محمود الوهب
لا جديد لدى اجتماع سوتشي السوري، في جولته الخامسة عشرة يومي 16 و17 فبراير/ شباط الحالي في مدينة سوتشي الروسية، غير البيان المشترك الذي لم يطحن سوى الهواء. ذلك ما قالته مفرداته، وعباراته التي توافق عليها المشتركون في نهاية جولتهم، وهم يعالجون معاناة شعبٍ بلغ، منذ زمن، أقصى ألوان مآسيه، إذ لم تتضمن بنود البيان السبعة عشر عبارة واحدة أو جملة مفيدة يمكن البناء عليها. ربما لأنه لم يأت بالملموس على تلبية طموحات الشعب السوري الذي لم يعد قادراً على تحمّل مزيد من المعاناة متعدّدة الأوجه، لا في الداخل ولا في الخارج. ولكن البيان، وللحقيقة، قد دان الإرهاب، إذ قال باستمرار محاربته، ما يعني الابتعاد عن الحل! فهذا هو الغطاء الذي يلتحف به الروسي والإيراني، والنظام أولهما طبعاً، الثالوث غير البريء منه، والأخير يمارس الإرهاب ضد الشعب السوري منذ خمسين عاماً، فالاستبداد الشامل منبع الإرهاب بوجوهه كافة. ولا خلاص منه إلا بإحلال نظام ديمقراطي يمثل أطياف الشعب السوري، ويحقق المواطنة كاملة، ويلغي التمييز على أي أساس كان. ولن يتحقق هذا إلا بتطبيق قرار مجلس الأمن 2254 الذي يعرفه الروس والإيرانيون قبل غيرهما، ويؤكّده المجتمع الدولي باستمرار، لكنَّ الروس تحديداً يخرجون كل فترة بأمر ما يبعدهم عنه. وقد أكد البيان تطبيق القرار، لكنه لم يقل شيئاً عن كيفية ذلك. يعني لم يقل، مثلاً، “إننا أطراف سوتشي المعنيين بإنقاذ سورية مما هي فيه لم ننته بعد من تفاهماتنا حول مصالحنا في سورية التي تخص دولنا، ولم نعثر على حل يوفق بين مصالحنا وإنهاء عذابات الشعب السوري..”. هذه هي الحقيقة الوحيدة التي قالها بيان سوتشي، ولا شيء آخر.
كلام كثير كتب تحت عنوان: أكّدنا، وشدّدنا، وكرّرنا، وأعربنا، وعبرنا، وناقشنا، وتناولنا.. إلخ، فكل مفردةٍ تصدّرت بنداً أو أكثر من بنود البيان المشترك الذي لمح، من دون أي شك، إلى كل ما يعانيه السوريون من احتلالات، ومحاولات لتغيير الجغرافيا السورية وديموغرافيتها، فأكثر من الحديث عن وحدة الأراضي السورية، وعن سيادتها، وعن ضرورة عدم تجاوز مبادئ الأمم المتحدة، وميثاقها. ولكن إذا ما حاول القارئ استشفاف شيء يمكن البناء عليه، كأن يقول إن اجتماع سوتشي قرّر كذا، فلا يستطيع. وللمثال فقط، البند المتعلق باللجنة الدستورية المنصوص عنها في القرار الأممي المذكور، الصادر منذ خمس سنوات وعدة أشهر، وقد مضى على تشكيل اللجنة نحو عامين، ومع ذلك لم يستطع وفدا اللجنة، ولا رئيساها، أن يتحدث بعضهما إلى بعض. وما ورد في البند الثامن الذي توسط ثلاثة بنود تخص اللجنة المذكورة ما يلي: “تناولنا بالتفصيل والاستفاضة الاجتماع الخامس للجنة الصياغة التابعة للجنة الدستورية الذي عقد في جنيف خلال الفترة من 25 إلى 29 من يناير 2021، وأعربنا عن عزمنا الأكيد على دعم عمل اللجنة من خلال التفاعل المستمر مع الأطراف السورية”، ومع “المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى سورية غير بيدرسن باعتباره شخصية مساهمة في ضمان عملها المستدام والفعال..”.
ويعرف الذين سطروا البيان، وأشاروا إلى كفاءة بيدرسون، أنه هو من صرّح للصحافيين بعد إحاطته مجلس الأمن، في جلسة مغلقة، بما جرى في جولة اللجنة تلك، إذ وصفها بـ”المخيبة للآمال”، وأنها بحاجة إلى “دبلوماسية دولية بناءة”. وقد عنى بذلك عدم وجود ضغط على النظام الذي يعرقل كل حلّ سياسيّ، ترعاه الأمم المتحدة، ومن يمكنه أن يضغط غير الروس أصحاب “أستانا” التي لم تأت إلا للهرب من القرار الدولي.
ومع كل ذلك الاهتمام الذي أبداه المشاركون في سوتشي، فقد تأجل عمل اللجنة إلى منتصف هذا العام، فكيف إذا لم يكن لديهم ذلك الاهتمام وتلك الرعاية. يريد الروس والإيرانيون أمراً واحداً، إجراء الانتخابات الرئاسية في دمشق بأمن وسلام، وإعطاء مزيد من الشرعية لمن تسبب، ولا يزال، بالمأساة السورية من ألفها إلى يائها.
أكثر البيان من الحديث عن وحدة الأراضي السورية، فلم يكد بند من بنوده يخلو من الإشارة إلى ذلك الأمر، لكن البيان لم يشر إلى الكيفية التي تجري من خلالها وحدة الأراضي، مع وجود الاحتلالات المختلفة والجيوش المتعددة، ناهيكم بالمليشيات التي تعيث فساداً في المحافظات السورية كافة. والحقيقة أن جماعة أستانة غير قادرة أن تتفرد بحلٍّ لا يلبي حقوق السوريين التي أهدرت. ولا يُقنع، في نهاية المطاف، المنظومة الدولية وأممها المتحدة وقرارها 2254 الذي يعد وسطياً أرضى الأطراف المتنازعة، ولا أيا من منظماتها الإنسانية التي وقفت على أوجاع السوريين عن كثب، ولا يمكِّن السوريين من تحقيق سلامهم الداخلي.. ولعل في رفض الولايات المتحدة حضور اجتماع سوتشي دلالة واضحة على أن هذه الخطوات كلها لا تقود إلى سلام عادل، وأنه لا مناص من البدء بتطبيق القرار الأممي المتفق عليه، وما عداه إمعان في المأساة السورية.
لم يكتف الروس بما فعلوه في سورية من قتل وتدمير وتهجير. ولم يكتفوا مما قد حصلوا عليه، ولذلك تراهم يطلبون الاستزادة، وتأمين مصالحهم، وديونهم، ومَنْ غير بشار الأسد يضمن ذلك؟ من هنا تراه يزداد شططاً وتطاولاً على الشعب السوري. أما وجه المشكلة الآخر، فإنه في من يمثل الشعب السوري.. هؤلاء الذين لم يكونوا حقيقة على قدْر المسؤولية، ولم يستطيعوا تجسيد حلم السوريين الذين وضعوا دماءهم على أكفهم، ونزلوا إلى شوارع مدنهم عام 2011.
المصدر: العربي الجديد