مع بداية عام 2016 تحولت المناطق التي تسيطر عليها المعارضة المسلحة السورية في شمال البلاد -وبخاصة محافظة إدلب- إلى ملجأ للفصائل المسلحة المعارضة المهجرة من وسط سوريا وجنوبها بناء على اتفاقات مختلفة بين الأطراف المعنية بالحرب السورية، سُلِّمت بموجبها المناطق التي كانت تسيطر عليها الفصائل المعارضة إلى جيش النظام السوري.
هذا التجمع الكبير للفصائل المعارضة في مكان واحد، فرض واقعاً جديداً على المجموعات المسلحة الموجودة أصلاً والقادمة أيضاً، ذلك أن الخصومات القديمة بين الفصائل لم تسمح لها بالعمل معاً، ما دفعها إلى الاندماج في تكتلات جديدة تعكس الصراع والتنافس بين الدول الداعمة لها، فيما اضطر آخرون إلى تغيير ولاءاتهم للمحافظة على البقاء في بيئة معادية.
هذه الورقة البحثية تلقي الضوء على أهم التشكيلات والفصائل العسكرية الموجودة في الشمال السوري، وعلى خريطة التحالفات الحديثة الناشئة هناك.
أولى الفصائل المقاتلة المهجرة إلى إدلب خرجت من حي الوعر في حمص في ثلاث دفعات بإشراف الولايات المتحدة، وفي شهر أغسطس/ آب من العام نفسه خرج المقاتلون من مدينة داريا، وفي شهر يناير/ كانون الأول 2017 أُجلي 700 مسلح من الأحياء الشرقية لمدينة حلب، بموجب اتفاق برعاية تركيا وإيران وروسيا.
وفي صيف عام 2017 أُجلي مقاتلو مدينة برزة في شمال دمشق ويقدر عددهم بـ 570 مقاتلاً، وفي شهر مارس/ آذار من عام 2018 توصل النظام السوري إلى اتفاق مع عدد من الفصائل في حي جوبر وبلدات عين ترما وزملكا وعربين إلى اتفاق يقضي بتسليم الأسلحة الثقيلة والمتوسطة إلى جيش النظام مقابل الخروج الآمن إلى إدلب، وعددهم الإجمالي نحو 7000 شخص ممن لا يرغبون في تسوية أوضاعهم “تسليم أنفسهم لأجهزة النظام مقابل الحصول على العفو”.
وتوصل الجانب الروسي إلى اتفاق مع قادة الفصائل المعارضة على انسحاب مسلحي “فيلق الرحمن” –إحدى كبريات الجماعات المعارضة المسلحة في المنطقة- من كامل الغوطة الشرقية. وفي شهر أبريل/ نيسان توصل جيش الإسلام إلى اتفاق مع روسيا، خرج بموجبه من مدينة دوما إلى الشمال السوري وتحديداً إلى ما بات يعرف بمنطقة درع الفرات في الريف الحلبي.
جيش الإسلام “السلفية السورية”
شكل انطلاق الانتفاضة السورية فرصةً مهمةً جداً للتيارات السلفية الموجودة أصلاً في سوريا، وبدأ بالفعل تشكيل مجموعات تحمل الطابع السلفي وقد تميزت عن التحركات الأخرى المحسوبة على الانتفاضة السورية بأنها اختارت منذ بداية تشكيلها العمل المسلح المنظم.
في مقدمة هذه التنظيمات “سرية الإسلام” التي أسست عام 2011 بقيادة زهران بن عبد الله علوش الذي كان معتقلاً في سجن صيدنايا وأفرج عنه النظام السوري بعد أشهر من بداية التظاهرات.
يرى عدد من الناشطين أن خطوة الإفراج عن المعتقلين الإسلاميين هدفت إلى أسلمة الانتفاضة وجرفها باتجاه العمل المسلح.
تحولت سرية الإسلام لاحقاً إلى ما يعرف اليوم بـ “جيش الإسلام” الذي نشأ في مدينة دوما في الغوطة الشرقية، مستفيداً من التحالف الصلب بين بعض عائلات دوما الكبيرة التي تنتمي إلى التيار الإسلامي وحلقة ضيقة ضمت أشخاصاً محدودين إلى جانب زهران علوش مثل أبي قصي ديراني وأبي ياسر شيخ بزينة وسمير كعكة الشرعي العام لتنظيم جيش الإسلام، وعصام بويضاني القائد الحالي لجيش الإسلام، شكل هذا التحالف بنية صلبة كانت تتلقى دعماً من شبكة مشايخ سلفيين في السعودية والخليج.
هذه التحالفات مع العائلات المحلية ذات التوجه الإسلامي أعطت “جيش الإسلام” ميزة عن التنظيمات السلفية التي كانت تعتبر دخيلة على المجتمع السوري في كثير من المناطق، إذ مكنته من إنشاء نظام أمني محكم، وجعلته يرسخ أقدامه في الأرض التي نشأ عليها، وعلى النقيض من التنظيمات السلفية الأخرى التي كانت تجاهر بتطبيق العقوبات اعتمد جيش الإسلام السرية تنفيذها سراً، وأنشأ عدداً من السجون والمعتقلات المعلنة والسرية التي كان يعاقب فيها معارضيه والمخالفين له.
تكون التنظيم المسلح إدارياً من مجلس قيادة و26 مكتباً إدارياً و64 كتيبة عسكرية، انتشر في مناطق كثيرة من سوريا، ونشطت هذه الألوية والكتائب والفصائل المنضوية تحت لوائه في مناطق منها دمشق وريف دمشق ومحافظات حمص واللاذقية وحماة وإدلب وحلب ودير الزور.
إضافة إلى المعارك مع النظام السوري، خاض جيش الإسلام صراعاً على النفوذ والسيطرة مع المجلس العسكري لدمشق وريفها الذي كان المنظم للعمل المسلح ضد النظام السوري، ومع الفصائل الكبيرة في دوما ومحيطها، لتصل هذه الصراعات إلى معارك كبيرة خاضها ضد فصائل الغوطة الكبيرة كفيلق الرحمن.
وحاول جيش الإسلام السيطرة على حركة الأسلحة الآتية إلى الغوطة الشرقية، وبحسب العميد خالد الحبوس رئيس المجلس العسكري فإن زهران علوش الذي كان مكلفاً بنقل السلاح الواصل من الشمال السوري إلى الغوطة استحوذ على معظم هذه الأسلحة والذخائر، وبذلك احتكر لتنظيمه قوة عسكرية استخدمها في فرض سيطرته الكاملة.
وكان هذا واحداً من أسباب قطع العلاقة بين المجلس العسكري وجيش الإسلام، وملاحقة جيش الإسلام للكتائب التابعة للمجلس العسكري كافة، لتندمج تلك الكتائب لاحقاً في الألوية والتنظيمات الكبرى في الغوطة كفيلق الرحمن وجيش الأمة.
كان الهجوم الذي شنه جيش الإسلام مع كتائب إسلامية أخرى على مستودعات الأركان على الحدود السورية – التركية شمال سوريا بمنزلة الواقعة التي قطعت الشعرة الأخيرة بين جيش الإسلام والجيش الحر.
دخل جيش الإسلام مؤخراً في تحالفات مع فصائل عدة منها “تجمع أنصار الإسلام” في دمشق وريفها الذي دعا إلى “إقامة دولة إسلامية وبناء مجتمع إسلامي”، كذلك كان طرفاً في الجبهة الإسلامية في سوريا، وفي 15 يوليو/ تموز 2017 أعلن في بيان رسمي حل نفسه تمهيداً لتشكيل جيش وطني سوري.
وتختلف التقديرات حول عدد مقاتلي جيش الإسلام بحسب تقارير صحافية ودولية عام 2017 بين 12000 و20000 مقاتل.
وعلى الرغم من قلة المعلومات عن مصادر الدعم الذي يتلقاه جيش الإسلام، يشير بعض المحللين إلى أن الجبهة الإسلامية عموماً التي ينتمي إليها تنظيم علوش شُكِّلت بدعم من السعودية، على الرغم من أن طبيعة تدخل المملكة في إنشاء هذه الجبهة وتوجيهها ما زال غامضاً.
عمل جيش الإسلام على تعزيز مصادر تمويله الخاصة بما يسمى اقتصاد الحرب وتجارة السوق السوداء، وفرض رسوم أو مستحقات مالية.
قصف العاصمة دمشق باستمرار بوتيرة تنخفض أو ترتفع من مدّة إلى أخرى، ليعقب ذلك إعلان زهران علوش دمشق “منطقة عسكرية” ومسرحاً للعمليات ضد الجيش السوري.
وفي أواخر عام 2015 شنت الطائرات الروسية غارة جوية استهدفت من خلالها مقراً سرياً لجيش الإسلام في غوطة دمشق الشرقية أثناء التحضير لتنفيذ هجوم على مواقع لحزب الله اللبناني وقوات النظام، أطلقت خلالها عشرة صواريخ ما أدى إلى مقتل زهران علوش، وأعلن جيش الإسلام بعدها اختيار أبي همام البويضاني قائداً للتنظيم، وقال المجلس في بيان له إن جيش الإسلام مستمر في نهجه المتمثل في قتال قوات النظام السوري وتنظيم الدولة الإسلامية.
وكان جيش الإسلام في مقدمة الفصائل التي عملت على تحرير الغوطة عام 2015، إذ سيطر خلال هذه العملية على مبنى الأركان الاحتياطي قرب مدينة حرستا الذي يعد مقراً احتياطياً لقيادة قوات النظام، مجهزاً بأحدث وسائل الاتصال والتطهير الكيميائي وغيرها من المعدات.
