محمود الوهب
لطالما جاهر السيد حسن نصر الله، بالقول، ودونما أي حرج، مادام يرتدي عباءة المقاومة: “إن موازنة حزب الله ومعاشه ونفقاته وأكله وشربه وصواريخه من الجمهورية الإسلامية في إيران”، وليس ذلك فحسب، بل إنه ذهب إلى أن مشروعه في لبنان: “ألَّا يكون لبنان دولة إسلامية واحدة (منفردة) بل هو جزء من دولة إسلامية كبرى، يحكمها صاحب الزمان ونائبه بالحق الولي الفقيه الإمام الخميني” (ولا أحد يعرف ما الذي سيفعل حسن نصر الله بالأغلبية المسيحية).
اليوم لم يكتف حزب الله بما فعله في لبنان مع حليفه ميشيل عون وصهره جبران باسيل بل إن الطبقة السياسية الحاكمة كلها متهمة بما آل إليه لبنان، وخصوصاً بعد اغتيال رفيق الحريري في 14 شباط عام 2005، من حالة فساد غير مسبوقة في تاريخ لبنان الحديث، ما أدى إلى إفقار شعبه، وجعل ثلث شعبه يعيش تحت مستوى خط الفقر.. (32% من عدد السكان) وفقدانه إلى جانب استقلال بلاده السياسي ضرورات الحياة اليومية للمواطن اللبناني، وتهديد الدولة كلها بالانهيار..
اليوم يحاول حزب الله الإجهاز على ما تبقى لدى المواطن اللبناني من قيم وطنية وأخلاقية وإنسانية.. قيم تتصف بالنزاهة، واحترام الدستور والقوانين.. اليوم، ولأنه لمس الحياد من مواطنه القاضي “طارق البيطار” الموكل إليه قضية تفجير مرفأ بيروت الذي أودى بحياة مئتين وعشرين لبنانياً، وجرح أكثر من ستة آلاف آخرين، وهدَّم ولمسافة عدة كيلومترات منازل اللبنانيين أو أصابها بأضرار بالغة.. إضافة إلى تدميره منشآت المرفأ وما يحيط به من مبان حكومية تتجاوز خساراتها مليارات الدولارات، ذلك إن لم نأخذ بالحسبان الخسارات الاقتصادية التي سوف تتراكم بسبب خروج المرفأ عن العمل لأمد مجهول.
اليوم يقف “السيد” ليخاطب الحكومة بكل فجاجة مطالباً إياها: بعزل القاضي “البيطار”، أو إنه سيسحب وحليفه وزراءهما من الحكومة، أي إنه يذهب إلى تعطيل الحكومة، بعد أن كان قد عطل تشكيلها عامين كاملين.. وذلك يعني أنَّ ما تقوله إيران هو الذي يجب أن يمشي.. (وصل حسين أمير عبد اللهيان وزير خارجية إيران إلى لبنان مساء الأربعاء 13 أكتوبر 2021). وأما حجة السيد “نصر الله” فهي أنَّ القاضي “البيطار” يعمل على تسييس القضية.. هكذا.. وكأن المسؤولين عن تفجير مرفأ بيروت الحادثة الأفظع في تاريخ لبنان، هم عمال النظافة في المرفأ، لا سياسيون كبار أوصلوا لبنان بأفعالهم إلى حافة الهاوية، وربما إلى فقدانه كلياً.. وكأن حادثة المرفأ هي حادثة سير عادية لا تستوجب أن يسأل عنها سياسيون.
ولم يكتف بذلك بل حرك مظاهرة لتتجاوز مسيرتها في محاولة منها لاستفزاز بعض القوى المسيحية، وبالتالي، لتنذر بحرب أهلية تفرض وجوده بقوة السلاح، لكن لبنان الذي عانى ويلات تلك الحرب يرفض ومحيطه العربي هذا التطاول الإيراني، من خلال حزب الله، الذي يتصرف وحلفاؤه بما ينافي كل عرف أو قانون أو شرع سياسي، يتعلق بالسيادة الوطنية، ورغم أن اللبنانيين اعتادوا على هذه الفظاظة، لكنه، هذه المرة، يطرح سؤالاً بالغ الأهمية:
هل ينسجم تصرف حزب الله مع أوضاع لبنان الآيل إلى السقوط الكلي، وهل تراه يتوافق مع الظروف الصعبة التي تعيشها إيران الدولة الراعية لأحزاب الله؟!
