أمس كان يوم الأرض في فلسطين المحتلة، وهو يوم يختلف عن أي وكل مناسبة أخرى، لأنه في جوهره إعلان بالتمسك بفلسطين، أرض فلسطين، ورفض لأي ولكل تنازل عنها تحت أي ذريعة، كذلك هو إعلان بحق الفلسطينيين بكل الأرض الفلسطينية، وفي هذا الحق يدخل حقي العودة ، والتحرير. وفي هذه المرحلة بالذات وقد تضافرت المؤشرات باتجاه النظام السياسي العربي الى التطبيع الكامل مع العدو الصهيوني، يصبح إعادة تسليط الضوء على معيار “الموقف من فلسطين”، باعتباره قاعدة الحكم على الموقف القومي والوطني ، لأي شخص، أو تجمع ، أو حزب، أو نظام، ضرورة لازمة ، حتى لا تضيع الموازين القسط، وحتى لا يسقط أحد في موقف لا يتمناه، وحتى نمتلك دائما وفي كل الظروف معيارا للحكم على الأحداث والمواقف والتوجهات. فلسطين: الأرض والانتماء والمقدسات والشعب . فلسطين هذه هي قبلتنا في تحديد اتجاه الصواب من اتجاه الخطأ، اتجاه حفظ الأمانة من اتجاه التفريط بها. لا شك ان تحرير فلسطين كل فلسطين، فرض على كل عربي فلسطيني كان ام من اقليم آخر ، وليس مرجع هذا الفرض الالتزام بحماية الحق العربي والارض العربية، وإنما مرجعه الأهم هو حماية النفس ، وحماية مستقبل الانسان العربي في اقليم كان، وحماية أمن واستقرار كل بلد عربي. وهي فرض على كل مسلم بحكم طبيعتها المقدسة، وفرض على كل انسان بحكم الالتزام الأخلاقي بمحاربة الظلم والعنصرية وسياسات التهجير . ونتيجة إدراكنا لعموم الوضع العربي فإننا هنا لا نطالب الا بالحد الأدنى، المطلوب والذي يمثل التنازل عنه، تنازلا عن كل القيم الوطنية والقومية والدينية والانسانية، وفي الوقت نفسه تفريطا بكل شيء بدءً من القيمة الشخصية والاحترام الذاتي، ومرورا بالنظام والحكم نفسه الذي يستند اليه، وصولا الى التفريط بحقوق الأمة ومستقبلها. ليس هناك شيء على الاطلاق ليس هناك حدث أو خطر أو تطور يسوغ موقفا يتضمن القبول بضياع فلسطين ويتضمن التعامل مع الكيان الصهيوني باعتباره جزءا طبيعيًا من دول المنطقة، فضلا عن اعتباره مدخلا لرضا هذه القوة الدولية أو تلك..
وقد يتساءل البعض أما زال هذا الكلام، هذا الموقف، هذا المعيار، صالحا وواقعيا في هذا الزمان. وما نريد ان نؤكده هنا أن هذا الموقف والمعيار الذي نذكر به هو الوحيد الواقعي والعملي والمبدئي بآن واحد، إذ أن ما بيننا وبين الكيان الصهيوني ليس خلافا على حدود، ولا خلافا في سياسات أو تحالفات، وإنما هو خلاف على وجود، ومن لم يدرك ذلك بعد فلينظر في مسيرة التسوية وقد مضى عليها الآن نحوا من خمسين عاما وحصيلتها الوحيدة أنها زادتنا فرقة وتخلفا وضياعا وزادت عدونا تقدما وقوة وانتشارا في الأرض…. في يوم الأرض نعيد التأكيد بأن فلسطين هي المعيار، كانت وستبقى، وفلسطين قوية بنفسها ، بطبيعتها السماوية، وقوية بشعبها، وقوية بأمتها العربية، وقوية بالوعي الانساني للطبيعة العنصرية للعدو الصهيوني. وحين يقف أحدنا مع فلسطين فإنه يقف اولا وقبل كل شيء، يقف من أجل نفسه، وقيمته، وكرامته، ومستقبله. كل الذين أسقطوا فلسطين من حسابهم، سيعرفون لاحقا، أنهم إنما أسقطوا أنفسهم من كل حساب وانتقلوا ليكونوا على الجانب الآخر، حتى ولو كان القرآن فوق رؤوسهم.