محمد عمر كرداس
( تعني العدالة الانتقالية في أحد التعريفات الأكثر انتشاراً أنها: مجموعة التدابير القضائية وغير القضائية التي قامت بتطبيقها دول مختلفة من أجل معالجة ما ورثته من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان؛ وتتضمّن هذه التدابير الملاحقات القضائية، ولجان الحقيقة، وبرامج جبر الضرر وأشكال متنوّعة من إصلاح المؤسسات. بالنظر إلى الوضع السوري، نجد أنّ الدولة السوريّة تعاني فعلاً من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان (القتل، الاغتصاب، الاختفاء القسري، مصادرة الممتلكات… الخ)، وأنّ معظم هذه الانتهاكات تحصل في أثناء فترة الانتقال من النظام الديكتاتوري الشمولي، إلى نظام يريده السوريّون أكثر حريّة. وهذا ما يدعو للبحث عن آليات لتطبيق العدالة الانتقالية في سورية.
تعدّ المصالحة الوطنيّة من الأهداف الأساسيّة لتطبيق العدالة الانتقاليّة، فعبر آليات المحاسبة والتعويض (النفسي والمادي)، يتمّ التخلّص من الإرث الماضي من انتهاكات حقوق الإنسان، وعبر تطبيق معايير حاسمة وصارمة في احترام حقوق الإنسان عند بدء عمليّة تطهير وإصلاح مؤسسات الدولة (الأمنيّة بشكل خاص)، يمكننا تفادي حصول انتهاكات مستقبليّة لحقوق الإنسان تقود إلى مرحلة أخرى من عدم الاستقرار والنزاع الأهلي. )
من التعريف السابق لمفهوم العدالة الانتقالية والبحث كيف يمكن أن تطبق في سورية ندرك مدى صعوبة تطبيق العدالة الانتقالية في سورية في ظل النظام الحالي، فلا بد من وجود نظام يقبل بشكل واضح لا لبس فيه بتطبيق كل بنود هذه العدالة، ولا ينحصر هذا المفهوم عند التطبيق في الانتهاكات التي حصلت منذ اندلاع ثورة الحرية والكرامة والعدالة، بل يتخطاها إلى بداية حكم هذا النظام الفاسد والقاتل والذي انتهك كل الحرمات والمحرمات طوال فترة حكمه الممتدة لأكثر من نصف قرن، فمن انتهاكات حرسه القومي عام 1963 إلى الاعتقالات والاغتيالات المستمرة وإلى قمع كل الانتفاضات التي قامت ضده من ثورة 18 تموز 1963 إلى يومنا هذا الذي مازال مستمرًا في قصف وتهجير الشعب السوري من السويداء إلى درعا إلى قرى وبلدات الشمال السوري. ولا يقتصر تطبيق هذه العدالة على النظام ولكن يجب أن يشمل كل من انتهك وصادر حقًا أو ملكًا أو أهدر دمًا من الأطراف، من قسد إلى كل الفصائل التي سمت نفسها معارضة مسلحة وهي ليست سوى نسخة بائسة عن هذا النظام المجرم الذي أباح سورية للمحتلين من كل حدب وصوب مقابل استمرار عصابته في حكم سورية.
المبدأ الأساسي في تطبيق العدالة الاجتماعية هو مبدأ عدم الإفلات من العقاب وأن تتقبل التشكيلات المختلفة في سورية هذا المبدأ فكل مجتمع أو تشكيل ممكن أن تكون الانتهاكات التي تعرض لها مختلفة عن المجتمع الآخر مع أنها جميعها تعرضت لعسف وفساد ونهب السلطة الغاشمة نفسها، لذلك لابد من نشر مفاهيم العدالة الانتقالية بشكل واضح وميسر لتكون مفهومة من الجميع وتحظى بقبولهم، كما أن التوثيق المقترن بالأدلة والمقبول من المجتمع والمحفوظ بشكل جيد خوفًا من الضياع والتزوير يعد السلاح الرئيسي لتقبل المجتمع والهيئات المشرفة على تطبيق العدالة لهذا لمفهوم وتوفر له سبل النجاح.
لاشك أن هناك مجتمعات في أوربا وأفريقيا استطاعت تحقيق هذه العدالة وحققت نجاحات كبرى في هذا الصدد كالبوسنة ورواندا وغيرها ولكن كانت الكلفة عالية والفترة الزمنية طويلة. ونحن من جهتنا دفعنا ما علينا من ضريبة للتخلص من نظام فاسد ومستبد فرط في حقوق الشعب وثرواته وحتى أراضيه فلا يمكن إلى الآن حصر كل الدول المتواجدة على الأرض السورية ولا الميليشيات والمرتزقة التي تنهش لحم هذا الشعب الذي أصبح أكثر من نصف سكانه بين لاجئ ونازح ومعتقل ومختفي عدا عن أعداد من فقدناهم إلى الآن، لا يوجد إحصاء موثق لعددهم مع أن كل التقديرات تقول أنهم أكثر من 600 ألف عدا عن قتلى النظام وشبيحته ومرتزقته الذين أتى بهم من كل أصقاع الأرض.
لقد دفعنا الثمن غاليًا ولابد لمن دفع الثمن أن يحصد النتائج الإيجابية فلن تكون المصالحة مجدية إلا بعد العدالة والمحاسبة.
أعان الله سورية لتحقيق العدالة في ظل نظام وطني ديمقراطي يحقق لشعب سورية بكافة أطيافه ما يسعى إليه ويعمل عليه.
المصدر: اشراق