أحمد مظهر سعدو
بعد الاتفاق المبدئي الذي وُقّع في الصين بتاريخ 10 من آذار 2023 بين المملكة العربية السعودية وإيران وبرعاية صينية مباشرة، ونظراً لكونه حرّك المياه الراكدة في المنطقة برمتها، وطرح العديد من الأسئلة الاحتمالية عن مجمل قضايا المنطقة من اليمن إلى العراق إلى سوريا ولبنان أيضاً، علاوة على إعادة صياغة العلاقة الخليجية الإيرانية في مجملها، ومنها بالضرورة العلاقات العربية الإيرانية، كان لا بد من أن يتساءل الشعب السوري عن مدى تأثير ذلك على الواقع السوري بعد 12 عاماً من انطلاق الثورة السورية، ومتغيرات الواقع السوري الممكنة والمحتملة، بعد هذا التوافق والتفاهم الإيراني السعودي باعتبار أن كلتا الدولتين كانتا من اللاعبين الرئيسيين والمهمين سلباً أم إيجاباً في القضية السورية.
وهي حالة ما برحت تراوح بالمكان، وتحجم عن التقدم باتجاه تحريك أي مسارات جدية نحو الغاية الأساسية التي خرج من أجلها الشعب السوري أواسط آذار/ مارس 2011 من أجل الكرامة والحرية المفتقدتين في سوريا منذ استيلاء “آل الأسد” على الجغرافيا السورية.
ويبدو أن أسئلة المتابعين للشأن السوري ومنهم السوريون باتت مشروعة بانتظار ما يمكن أن تسفر عنه اتفاقات (العدوين اللدودين) من انعكاسات على المسألة السورية، من منطلق أن النظام السوري كان وما يزال جزءاً من مشروع إيران بأطماعه الواضحة نحو المنطقة، وإقامة بنيان جديد لمشروع فارسي طائفي طالما حلمت إيران/الملالي بتحقيقه منذ انتصار ما سمّي ثورة الخميني أواخر السبعينيات من القرن الفائت.
ولعل نظرة استقرائية موضوعية مباشرة لواقع القضية السورية يشير إلى إمكانية تحريك المياه الراكدة في سوريا فيما لو تقدّمت الاتفاقات السعودية الإيرانية عملياً نحو حلحلة بعض قضايا المنطقة العالقة والمختلف عليها بين المملكة وإيران، وبناء على ذلك يلحظ المتابع للمسألة السورية ومنذ توقيع التفاهم المبدئي أو الاتفاق، أن انزياحات عربية كثيرة بدأت تتمظهر وتنبئ بتغيرات عربية لصالح إعادة العلاقة مع نظام الأسد، والدفع قدماً نحو بناء مقاربات وسياسات جديدة، لم يكن بالإمكان حدوثها قبل عدة أشهر من الآن، أي قبل الإعلان عن إنجاز الاتفاق المشار إليه، وتحت ذريعة إعادة اللاجئين السوريين إلى وطنهم بعد تهجير قسري طال أمده، وبذريعة وضرورة رسم سياسات جديدة للمنطقة، ومنها ما يخص القضية السورية باعتبارها قضية عربية يُفترض أن يكون الاهتمام بها عربياً أولاً.
فقد تحرّكت بعض النظم العربية إبان الزلزال المدمر الذي حدث في 6 من شباط/ فبراير الفائت، لتتسلل إنسانياً وإغاثياً لوصل ما انقطع بين هذه النظم ونظام الأسد، الذي قتل ما يزيد على مليون سوري ودمّر مع حلفائه 65% من البنية التحتية في سوريا، وهجّر ما يزيد على نصف الشعب السوري، بين نازخ إلى الشمال ومهجر خارج البلاد، واعتقال أكثر من 900 ألف سوري منذ أواسط آذار/ مارس 2011 وحتى يومنا هذا.
مع ذلك تحاول هذه النظم نسيان ما حصل وهي تتحرك اليوم حثيثاً من أجل إعادة النظام السوري إلى الجامعة العربية، ويأتي ذلك متسارعاً بعد الاتفاق السعودي الإيراني ضمن سياسات عربية جديدة، غير موافق عليها أميركياً، على الأقل بشكل معلن، وهو ما أكدته اجتماعات عمَّان الأخيرة التي جمعت 12 دولة عربية وأجنبية من أجل الوقوف على تسارع عمليات التطبيع الجارية بين بعض النظم والنظام السوري.
