نبيل عبد الفتاح
من أبرز مظاهر حالة الجحيم الأرضي التراجيدية التي يحياها سكان قطاع غزة المحاصر، برا، وبحرا، وجوا، وضع الأطفال والنساء، الذى يفوق عدد القتلى بينهم ، أعداد قتلى الحرب الروسية الأوكرانية. حيث يتم قتل اثنتين من الأمهات كل ساعة منذ الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وحيث بات ما يزيد عن 3008 امرأة من الأرامل، ومسؤولات عن إعالة أسرهن. من بين سكان القطاع 2.3 مليون نسمة، ثمة 1.9 مليون نازح، وما يقرب من مليون امرأة وفتاة يبحثن عن مأوى أمن. ثمة 67% من جميع المدنيين الذين قتلوا في غزة والضفة الغربية من الرجال، و 14% من النساء ووصل أعداد القتلى إلى 25.295 قتيل، و63 ألف جريح حتي لحظة الكتابة، وذللك وفق بيانات وزارة الصحة الفلسطينية، والآلاف من القتلى والجرحى، لم يتم انتشالهم من تحت الأنقاض وأسقط الاحتلال أكثر من 65 ألف طن متفجرات فى القطاع.
هناك 70% قتلوا فى الحرب من النساء والأطفال، وأكثر من نصف مليون شخص يعانون من الجوع، وشبح المجاعة يحلق فوق البشر، وفق هيئة الأمم المتحدة للمرأة (20/1/2024) ، ووفق المرصد الأورومتوسطى، ونحو 4 بالمائة من إجمالى سكان القطاع، وأكثر من 95 ألف شخص باتوا فى عداد القتلى والمفقودين أو الجرحى الذين أصيبوا بإعاقات دائمة مع دخول الحرب على القطاع شهرها الرابع، والأرقام تتزايد ساعة وراء اخري ويوما بعد الآخر والأرقام صادمة لأي ضمير إنساني حي ويقظ .
تم تدمير نحو 70 بالمائة من المنشآت المدنية، والبنى التحتية، ومليونا و 935 ألف فلسطينى نزحوا من منازل ومناطق سكناهم، دون توافر ملجأ آمن لهم. حيث دمرت القوات الإسرائيلية 67.946 وحدة سكنية كليا، و179.750 وحدة سكنية جزئياً.
وتم استهداف المنشآت الصناعية، والمدارس، والمرافق الصحية، والمساجد، والكنائس ومقار صحفية وإعلامية، حيث وصل عدد القتلى 25.295 فلسطينيا . إن نسب الضحايا حتى يوم 12/1/2024 50% أطفال، 29% نساء، 21% رجال، معظمهم من الأطفال والنساء، والأرقام تتزايد كل ساعة، ويوم.
كل هذه الأرقام الصادمة الصادرة من بعض الجهات الفلسطينية الرسمية -فى وزارة الصحة بغزة-، وأيضا فى وسائل الإعلام المكتوبة، والمرئية، وعلى وسائل التواصل الاجتماعى تكشف عن حالة الجحيم الأرضى فى القطاع، والتى تشكل تراجيديا إنسانية، يقف وراءها خطاب سياسى توراتي وديني متطرف فى الحكومة الإسرائيلية الموسعة، والحرب المصغرة,.
فى قلب هذا الجحيم، تبدو مأساة أطفال ونساء غزة من القتلى، والجرحى، والمفقودين، ومن فقدوا أمهاتهن وآباءهم، وذويهم ، ويعانون من آلام الفقد، والنزوح، والجروح، ونقص الغذاء، والدواء، والمياه، والأمراض النفسية، والجسدية.
أن حالة الطفولة، والأطفال فى ظل الوحشية الإسرائيلية فى القطاع، والأحياء والمنازل المهدمة، شكلت أحد أبرز محفزات، ومحركات التعاطف الإنسانى، لدى بعض الجماعات الحقوقية، والإنسانية فى المجتمعات الغربية، وغيرها للتظاهرات المتزايدة من أجل الهدن الإنسانية، والمطالبات بوقف إطلاق النار، وتقديم المساعدات الإنسانية للسكان المدنيين فى القطاع دون عوائق من قوات الأحتلال.
أن الأطفال القتلى والجرحى، والنساء، كانوا ولا يزالون يبحثون في عسر شديد عن مأوى أمن، أو مستشفى للعلاج لإجراء عمليات جراحية لهم، ولا يجدون الأجهزة الطبية، والأسًرة، والمسكنات، والدواء، كانت هذه الصور والمشاهد المؤلمة أحد أبرز المؤثرات على يقظة بعض من الضمير الإنسانى فى الدول الغربية الداعمة لإسرائيل فى حربها على القطاع، ومعها الفيديوهات الطلقة، والمنشورات، والتغريدات، والصور عن طوابير الأطفال الطويلة التى تنتظر للحصول على نُذر يسير من الطعام والمياه فى غزة.
أن خطاب المشهدية المرئية فائقة السرعة، والإيجاز كثف وأظهر حالة المحو التدريجى والمستمر للقطاع وتحوله إلى حطام، ودماء، ومقابر فوق رءوس ساكنيها، وخاصة الأطفال. هذا المحو، والتدمير الممنهج للبشر، والحجر، كشف أيضا عن حالة ثقافة المقاومة من أجل الحرية، والتحرر من الاحتلال الاستيطانى الإسرائيلى، ودفاع الإنسان الفلسطيني عن الأرض، والحياة في مواجهة الموت الذي تحمله نيران وصواريخ وقذائف المحتل.
