصل”!
يختم المراسل تقريره العظيم بالحديث عن “عروض” يتلقاها ضيفه المعتوه من ساسة عراقيين لإلحاق الأذى بخصومهم، قبل أن يودع مشاهديه الحيارى من “النجف الأشرف”.
شاهدت التقرير في حينه، ضاحكا ملء شدقي، ضحكة مرة مخضبة بدموع الألم على العراق، لكنني اليوم أرى العراق في خير عميم بعدما شاهدت قبل قليل مقطعا مصورا من مصر جمع “مذيعة” كاملة في أوصاف العته، مع ضيف أكثر عتها، كتبوا على الشاشة: عضو اتحاد الفلكيين الأميركيين، يحدثها عن كائنات متقدمة تعيش في المريخ، وأنه أجرى مقابلة مع أحدها، وبعد دقائق من الحديث المضني للمشاهد، باغتته بسؤال مفجع: “هل كلموا حضرتك عن الإخوان؟”، صعق الأكثر عتها، وقال متلعثمًا: “لا هم أشاروا من بعيد انو في قوى شر عامة وأنو في ناس بتاعتهم أمثال الصهيونية والشيوعية والماسونية”.
وحينما انتهى المسكين، كاتب هذه السطور، من مشاهدة المقطع، ضحك ضحكا، لم يضحكه من قبل، حتى كاد يستلقي على ظهره مغشيًا عليه.
وحينما استعاد الفقير وعيه من نوبة الضحك، أدرك أن أهون الثالوث العربي المنكوب موتًا هم السوريون تحت القنابل، وأخفهم ضررًا، وأن أشقاءهم في العراق ومصر أكثر حاجة للعون والمساعدة، ليس لشيء إلا لأن المعتوه والأكثر عتهًا، ما كان لنا أن نتعرف إليهما لولا سوق رائج لمثل هذه البضاعة. أقول قولي هذا وأنا متخف في حجرتي، من عين المعتوه، ومن سواكن المريخ، تراودني وساوس إشعال مبخرة في البيت.