بعد سقوط أفغانستان في أيدي حركة طالبان، سارعت الولايات المتحدة إلى سحب دبلوماسييها وتعمل على إخراج ما تبقى من مواطنيها داخل البلاد، لكن روسيا والصين اتخذتا موقفا مغايرا في ضوء الانسحاب الأميركي، وسيطرة الحركة على الحكم مرة أخرى.
وتشير التقارير إلى أن روسيا ستقوم بإجلاء جزئي لموظفي سفارتها في كابل، فيما أعلن سفيرها، دميتري جيرنوف، أنه سيجتمع مع قادة طالبان، وقامت الحركة بتأمين المجمع الروسي هناك.
أما الصين، التي قامت في عام 1993 بعد انهيار حكومة أفغانستان المدعومة من السوفييت بإخلاء سفارتها في كابل، فلم تعلن عن خطط إخلاء، هذه المرة، وأبدت استعدادها للاعتراف بحكومة بقيادة طالبان.
ويقول موقع “يو أس نيوز” إن الصين تعتبر أفغانستان “منطقة عمياء” في حملتها لقمع المتشددين في إقليم شينجيانغ المضطرب، الذي يحد أفغانستان شمال غربي البلاد، وتعتبرها أيضا “عقبة محتملة أمام استثماراتها الاقتصادية في المنطقة”.
وعلى الرغم من القلق الصيني من أن تصبح أفغانستان ملاذا آمنا للجماعات المتشددة بعد سيطرة طالبان، التي وفرت الدعم لمثل هذه الجماعات في شينجيانغ، إلا أنها أبدت انفتاحا تجاه إقامة علاقات مع الحركة.
وكانت الحركة قد أعربت، الثلاثاء، في أول مؤتمر صحفي لها منذ الاستيلاء على الحكم في البلاد، أنها “لا تريد تكرار الحرب والقتال ولا تريد بناء عداوات لا في الداخل ولا في الخارج”، وأضاف الناطق باسم حركة طالبان، ذبيح الله مجاهد “نطمئن كل العالم والولايات المتحدة أن أفغانستان لن تكون منطلقا لأي أعمال إرهابية”.
والشهر الماضي، استضاف وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، كبار قاد الحركة، وطالبهم بقطع العلاقة مع “حركة شرق تركستان الإسلامية” (أو الحزب الإسلامي التركستاني)، وهي جماعة انفصالية ألقت بكين باللوم فيها على الهجمات في شينجيانغ. يي قال أيضا إن طالبان ستلعب دورا مهما في إعادة بناء أفغانستان.
هذا الاجتماع قوبل باستغراب بالنظر إلى حملة الصين القمعية ضد مسلمي الإيغور في شينجيانغ، لكن الاجتماع سبقه تأكيد من طالبان بأنها لن تسمح باستخدام البلاد كقاعدة لشن هجمات على الصين.
وكانت الباحثة، وانغ يانينغ، المحاضرة في أكاديمية قوات الشرطة المسلحة الصينية، قد كشفت في ورقة بحثية بعد إطاحة الولايات المتحدة بحكم طالبان، في 2001، إنه تم تدريب أكثر من 400 “انفصالي” في شينجيانغ على الأسلحة الخفيفة والثقيلة والعبوات الناسفة في معسكرات تدريب لطالبان.
فيكتور جاو، المسؤول السابق بوزارة الخارجية الصينية قال لوشنطن بوست: “لقد أبلغتهم بكين بوضوح شديد أنها لن تسمح لأفغانستان أن تستخدم من قبل أي قوة لتهديد الصين”.
وتقول الصحيفة إن بكين “خففت” من حملتها تجاه إقليم شينجيانغ مؤخرا، ومع “استكمال طالبان سيطرتها” تواجه الحكومة الصينية إمكانية تجدد أعمال التطرف هناك “وقد يؤدي تجديد الحملة (القمعية في الإقليم) إلى احتجاج دولي”.