الخطاب المرئى المشهدى للأطفال -والنساء والمسنين المدنيين العزل- فى قطاع غزة حمل في نسيجه المرئي الموت، وأيضا الشهادة، والجسارة من أجل الحياة الحرة. من ثم كان مؤثرا علي بعض من الضمير الإنسانوى . من السمات البارزة فى السردية المرئية المشهدية للأطفال، تجلي أثر التنشئة الاجتماعية، والدينية وفعاليتها في عمليات مقاومة الاحتلال الإسرائيلى، والاعتياد على ثنائية المقاومة، والموت، والإيمان بالله، والأقدار، وأيضا روح التحدى إزاء العدوان، وذلك على نحو إنسانى، واستثنائى، مقارنة بالأطفال فى عديد الحروب، وضحاياها من الأطفال التى جرت فى البلدان المستعمرة، من الدول الاستعمارية الغربية، بما فيها المقاومة الفتينامية الباسلة، إزاء الجيش الفرنسى، والأمريكى ، وحرب التحرير الجزائرية ضد المستعمر الفرنسى البغيض.
أن نظرة على خطاب المشهدية المرئية الطفولية الفلسطينية فى قطاع غزة، تتجلي من خلال لغة المقاومة التى تناسلت من لغة المقاومين، والأسر، والعائلات حيث تبدو التناصات اللغوية -والتداخل- بين مفردات المقاومين ، والمفردات الدينية، التى تبدو وكأنها بمثابة ردود باسلة من المتن الدينى الإسلامى المقدس، وسردياته ودعواته وادعيته – لله عز وجل سبحانه وتعالي وتنزه -، على اللغة الدينية التوراتية التى يحملها الخطاب السياسى لليمين الدينى المتطرف، ومعه اليمين بقيادة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، ولغة الاستعلاء على الإنسان الفلسطينى.
يبدو خطاب الأطفال – الأقل من عشر سنوات – حاملاً مفردات، ودعوات دينية ساعية إلى طلب السند والدعم الآلهى، ومن ثم هى لغة مختلفة عن خطاب الطفولة فى أى حرب سابقة فى عالمنا!
خطاب السردية المشهدية المرئية -الفيديوهاتية الوجيزة، والصور – لا يحمل معه اللغة بالغة الخصوصية فقط، وإنما أيضا اللغة الجسدية ، وتعبيرات الوجوه، والأجساد، والأحساس ، والألم، والصراع، وارتعاشات الإيدى، والأرجل، ولغة العيون المسكونة بالخوف، والفزع والرعب، ومعها أيضا لحظات من اللعب الطفولى، والغناء الفلكورى المقاوم، وكلها جزءًا من خطابهم فى مواجهة الكولونيالى الاستيطانى الإسرائيلي ، وجيشه وأسلحته فائقة التطور التكنولوجى!
أن لغة خطاب الأطفال الفلسطينيين الأبرياء ، تحمل معها تداخلات وتناصات لغوية، بين لغة الطفولة البريئة، ومفردات الدهشة، والاستنكار، والرفض، والخوف، و ” لغة بشائر النضج ” في آوانه ، والرفض للعدوان، والمقاومة. من الشيق ملاحظة أننا إزاء لغة طفولية مختلفة ، وخاصة فى جحيم حرب الإبادة، حيث التداخل بين اللغة المحكية التى تتناص مع اللغة الفصحى، وهو ما يختلف عن لغة الأطفال العامية فى أى بلد عربى آخر. هذا الحضور البارز للغة العربية الفصحى، هو نتاج للتنشئة الدينية، واللغة القرآنية، والنبوية التى يلتقطها الأطفال من الخطاب اليومى السائد في بعض من لغة الأسر والعائلات، التى تشكلت من بعض الثقافة الإسلامية التي مثلت أحد أهم أدوات التماسك الاجتماعى فى مواجهة الحصار والعقاب الجماعى الإسرائيلى، وأيضا لغة المقاومة الإسلامية التي تمثل المرجعية الإيديولوجية السياسية لجماعتي حماس ، والجهاد الإسلامى، ولغة الدعاة فى المساجد، وفى بعض البرامج التلفازية، والتعليم فى المدارس.
نحن إزاء خطاب طفولى يدمج بين البراعة وبشائر النضوج الجنينية ، من قلب التراجيديا الجحيمية، وصلابة المقاومة فى مواجهة الإبادة.
على الرغم من القوة التأثيرية لخطاب المشهدية المرئية الطفولية من بين الإطلال والموتى والجرحى، يكاد يغيم بعض من الاهتمام بالبعد السوسيو-نفسى للأمراض النفسية، واضطرابات القلق، ونوبات الغضب، والفقد، وعدم الشعور بالأمان، وبعض من السلوك العدوانى، وحدة الطباع، وعدم القدرة على النوم، والتوتر وغيرها من الأعراض النفسية للحروب وفق المتخصصين في الطب النفسي وامراض الحروب النفسية، وأيضا فقدان الأمهات والآباء والأخوة، وأصدقاء الطفولة، والأجداد والجدات والأقارب، والجيران ! كلها أسباب مؤثرة على الصحة النفسية للأطفال فى القطاع، والأخطر أنها تستمر فى الذاكرة الجماعية، والفردية لهم وفي حنايا اللاوعي الفردي والجمعي لهم ، فى مسارات الانتقال من الطفولة إلى الصبا، ثم إلى الشباب. من ثم تحتاج إلى أن تكون جزءاً رئيساً من ملفات قضايا مآلات ما بعد الحرب عندما تضع أوزارها .
المصدر: الأهرام
sexy teens gallery best porn site