محمود الوهب
لا أحد من الشعب السوري مرتاح لما تقوم به إسرائيل بين الفترة والأخرى، بل بين اليوم والآخر من عدوان صريح في وضح النهار على الأراضي السورية، وفي مواقع حساسة، غالباً ما يذهب ضحاياه مدنيون، وخسائر مادية كثيرة.. لكن لابد من معرفة المسبب الحقيقي لهذا العدوان المتكرر ولكل الهزائم التي ألحقها العدو بسورية والسوريين في نوع من إذلالهم، والحاكم غير المكترث بما يجري.. حتى إن هذا العدوان المتكرر لم يعد يلقى أي استنكار أو إدانة على صعيد الحاكم وأدواته.. ويبدو أن وزارة الخارجية أصبحت تخجل، إن بقي لديها نوع من الخجل، لكثرة ما رددت عبارة “سوف نردُّ في الوقت والزمن المناسبين” وواضح أنَّ مجيء ذلك الزمن صار منوطاً بـ”عودة المهدي المنتظر” عند الإيرانيين المعنيين قبل غيرهم بالرد على ذلك العدوان الدائم، لكنهم معذورون فهم مشغولون باستكمال احتلالهم لسورية واليمن بعد أن أصبحت لهم مواطئ أقدام شبه راسخة في كل من لبنان والعراق تحت شعار مقاومة الشيطان الأكبر (أمريكا) بينما إسرائيل تفعل فعلها..! أما الحاكم السوري فقد نسي، فيما يبدو، الجولان كلياً في وقت تقيم فيه إسرائيل المستوطنات الصهيونية على أقلِّ من مهلها.. ونسي أيضاً مفردتَيْ المقاومة والممانعة..
كنت قد ذكرت في مقالات عدة أن إيران أخطر على العرب من إسرائيل! صحيح أنه لا مجال للمفاضلة بين عدوين لدودين واضحين، لكنَّ الممعن إلى العلاقات الإيرانية العربية يجد أن إيران تتغلغل على نحو شامل في أيِّ بلد عربي تنشئ معه علاقات، يُفترض أنها تأتي في إطار العلاقات التي تنصُّ عليها هيئة الأمم المتحدة. لكن الشأن الإيراني مع العرب مختلف كليًّا.. فهي لا تكتفي في العلاقات السياسية، بل سرعان ما تتعداها إلى العسكرة والاقتصاد والثقافة والتبشير بالتشيُّع.. كل ذلك بهدف الهيمنة التامة، وتستخدم السلاح إذا اقتضى الأمر، وهذا ما فعلته في لبنان وسورية واليمن وتفعله الآن في العراق وتغطي نفسها بالشعارات الفارغة.. ولعلها استطابت مسألة إنشاء الميليشيات، فتارة تحت شعار مقاومة إسرائيل، وتارة أخرى تحت شعار مقاومة الشيطان الأكبر (أمريكا) لكنها لا تفعل مباشرة، فإنها تخشى الرد المباشر الذي قد يؤدي لإسقاط حكم ملالي طهران كليّاً، بل تقوم بذلك عن طريق وكلائها الذين يزعمون أنهم وكلاء الله على الأرض (حزب الله) بينما يتحمّل الشعب السوري نتائج فعائل إيران وإسرائيل معاً. وكأن لا وظيفة للميليشيات سوى المحافظة على مصالح إيران في الدول التي تنشأ فيها.. وهكذا تتصرف في الشؤون الداخلية للبلدان التي توجد فيها، فتغتال من ينتقد تغلغلها الاحتلالي، وتفرض رأيها عبر تلك الميليشيات.. فقد وصل الأمر بحزب الله أن غدا الحاكم الفعلي في لبنان، وكذلك يفعل الحشد الشعبي وفاطميون وزينبيون وجند الأقصى وسواهم في العراق وسورية (وإن كان على نحو أقل) ويزعم ملالي إيران أن بغداد عاصمتهم التاريخية، وأنهم يصلون إلى الساحل السوري للمرة الثالثة، وهذا يعني أن العرب هم المعتدون على بلاد فارس.. كل ذلك يجري على أرضية كراهيتهم للعرب والمسلمين السُنة تحديدًا ولأعلامهم