مصعب عيسى
من قبيل الفكاهة ربما أو من باب الضحك على الذقون يطل علينا محمود عباس وعبر أعضاء لجنته التنفيسية بتصريح ناري وهو التوجه الى بريطانيا ومطالبتها سلميا عبر زرع الليمون والتفاح بالاعتذار عن وعد السيد بلفور قبل قرن ونيف ذاك الوعد المشؤوم الذي يحتوي على سبعة وستين كلمة شكلت انحرافا خطيرا في جغرافية وتاريخ فلسطين والذي تم بموجبه منح اليهود كيانا قوميا على ارض فلسطين التاريخية.
تصريح عباس وزمرته هذا لم يكن سوى ذر الرماد في العيون لتحريك عملية التسوية وتحسين شروطها من خلال إعادة التأكيد على حل الدولتين وإقامة دويلة فلسطينية منزوعة السيادة على ما تبقى من أراضي فلسطين المحتلة عام 1967 تصريح اريد به باطلا للتاكيد على ان كل المشاريع النضالية تمر من تحت ذراع السلطة , وسرعان ما راحت جالياتنا المصونة عبر وكلاءها من جمعيات وتنظيمات منزوعة الهيبة والوقار للدعوة الى المشاركة في الوقفات الاحتجاجية امام سفارات بريطانيا لمطالبتها بالاعتذار عن وعد احد رعاياها فهل ستقبل بريطانيا فعلا بهذا الضغط الخنفشاري للتراجع عن وعد ابرمته بكامل ارادتها طبقا لمصالحها وسياساتها الاستعمارية ؟
هنا يفتح التاريخ مصراعيه على أسئلة طرحها الشارع الفلسطيني المغيب والتائه بين أوراق التسويات والاتفاقيات سؤال لطالما راودني انا الفلسطيني اللاجئ والهارب من لجوء الى اخر بحثا عن هوية ووطن
ايهما اخطر وعد بلفور ام وعد أوسلو الاحدث زمنيا والذي لم يمضي عليه مثل ما مضى على وعد بلفور والذي تم بأيادي فلسطينية وحبر فلسطيني واجماع شبه فلسطيني من ذاك التكوين السياسي الذي كان يسمى منظمة التحرير والذي تحول بفعل أوسلو الى مجرد بيت مهجور فاقد لكل مقومات البناء التنظيمي المضاد لرياح السياسة وهطول المال الجزئي والغزير وضغط التراب المتراكم في اوتاد الخيمة
الكل يعرف بلفور والكل يدرك خطورته وماذا فعل وما نتائجه الكل يعرف ماهية هذا الوعد من اكبر شيخ في فلسطين الى اصغر رضيع في ابعد خيمة فلسطينية
لكن هل هذا الكل يدرك ماهية وعد أوسلو المشؤوم ويعرف خطورته ونتائجه الحالية والمستقبلية على تاريخ وجغرافية فلسطين
هل يعلم الكل عن خبايا أوسلو على الانسان الفلسطيني في الداخل وفي الشتات
وكيف قدم الأرض الفلسطينية على طبق من ورق ذات خريف قبيل اكثر من ثمانية وعشرين عاما على احد طاولة البيت الأبيض ومن ذاك الوقت الى الان والحياة الفلسطينية من خريف الى اخر ومن هطول الى اخر ومن نزيف الى اخر ومن انقسام الى اخر حتى مل الانقسام من شرذمة الحالة الفلسطينية التي لم يذكر لها قرين في العصر الحديث
وعد أوسلو الذي سلخ اكثر من ثلثي الأرض الفلسطينية مقابل مبنى صغير قدم هدية للرمز ليشعر بالسيادة ولو على خازوق كما يقول المثل الشعبي , فغدت خارطة الوطن اشبه بالمسخ الجغرافي البشع وكأن كنفاني كان يعلم ان تعريف الوطن هو ان لايحدث كل هذا …اه لو تعودين يا صفية وترين خارطة الوطن الجديد المحاط بالمستوطنات والمقسم بالحواجز والأرقام والمتوج بمجلس تشريعي لا يقوى ان يمنح اذنا للعبور من قرية الى أخرى ورئيسا يعيش تحت بساطير الاحتلال ويقدم لهم مدينته التي لجا منها الى مخيمات سورية ويعطي القدس شكلا اخر مناسب لدويلة التنسيق الأمني
وعد أخطر بكثير مما نتحدث عنه ولا يسعني في هذا المقام ان اشرح عن نتائجه وحيثياته تلك التي قسمت الانسان الفلسطيني نفسه الى تقسيمات جغرافية تبعا لشكل الوطن الجديد المحدث فأصبح لكل جغرافية همها الفلسطيني الخاص بها بعد ان كان الهم الفلسطيني واحدا وموحدا لكل الفلسطينين و لكل الشعوب
وراحت الكلمة الحرة تبحث من جديد عن وطن لحبرها الهارب من سطوة السلطان ورجاله فاصبحت فلسطين التاريخية وشما يكتب بالحبر السري خوفا من المقصلة وأصبحت البندقية الثائرة مطاردة بين الوديان والسهول وفي الانفاق هربا من بلطجية التنسيق الأمني الذي وجد لتكريس الاحتلال وهيمنته على هذه الأرض المغتصبة
لم يعد الاحتلال بحاجة الى دوريات واقتحامات وخطط عسكرية وميزانيات من اجل قمع مظاهرة او مطاردة بنادق او إيقاف كلمة كل مايحتاجه هو مكالمة واحدة ويتكفل امن الوطن الجديد بمهمات نيابة عن المحتل ولا زال الكثير منا يدافع عن رمز أوسلو وساساتها بحج واهية وتحت ذريعة ما كان بالإمكان اكثر من الذي كان …او تراهم يتمنطقون بفلسفة الفن الممكن وهذا ما دفعنا العرب لفعله …لم يدفع العرب أحدا لفعل أي شيء الا اذا كان الاخر مغيب عقليا ..لان من يقمع مظاهرة فلسطينية بهراوة فلسطينية لايمكن ان يكون فاقد للعقل والادراك هو يعرف تماما ماذا يخطط وماذا يفعل وماذا سيفعل
هذا الخريف المشؤوم لازلنا نعيش ازماته المتكررة منذ عقود ونعيش نتائجه المجحفة والاجرامية بحق الكل الفلسطيني والقاعدة تقول عليك التخلص من ازماتك واحدة تلو الأخرى وان تبدا بالاولى والأخطر وهل هناك اخطر علينا كفلسطينين من هذا الوعد التصفوي الذي خطته ما تسمى قيادات فلسطين
لذا قبل التوجه لسفارة بلفور لمطالبته بالاعتذار (الغير مجدي فعليا ) علينا التوجه لسفارة أوسلو للاعتذار عن وعد أوسلو الأخطر والأحدث والذي فتك بالأرض والإنسان الفلسطيني وقسمنا إلى شعوب فلسطينية لااعلم أن كانت شقيقة والمطالبة برحيل أوسلو وقواديه ثم نبدا بالتحدث عن الوطن الذي رسمه حنظلة قبيل استشهاده برصاصة.