لكن قراءة الواقع السوري بعد اتفاق بكين تشير إلى أن الانعكاسات على الواقع السوري ومسألة التغيير في سوريا باتت حقيقة، وهي تؤشّر إلى تغيرات كثيرة في التعاطي مع القضية السورية، إنما من جهة مصلحة النظام السوري والإيرانيين معه، وليس من حيز مصلحة الشعب السوري الثائر ضد الطغيان الأسدي، إذ لا فكاك بين المشروع الإيراني وسياسات النظام السوري، وليس هناك من احتمالات أبداً في أن يغيّر النظام السوري سياسته الأمنية القمعية تجاه شعبه، وبالأصل لا تريد ذلك سياسات إيران لا مع شعبها الإيراني المنتفض ضدها ولا مع ثورة الشعب السوري، بل إن هذه السياسات ستـأخذ بنظر الاعتبار أن المسألة بعد الاتفاق المشار إليه على أنها انتصار لها، وأن هذا سيكون تراجعاً عربياً كبيراً عن مواقف عربية سابقة دأبت على محاصرة نظام القتل الأسدي وإبعاده عن اجتماعات الجامعة العربية.
يعتبر النظام السوري أن الولوج في العملية السياسية من جديد وبشكل جدي، سوف يؤدي إلى انهياره، وانتصار المعارضة وكل السوريين الثائرين عليه، وهي قضية لا يمكن المضي بها أسدياً ولا إيرانياً ولا حتى روسيّاً، وهو ما لاحظناه مع محاولاتهم إفشال المصالحة التركية مع النظام السوري، حيث يتخوف منها النظام ومعه إيران وقد تكون روسيا أيضاً، أن تؤدي إلى إعادة القضية السورية إلى دائرة الضوء، وإحياء المفاوضات التي سبق أن توقفت دون أي إنجاز.
من هنا فإن ما يشار إليه استقرائياً يبين وبحسب الكثير من المتابعين للشأن السوري أن الاتفاق بين السعودية وإيران من الممكن أن يساعد بشار الأسد على “استعادة مكانته داخل النظام السياسي العربي دون الحد من علاقاته الاستراتيجية القديمة مع طهران”. من حيث إن العلاقة بين النظام السوري وإيران/الملالي هي علاقة استراتيجية وليست تكتيكية، فوجود وبقاء نظام بشار الأسد مرهون ببقاء دولة الملالي، لأن إعادة قيامته أصلاً جاءت بعد تدخل إيران وحرسها الثوري وميليشياتها الطائفية في الواقع السوري، وصولًا إلى التدخل الروسي أواخر أيلول/ سبتمبر 2015، وهو ما أدى إلى إعادة تماسك النظام النسبي بعد أن وصل إلى حافة الانهيار أواخر العام 2013.
وهذه الحقيقة يدركها النظام السوري جيداً، وهو يعرف أن قطيعته مع إيران وروسيا سوف تؤدي إلى انهيار كبير ومدوي له، ولن تنقذه من ذلك أية علاقات مع المحيط العربي، الذي سبق أن طرده من الجامعة العربية مع بدايات قمعه الدموي للمتظاهرين السوريين.
كذلك فإن النظرة الواقعية للمشهد السوري تشير إلى أنه ليس من الصعب رؤية أن الاتفاق السعودي الإيراني على الأرجح لن يؤدي إلى أي تأثير إيجابي على الأقل على المدى القصير، وحتى مع تحريك المفاوضات بين المعارضة والنظام السوري، وقد تكون برعاية عربية هذه المرة، لكن سياسات النظام السوري ومعه الداعم الإيراني لا تريد لمثل هكذا مفاوضات أن تؤدي إلى أي تغيير جدي في دمشق، بعد أن وجدت إيران نفسها قد حقّقت الكثير على طريق إنجاز مشروعها الفارسي الطائفي للمنطقة وسط متابعة أميركية وصمت دولي وترقب إقليمي من دون إحداث أي جدية حقيقية في لجم هذا المشروع الخطير للمنطقة، من حيث إنّ الاستراتيجيات الأميركية المتتابعة كان همها وديدنها وما يزال أمن إسرائيل، وليس أمن الشعوب العربية سواء كان في سوريا أو ضمن الجوار والإقليم.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا