محمد أمين الشامي
انتهى العام أو يكاد، ومع كلِّ نهاية، لا بد من جردة لحساب الأرباح والخسارات. لكنَّ الجردة هذه المرَّة، كما في كلِّ مرَّة منذ أن بدأت مسيرة الأمل بالتَّعثُّر، هي مجرَّد جردة لمشاعر مكبوتة تجمَّعت على مدار عام جديد من القهر. والحقيقة، مشاعري تحوَّلت إلى سلامات. فسلام لكم: سلام لوجوهٍ لفحتها الرّيح فاصفَّرت وهي بشائر ربيع. سلام لعيون عضَّ البرد براءتها حتَّى تقرَّحت منها الجفون. سلام لشفاه تشقَّقت بؤسًا وحسرة دون أن تتمنَّع عن الابتسام. سلام لأكفٍّ صغيرة بحجم نجم في السَّماء تلتمس رغيفًا من دفء. سلام للعبة تختبئ في صدر طفلة لم تعرف من الدُّنيا إلّا البرد والبلل. سلام لضحكة لم تعدِمها رامات الوحل والطّين البراءة. سلام لأقدام تعلَّمت كيف تسير على الماء رويدًا كما المسيح. سلام لقلوب لم تفقد خضرتها على الرَّغم من الخريف المقيم. سلام لخيام ملأها التَّغوُّل وقسوة الأيّام ونفاق البشر أسىً وبؤسًا. سلام لسُجُف أنهكها ما عليها من ثقل الثَّلج. سلام لكرام رفضوا أن يقفوا على أبواب اللِّئام. سلام لأعزَّةٍ أدار لهم الزَّمان ظهر المجن، فلم ينحنوا. سلام لحضن أمٍّ بات الوطن الأخير. سلام ليدي أب صارتا خيمة وفراشًا لطفل منهك. سلام لإنسانيّة أرهقتها أماني الديمقراطيّة والحريّات المزيَّفة. سلام للرَّحمة الَّتي أغرقها ماء المطر. سلام للصَّرخات الَّتي فقدت الحناجر. سلام للأمنيات الَّتي عادت وهمًا. سلام للأحلام الَّتي افتقدت النَّوم.
وسلام على الدُّنيا: سلام على النُّجوم إذ أطفأتها طهران فتاه أبناء المكان. سلام على الشَّمس إذ باتت تشرق من موسكو فما عادت تدفئ. سلام على القمر إذ اعتقلته أميركا في الرُّكبان. سلام على الدُّنيا ما دام العدل فيها أسير عدو. سلام على نخوة العرب إذ أضحت من التُّراث العتيق. سلام على الدَّم إذ فقد حميَّته. سلام على الدّين إذ بات مجرَّد طقوس. سلام على الثَّورة إذ بات الطُّعمة يتحدَّث باسمها ليشكر قاتلها ومغتصبيها.
وفي الختام سلامٌ إليكم: سلام إلى سورية العظيمة، بدون آساد ولا جولانيّين ولا عمشات. سلام إلى المناضلين الَّذين لم يبدِّلوا تبديلًا. سلام إلى المجاهدين في خنادق الكرامة. سلام إلى المحاربين بالقلم والفكر. سلام إلى المنافحين عن الحق في وجه أمراء الحرب وتجّار اللُّقمة. سلام إلى الثّائرين على السّائرين فوق دروب الانبطاح. سلام إلى الحق حين يصبح آخر ما يتلفَّظ به شيخ أو طفل. سلام إلى قبور لمَّت أبرَّ من أنجبتهم بطون. سلام إلى دموع مكبوتة وآهات مخنوقة.
سلام إلى شعبي المقهور. إلى أهلي، إلى عزوتي، إلى الآباء والأمَّهات والأجداد والجدّات، لكم منّي كلُّ السَّلام في يوم السَّلام، يوم ميلاد المخلِّص عليه السَّلام.
المصدر: اشراق