المحلل السياسي فريدريك فليتز، مدير “مركز السياسة الأمنية”، والمدير السابق لمركز الأمن القومي خلال إدارة الرئيس السابق، دونالد ترامب، قال لموقع الحرة إنه يعتقد أن “قادة طالبان والصينيين متفقون على عدم التدخل في شؤون بعضهم البعض”.
ويرى ديفيد بولوك، زميل “معهد واشنطن” في تصريحات لموقع الحرة أن الطرفين لا يرغبان في خوض “خيار المواجهة” وأن طالبان “مشغولة بإرساء حكمها في أفغانستان، أما الصين أعلنت بوضح أنها تريد علاقة جيدة”.
ويقول إن الصين ترغب في “حدود هادئة” مع أفغانستان وعدم تعطيل استثماراتها هناك، وترغب في عدم قيام طالبان بزعزعة استقرار جيرانها”، ويعتقد أن الحركة “تسير في هذا الاتجاه كما هو واضح من بياناتها وتصريحاتها التي تنم عن نبرة تصالحية مع العالم”.
ويقول إن الحركة ربما تكون “أكثر صرامة” مع المجموعات المسلحة عبر الحدود، ولكن ربما لن تكون لديها الإمكانيات للسيطرة على جميع المناطق.
هايون ما، الأستاذ في جامعة ولاية فورتسبورغ الألمانية، قال لوشنطن بوست إن بإمكان طالبان “الحد من قيام هذه الجماعات بمهاجمة الصين أو المشاريع الصينية، لكن من غير المرجح أن تسحقها بالكامل أو تطردها بالقوة”.
شون روبرتس، الأستاذ بجامعة جورج واشنطن الأميركية، قال للصحيفة إن طالبان قد تعد الصين بأنها لن تسمح لمسلحي الإيغور بمهاجمة المشاريع أو المؤسسات الصينية، لكن “السؤال الذي سيبقى هو ما إذا كان بإمكان طالبان السيطرة على كل فرد”.
فليتز، ورغم اعتقاده أن الجانبين سيقيمان “علاقة جيدة في المستقبل القريب”، إلا أنه لا يتوقع أن تستمر لفترة طويلة لأن طالبان “ستعارض اضطهاد الصينيين للإيغور”.
تدخل عسكري؟
وتعتبر الصين فكرة “عدم التدخل” محورا رئيسيا من محاور سياستها الخارجية، وجاء في مقال على صحيفة وول ستريت جورنال أن الصين معرضة للخطر أكثر بكثير من روسيا، فهي على عكس موسكو، لم تنشر قوات من قبل للحفاظ على الأمن خارج حدودها منذ عقود.
كلود راكيسيتس، المسؤول الدفاعي الأسترالي السابق، قال لواشنطن بوست، إن الصين تسعى إلى أن يكون لها نفوذ أكبر في أفغانستان، لكنه استبعد أن ترسل “جنودا على على الأرض”.
مصالح اقتصادية
ويؤكد بولوك وفليتز أن للصين مصالح اقتصادية في أفغانستان أكبر من روسيا.
ويشير مقال وول ستريت جورنال إلى أن الصين استثمرت مليارات الدولارات في تطوير بنية تحتية في باكستان المجاورة كمرساة لمشروع “الحزام والطريق”، الذي “استفاد من الوجود الأميركي في أفغانستان” ويقول إن قرار الولايات المتحدة الانسحاب دفع خطط الاستثمارات الصينية في المنطقة إلى “حالة من عدم اليقين”، وأصبحت المشاريع الصينية “معرضة لخطر انتشار العنف من أفغانستان”.
وتابع المقال أن الصين ستعمل مع باكستان وإيران وروسيا ودول آسيا الوسطى للحد من التأثير على مصالحها الاقتصادية، لكن هذه الدول “ستكافح من أجل حماية مصالحها الخاصة”، وهذا ما دفع الصين إلى تعزيز علاقاتها الدبلوماسية مع طالبان.