في الجواب يمكن القول نعم هو كذلك، وما هذا التصرف إلا تعبير عن ردة فعل عنيفة وأزمة عميقة يعيشها الحزب.. فلقد تغيَّرت ظروف عام 2008، أيام أنزل حزب الله ميليشياته لتحتل بيروت في حال مشابهة، إذ كان “السيد” مزهواً بصموده عام 2006 أمام العدوان الإسرائيلي مثبتاً دور المقاومة، رغم تدمير الضاحية، وندمه فيما بعد عن تسببه بتلك الحرب! (اختطاف الجنديين) أما اليوم فقد جرت مياه كثيرة، تراكمت خلالها فعائل حزب الله وحلفائه، ومعظم الطبقة السياسية بحق لبنان، ما أثر في أمزجة اللبنانيين الذين عبَّروا عن ذلك بحراك الشارع، ولا بد من التذكير من أن حزب الله قد فقد بريقه المقاوم بعد دخوله إلى سورية، وبعد الصمت المطبق تجاه عدوان إسرائيل المتكرر على سورية ولبنان، وهو الذي كان يهدد بآلاف الصواريخ التي سوف تنهال على إسرائيل! فجاء تفجير المرفأ فضيحة كبرى، وقد نشر الإعلام تفاصيل ما جرى عن السفينة التي فرغت شحنة الأمونيوم، وعن نقل كميات منه إلى سورية وغيرها وقد فضحت، وثمة تقارير تؤكد ذلك.
يضاف إلى كل ذلك أنَّ وضع “المشغِّل” الفعلي (إيران) اليوم ليس على ما يرام، لا بسبب معاناة الإيرانيين تأثير العقوبات الأمريكية في حياتهم المعيشية، إضافة إلى حالة القمع التي يعيشونها، وتهديدهم بالموت لدى أيَّة شكوى.. وجاءت تصريحات وزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي لتزيد لا في أزمة حزب الله بل في آزمة لبنان كله ما دعا وزير العدل السابق أشرف ريفي إلى القول محتجاً: يجب أن يعلم رئيس الوزراء ميقاتي “أننا لبنانيون عرب ولسنا لبنانيون فرس”.
وغني عن القول إن حزب الله حاول في السنوات الأخيرة تجاوز الحال المالية التي كان يباهي بها نصر الله والتعويض عنها بالمخدرات زراعة وتجارة، وهو المحتمي بالمقدَّس في وسط ديني لا يجمع عليه أصلاً.. ويتعاون الحزب في هذا الأمر مع “ماهر الأسد” قائد الفرقة الرابعة في سورية المتماهية بميليشيا حزب الله.. كما تزداد الضغوط الأمريكية على إيران بشأن الاتفاق النووي.. وتضغط إسرائيل، من جهة ثانية، خوفاً من توصل إيران إلى صناعة القنبلة النووية، وتقترح عملاً عسكرياً.
أما بشأن لبنان فقد زارت نائبة وزير الخارجية الأمريكية لبنان، وعبرت عن تقديم حكومتها المساعدة للبنان، وأشارت في سياق حديثها إلى أهمية استقلال القضاء، ولم تغفل التذكير بضرورة حصر السلاح بيد الجيش اللبناني. ولعلَّ ما أفرزته الانتخابات العراقية هو الأكثر أهمية في كل ما ذكر، إذ أفضت نتائجها إلى تغيُّر إيجابي في الصف الشيعي لصالح الأكثر اعتدالاً في علاقته مع إيران، ولصالح استقلالية العراق، إضافة إلى نجاح عشرين مستقلاً.. كل ذلك يشير إلى انعكاس احتجاجات الشباب العراقي عام 2019 في تلك النتائج.
رغم أن المتظاهرين قاطعوا الانتخابات لتقديرات خاصة بهم، وثمة من يتوقع أن يكون للانتخابات اللبنانية القادمة تأثيراً مماثلاً فشعارات اللبنانيين والعراقيين موحدة تقريباً، وقد استهدفت نظام الطوائف والمكونات في البلدين، وأدانت فسادهما، وارتهانهما، ونهبهما لثروات شعبيهما.. ولا شك في أن ذلك سوف يؤثر في سورية أيضاً، فالتدخل الإيراني في شؤونها كافة غدا مقلقاً لشعبها.. كل ذلك يؤكد أن تصرف حزب الله ناجم عن أزمة عميقة، هي امتداد للمأزق الإيراني الدولي والإقليمي.. وما زعم حسن نصر الله بأن لديه مئة ألف مقاتل إلا نوع من التهديد البائس! فقد وصل لبنان إلى حال مفصلية، فإما الذهاب إلى دولة الديمقراطية والقانون واستقلالية لبنان.. وإما الهلاك فقراً وذلاً ذلك إذا تجنب حرباً أهلية لا أحد يعرف مؤداها..
المصدر: نداء بوست