التاريخيين، وتنشر تلك الكراهية في آدابها، إذ يصف الأدب الفارسي العرب بأبشع الصفات، وهذا مقتطف من كتاب لأحد دارسي الأدب الفارسي إذ يرى “الباحث “جويا بلند سعد” في كتابه المعنون بـ “صورة العرب في الأدب الفارسي”: أن «العربي» في الأدب الفارسي هو «الآخر» لا «الأخ» أو «الجار». فالمفكرون الإيرانيون يلقون جانباً من تخلّف بلدهم على الإسلام.. وإيران، في نظرهم، ساسانية وإخمينية دمّر حضارتَها «بدوٌ متوحشون» ويقول كرماني أحد المفكرين الفرس: إن الإسلام دين غريب فرضته على «الأمةِ الآريةِ النبيلةِ» أمةٌ ساميَّةٌ، هي عبارة عن حفنةٍ من آكلي السحالي الحفاة العراة البدو الذين يقطنون الصحراء. إنهم العرب المتوحشون الذين جلبوا الدمار للحضارة الإيرانية”. (عن كتاب «صورة العرب في الأدب الفارسي الحديث/ترجمة صخر الحاج حسين» “دار قدمس”ط1 2007)
فكيف للفرس أن يناصروا القضايا العربية، وهم لم يظهروا أي عداء فعلي مباشر لإسرائيل، نعم إنهم يفعلون ذلك في الشعارات وحتى اليوم لم يطلقوا رصاصة واحدة على إسرائيل، بينما هم يتغلغلون في النسيج العربي الإسلامي من خلال علاقاتهم الخبيثة، ويستغلون ظروف الشعب القاسية فيرغبون إليهم التشيُّع مقابل رشوة ما تحت اسم المساعدات الدينية.. وهكذا تنشر الثقافة الفارسية مع كثرة بناء الحسينيات والمراقد والحوزات وسوى ذلك الكثير.. ومنذ عدة أشهر اشترى الإيرانيون أكثر من أربعين شركة ومؤسسة سورية عائدة للقطاع العام..
والحديث حول إيران وعدوانها المستمر على العرب والمسلمين منذ نحو قرن وأكثر، إذ ضمت إقليم عربستان عام 1925 الغني بالنفط (75% من النفط الإيراني موجود في الأحواز العربية)، وقد احتلت الجزر الخليجية الثلاث التابعة لدولة الإمارات العربية المتحدة “طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى” عام1971، وضمتها إدارياً إلى محافظة “هرمزغان” الإيرانية، بينما تعتبرها دولة الإمارات ملكاً للشارقة.. ولتلك الجزر أهميتها الإستراتيجية، وخاصة جزيرة أبو موسى التي تقع عند مضيق هرمز الأكثر أهمية في النقل البحري العالمي، إذ يمرُّ منه 40% من النفط العالمي المنقول عبر البحار..
الخلاصة إن الواقع يدحض مزاعم إيران وعدائها لإسرائيل وصداقتها للعرب، ومناصرتها للقضية الفلسطينية، فما هو مرئي على الأرض أنها دولة احتلال متعدد الأشكال.. وهي تسيطر على قسم مهم من اقتصادات الدول التي تقيم معها علاقات، سواء في الخليج أم في البلدان المشار إليها آنفاً، وقد حوَّلت تلك الدول إلى خراب كلي، ولعلَّ المثال الأوضح في هذه الأوقات هو العراق الذي لم يستطع تشكيل حكومة وطنية لكلِّ العراقيين رغم أن مَن يدعو إلى مثل هذه الحكومة قد نال ثلث عدد النواب في الانتخابات الأخيرة، والسبب أن إيران تريد حصة لأتباعها في وقت فشل هؤلاء العملاء في إدارة الدولة خلال عقدين من الزمن، ونهبوا أمواله، بل إنهم أوصلوا شعب العراق الغني بثرواته إلى حافة المجاعة، وهو اليوم مهدد بالفوضى وبحرب داخلية تلعب بها الطائفية دوراً رئيساً، وهذا ما تهدف إليه إيران من إضعاف للدول العربية وتشتيت قواها..
المصدر: أورينت نت