التوجه الروسي
رغم أن العلاقات التاريخية بين طالبان وروسيا شابتها الكثير من القلاقل والنزاعات، وقاومت الحركة غزوا سوفييتا استمر نحو 10 سنوات، إلا أن هذه العلاقات تطورت في السنوات الأخيرة وأقام الجانبان “حوارا” ورعت موسكو “محادثات سلام”، وفق آنا بورشفسكايا، المحللة المختصة بالشأن الروسي في “معهد واشنطن” التي تحدثت لموقع الحرة.
وبعد وصول طالبان للعاصمة الأفغانية، أشاد السفير الروسي، دميتري جيرنوف، بسلوك الحركة، وقال إن الجماعة، التي لا تزال مصنفة رسميا كمنظمة إرهابية في روسيا، “جعلت كابل أكثر أمانا… والوضع هناك تحت حكم طالبان أفضل مما كان عليه في عهد (الرئيس) أشرف غني”.
صحيفة وشنطن بوست قالت إن تعليقات السفير تعكس “جهدا روسيا لتعميق علاقاتها الراسخة مع طالبان والاعتراف بها باعتبارها الحاكم الشرعي لدولة حاولت السيطرة عليها وفشلت”.
وتقول بورشفسكايا إن روسيا تريد ملء الفراغ الذي تركته الولايات المتحدة، لكن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين “مهتم أكثر بالخطاب المعادي للولايات المتحدة أكثر من محاربة الإرهاب، فطالبان مصنفة بالفعل منظمة إرهابية في روسيا، إلا أن هذا لم يمنعها من بناء علاقات معها”.
وتشير إلى رغبة موسكو في “إيجاد قدر من الاستقرار” في المنطقة، فهي كانت قد دعمت المهمة الأميركية في أفغانستان، لأنها كانت تعاني من الاتجار بالبشر القادم من هناك، وفي الوقت ذاته، كانت لديها مخاوف من التواجد الأميركي في وسط آسيا.
وتقول واشنطن بوست إن روسيا تريد “منع انتقال حالة عدم الاستقرار في أفغانستان إلى منطقة آسيا الوسطى”، وهي جزء من الاتحاد السوفييتي السابق “تعتبره ساحة خلفية خاصة بها”، وألا تصبح أفغانستان “نقطة انطلاق للجماعات الإسلامية المتشددة الأخرى”.
وكانت القوات الروسية أجرت هذا الأسبوع تدريبات مشتركة مع قوات من طاجيكستان وأوزبكستان على حدودهما مع أفغانستان، وقامت بالتنسيق مع جيران أفغانستان على حفظ الأمن.
بولوك لفت إلى أنه ليس لروسيا حدود مشتركة مع أفغانستان، وتفصلهما بلدان استقلت عن الاتحاد السوفييتي، لذلك فأفغانستان “ليست تهديدا حدوديا مباشرا كما كانت أثناء الحقبة السوفييتية”، لكن لدى روسيا مصلحة في استقرار الدول المحيطة وهي دول “ضعيفة” وهناك فصائل وجماعات “قد تستغل الموقف”.
وتقول آنا إنه من المبكر الحديث عن إرسال قوات روسية إلى هناك، مشيرة إلى أن “هذا سيعتمد على الموقف على الأرض”، لكنها تشير إلى التدريبات العسكرية الأخيرة، والارتباطات الأمنية لموسكو مع دول وسط آسيا التي تلزمها بالتدخل في حالات معينة.
ويشير بولوك إلى أن الصين وروسيا “تنسقان مع بعضهما البعض دبلوماسيا وعسكريا وقامتا بمناورات على الحدود مؤخرا وتريدان إظهار أنهما جبهة واحدة تخدم الاستقرار ويمكن أن تقيما علاقات مشتركة مع طالبان وهذه الرسالة وصلت طالبان بالفعل”.
أما فليتز، المدير السابق لمركز الأمن القومي خلال إدارة ترامب، فقد توقع أن تسمح طالبان للروس بتواجد دبلوماسي “لكن لن تكون هناك علاقة وثيقة” لأن طالبان “لا تثق في روسيا منذ الغزو السوفييتي”.
المصدر: الحرة. نت