علي سفر
لا يحتاج السوريون، وعلى المستوى الشعبي في ظل الكارثة العامة التي يعيشونها منذ عقد، مصائب جديدة، تزيد من وطأة ما يعيشونه مادياً ومعنوياً. .. ومما حملته لهم الأيام الماضية زيارة المذيعة السورية، هيفي بوظو، التي كانت تعمل مع قناة أورينت المعارضة (تبثّ من دبي)، إسرائيل، بحجّة تغطية عروض مسابقة ملكة جمال الكون.
إحساس الخذلان الذي انتاب كثيرين، وهم يرون صور المذكورة مع الإسرائيليين، لا يتعلق بحضورها الإعلامي المميز منذ بدأت عملها مع القناة ذاتها من دمشق، في نهاية التسعينيات، بل يتصل بشكل أساسي بأنها إعلامية معارضة للنظام! وأن هذه الزيارة لا يمكن فهم أسبابها الحقيقية، سوى أنها اندفاعٌ رخيصٌ للاندماج مع التيار التطبيعي الإماراتي والبحريني، الذي بدأ محاولاته التغلغل في إعلام المنطقة العربية وثقافتها! خصوصا أنها تتم لصالح برنامج تطبيعي شبابي، يحمل عنوان “يلا” يتلقى الدعم من منظمة “شراكة” الإماراتية الإسرائيلية التطبيعية.
كانت القضية الفلسطينية في نبض السوريين وما زالت، جزءاً من معادلة رفضهم استبداد آل الأسد، حيث ينطق الوعي العفوي بحقائق راسخة ترى أنهم يدفعون ثمن قيام النظام الذي حكمهم عقودا بدور محوري في تبديد القوى السياسية والعسكرية التي حاولت استعادة الأرض المحتلة.
بقاء الجولان محتلاً فعلياً منذ عام 1967 أهم الأدلة على تواشج العلاقة غير المعلنة بين الجهتين! فقد ظل كذلك، على الرغم من شعارات التحرير والمواجهة مع “العدو الغاصب” التي كانت تدوّي ليل نهار في شوارع المدن السورية، بينما كانت القوى الأمنية التابعة لنظام الأسد الأب تبيد كل حراك سياسي يقرن الحرية السياسية بالتحرّر الوطني، بالتوازي مع تصفية الجيش السوري في لبنان قواعد منظمة التحرير الفلسطينية، وتدجين الباقين ليكونوا جزءاً من معادلاته السياسية والميدانية.
ومنذ بداية الثورة، رفض الثائرون أي علاقة بينهم وبين إسرائيل، إذ ترسّخ في وعيهم أن أي تواصل من هذا النوع سيضع في يد النظام دليلاً يؤكّد مزاعم يكرّرها في إعلامه أن الثورة مؤامرة مدعومة من إسرائيل. غير أن الدافع الأقوى في رفض هذه العلاقة جاء من إحساس شعبي لا يخفى على أي متابع، يجعل من القضية الفلسطينية ذاتها جزءاً من ذخيرة الثورة. ولهذا قوبلت دائماً زيارات بعض المعارضين إسرائيل بالرفض والتنديد. حدث هذا مع المعارض كمال اللبواني الذي زار إسرائيل في عام 2014 لحضور مؤتمر خاص بمكافحة الإرهاب! وحدث لاحقا، عندما نشر المعارض عبد الجليل السعيد صوراً له مع الناطق الرسمي لجيش الاحتلال، أفيخاي أدرعي. كما مرّت في ظلال الفوضى السورية شخصياتٌ أخرى غير معروفة، ارتكبت أفعالا مشابهة، مختلقةً أسبابا واهية، من نوع أن مثل هذا التواصل سيخدم الثورة ويحسّن وضعها.
في مواجهة قيام دول عربية بالتطبيع مع إسرائيل، كان التعويل دائماً يقع على الشعوب ونخبها السياسية والثقافية والفنية والإعلامية. إذ تستطيع هذه الفئات، وبوصفها حاملا للإرادة الشعبية، أن تعزل أي قرار وتجعله بلا قيمة، ومن دون إمكانية للتنفيذ على أرض الواقع، وينطبق هذا الأمر على سورية وثورتها وثائريها أيضاً.
ليس الأمر وصفة سحرية كتبت في العدم، وأيضاً لن نحتاج هنا، تقديم الشروحات المطولة عن إمكانية فصل الموقف الرسمي للأنظمة المطبّعة عن مواقف شعوبها، بل هو خلاصة لتجارب عربية أخرى (مصر، الأردن)، لم تستطع الأنظمة فيها أن تفرض على شعوبها تقبل وجود أي نوع من التواصل مع الإسرائيليين. حقوق الفلسطينيين التي سلبها كيانٍ قام على تجريد شعب كامل من حقوقه في أرضه ومائه، ويعمل دائماً على سرقة ثقافة هذا الشعب أيضاً، لا يمكن أن تُبسّط، وأن تختزل، وتجزّأ، بحسب الوعي الشعبي، ليتم اختراقها في تجويف هنا، وفسحة هناك. على يد بعضهم، ممن حاولوا تسويغ العلاقات بينهم وبين الإسرائيليين، من خلال فصل الإنساني أو الثقافي، أو العلمي، أو الإعلامي، عن السياسي.
وجود أفراد موزعين بين فئات المجتمع يشذّون عن نبض الشعوب، الرافض التطبيع، لا يشكل كارثة، إذ يمكن لفظهم، وعزلهم، والناس على الرغم من جراحها وانشغالها بمآسيها، لا تُنسى.
المصدر: العربي الجديد