قالت مجلة “فورين بوليسي” الأميركية إن المعابر الحدودية في سوريا تحوّلت إلى اختبار إستراتيجي للعلاقات الاميركية-الروسية المتجددة، مشيرةً إلى أن هناك خيارين أمام واشنطن؛ إما اتباع سياسة الضغط على موسكو أو التواصل مع جميع الشركاء لحل هذه المسألة الإنسانية.
وقالت إن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن أشارت في مواقف سابقة إلى أن سوريا لن تكون أولوية بالنسبة لواشنطن، فهي، مثلاً، لم تعيّن مبعوثاً خاصاً إلى سوريا، كما فعلت الإدارتان السابقتان. إلا أن بايدن يولي إهتماماً لقضية وصول المساعدات الإنسانية إلى سوريا، وهو حرص في اجتماعاته الأخيرة مع نظيريه الروسي فلاديمير بوتين، والتركي رجب طيب أردوغان على إثارة هذه القضية.
وأشارت المجلة إلى أن إدارة بايدن حوّلت مفاوضات مجلس الأمن لإعادة تفويض المعابر في سوريا إلى اختبار استراتيجي لرغبة روسيا في التوصل إلى حلول وسطية معها، ما يجعل المفاوضات الحالية حدثاً مهماً لمقاربة الإدارات للدبلوماسية في الشرق الأوسط. وتساءلت الصحيفة عن التنازلات التي قد يرغب بايدن في منحها لروسيا والنظام السوري من أجل الحفاظ على وصول المساعدات، وما إذا كانت إدارة بايدن بإمكانها خلق الزخم اللازم لتحقيق أهداف أكبر في سوريا.
المناورة الروسية
في المقابل، تدرك روسيا أن الولايات المتحدة وأوروبا مهتمتان بهذه القضية الإنسانية، لذا هي تستخدم قضية المعابر الحدودية كسلاح للضغط. وأشارت المجلة إلى تفوق واشنطن وحلفائها على موسكو في مجلس الأمن ست مرات، إلا أن روسيا نجحت مؤخراً في إغلاق ثلاثة من أربعة معابر حدودية في سوريا، الأمر الذي كان له تأثير مدمّر على وصول المساعدات الإنسانية.
ورأت “فورين بوليسي” أن المفاوضات تختلف هذا العام لأسباب منها: أولاً، تجري المفاوضات أو التسوية في ظل وجود معبر واحد فقط متبقٍ، وهو معبر (باب الهوى) مع تركيا، ثانياً، واشنطن تقول إن المفاوضات هي إمتحان كبير لاستعداد روسيا تقديم تنازلات مهمة، وثالثاً، هي تجري في ظل غموض من قبل إدارة بايدن حول سياستها على صعيد سوريا بالذات.
ونقلت المجلة عن مسؤولين أميركيين قولهم، إن موسكو ستحاول ممارسة سياسة الضغط خلال هذه المفاوضات لتحقيق مكاسب سياسية، ولكن في واقع الأمر، هي لا تريد إغلاق المعابر الحدودية كاملةً. واعتبر المسؤولون أن المفاوضين الروس يدركون أنه في حال تم إغلاق الحدود، فإن ذلك قد يؤثر على اتفاق وقف إطلاق النار “الهش” في إدلب السورية، وهو سيناريو لا تحبّذه روسيا وسوريا، مضيفة أن كلاً من موسكو ودمشق لا تريدان التعامل مع سكان تلك المحافظة المنشقين عن النظام، والبالغ عددهم 3.5 مليون نسمة.
خيارات واشنطن
ولفتت “فورين بوليسي” إلى أن لدى واشنطن خيارات قليلة لإجبار موسكو على إعادة التفويض، فمثلاً قد تقوم بالتصعيد والتهديد إضافة إلى الضغط على قوات قسد لتقليص تعاونهم مع القوات الروسية في شمالي شرق سوريا. كما قد تزيد واشنطن العقوبات على النظام السوري. أما في حال وافقت روسيا على إعادة التفويض، فقد تتبع الولايات المتحدة استراتيجية دفاعية وتكافئ روسيا على تعاونها، عبر زيادة المساعدات الطبية إلى المناطق التي يسيطر عليها النظام في ظل جائحة كورونا، والسماح بتقديم المساعدة للمنظمات الإنسانية في تلك المناطق، وتسريع الموافقة على التراخيص للمواد الإنسانية هناك أيضاً.
وقالت المجلة إن الإستراتيجية الوحيدة التي لا ينبغي على واشنطن إتباعها هي تلك المتعلقة بالتطبيع مع النظام وإعادة إعمار سوريا، مشيرةً إلى أن “على الولايات المتحدة أن ترفض بشدة محاولات التطبيع مع النظام التي انطلقت في الخليج”، لافتةً إلى أن “روسيا تهدف إلى إعادة سمعة بشار الأسد دولياً والادعاء بأن الأزمة السورية انتهت.”
ولفتت إلى أن “روسيا تريد رفع العقوبات المفروضة على الأسد للسماح بتمويل إعادة الإعمار من أوروبا والخليج والولايات المتحدة، لكن معظم هذه الأموال ستستخدم لمكافأة موسكو وطهران على دعمهما والاستثمار في مشاريع كبيرة تخص النظام، وهي بالتالي، لن تؤدي إلى إعادة إعمار حقيقية لسوريا.”
وأضافت المجلة أن أميركا لا تستطيع القيام بالتحرك الدولي لإيصال المساعدات السورية وحدها، وبالتالي تلعب تركيا دوراً أساسياً في الدعوات لإعادة تفويض معبر “باب الهوى” عبرها، في وقت تحاول أنقرة وواشنطن إصلاح علاقاتهم لاحتواء النفوذ الروسي.
لكن، إذا دعمت تركيا جهود الولايات المتحدة لفتح المعابر، فمن المرجح أن تطلب موسكو أمرين من أنقرة وهما أن تنفذ التزاماتها بوقف إطلاق النار في إدلب، وأن تسحب قواتها جنوب الطريق الرئيسي إلى المدينة.
واعتبرت “فورين بوليسي” أن على واشنطن أن تعمل مع جميع الشركاء في ظل سعيها لإعادة تجديد التفويض لمعبر باب الهوى والمعابر الأخرى، مشيرة إلى أن باستطاعة الولايات المتحدة تحويل المفاوضات الحالية إلى جسر لبناء الثقة مع موسكو، ما يفتح الباب لمزيد من المفاوضات بينهما حول سوريا، كما يؤدي إلى تجديد الدور الأميركي في المنطقة، منبهةً من سياسة الضغط التي ستؤدي إلى المجازفة بملايين السوريين في شمال سوريا.
ولفتت المجلة إلى أنه “لا شيء مضموناً حتى الآن حول وصول المساعدات الإنسانية عبر المعابر الحدودية إلى شمال سوريا، علماً أنها سبيل النجاة الوحيد للمدنيين والمسلحين المدعومين من تركيا والمعارضين للنظام السوري، في مواجهة هجمات النظام المدعوم من روسيا.”
المصدر: المدن