وفي إدلب وريف اللاذقية شارك مع جبهة النصرة وأحرار الشام في السيطرة على جسر الشغور في أبريل/ نيسان 2015، وخلال شهر سبتمبر/ أيلول من العام نفسه شارك بالتنسيق مع غرفة عمليات “فتح حلب” لكسر حصار نظام الأسد على مدينة حلب.
وبعد عملية عسكرية كبيرة للنظام وروسيا في الغوطة الشرقية بدأ جيش الإسلام مفاوضات شاقة مع روسيا، أفضت إلى انسحاب فصائله من آخر معاقله في دوما خلال شهر أبريل/ نيسان 2018 وتوجه إلى الشمال السوري.
وعلى الرغم من الصعوبات التي واجهها جيش الإسلام في بيئته الجديدة –باعتبار أن أغلب الفصائل الموجودة في الشمال مقربة من تركيا وبعضها جاء من ريف دمشق وكان لديه تاريخ من الصراع والخصومات مع جيش الإسلام المعروف عنه القرب من السعودية- فاجأ جيش الإسلام الجميع خلال شهر أغسطس/ آب 2018 بنشر تسجيل مصور أظهر فيه خمسة معسكرات أنشأها في ريف حلب الشمالي، ووزعت بين مدينة الباب ومنطقة عفرين.
وبحسب التسجيل أنشئ المعسكر الأول بشكل فوري لقيادة أركان “الجيش” الذي أعلن فيه المرحلة الجديدة التي سيسير عليها الفصيل بعد تجميع قواته التي خرجت من الغوطة، أما المعسكرات الأخرى فأحدها في منطقة عفرين لمقاتلي جنوب دمشق، ومعسكر ثالث للفرقة الأولى يوجد فيه ساحات تدريب إلى جانب معسكرين للفرقة الثانية والفرقة الثالثة وألوية الإسناد.
ولم يعلن الفصيل استراتيجيته العسكرية في الأيام المقبلة في ما إذا كان سيحل نفسه بشكل كامل، أو أنه سينضوي في تشكيل عسكري جديد ضمن التراتبية العسكرية المتبعة في ريف حلب الشمالي، وتحدثت تقارير مؤخراً عن مفاوضات لضم جيش الإسلام إلى “الجيش الوطني” الذي أعلنت تشكيله الحكومة السورية المؤقتة بدعم من تركيا يوم 30 ديسمبر/ كانون أول 2017.
فيلق الرحمن “لن تركع أمة قائدها محمد”
أعلن تشكيل “فيلق الرحمن” في ريف دمشق في نهاية عام 2013، وذلك من خلال اندماج ألوية البراء وأبي موسى الأشعري مغاوير الغوطة ولواء شهداء الغوطة وتجمع جند العاصمة، كتائب أهل الشام، لواء هارون الرشيد ولواء القعقاع ولواء الحافظ الذهبي، لواء المهاجرين والأنصار، لواء عبد الله بن سلام، لواء أم القرى ولواء الصناديد ولواء أسود الله، لواء سيف الدين الدمشقي، الاتحاد الإسلامي لأجناد الشام، اللواء الأول في القابون وحي تشرين، كتيبة العاديات في الغوطة الغربية، اختير “عبد الناصر شمير” قائد لواء البراء لقيادة “فيلق الرحمن”.
وكانت قوات فيلق الرحمن تنتشر على عدد كبير من الجبهات؛ كالمليحة شرق العاصمة دمشق، عين ترما، كفر بطنا، عربين، ودير العصافير، ومرج السلطان وجسرين وفي حرستا، وبخاصة بالقرب من إدارة المركبات الخاضعة لسيطرة النظام، ولُوحظ تمددها على جبهات القلمون.
وفق الفيلق يبلغ قوام أفراده “أكثر من عشرة آلاف مقاتل” خاضوا عدداً من المعارك ضد قوات النظام، وأيضاً ضد جيش الإسلام والفصائل الأخرى المعارضة في الغوطة، بسبب وقوفه إلى جانب جماعة “الاتحاد الإسلامي لأجناد الشام” في صراع الاخيرة مع جيش الإسلام على النفوذ والمكاسب الاقتصادية.
وبحسب ما يعلن الفيلق عن نفسه فهو يهدف إلى “إسقاط النظام الأسدي المجرم بكافة رموزه وأشكاله، والعمل على “توحيد جهد القوى العسكرية والمدنية كافة داخل سوريا وخارجها”.
وضمن هذا الإطار يقول الفيلق إن من أهدافه التعاون مع باقي التشكيلات العسكرية في بناء جيش يحافظ على وحدة البلاد وأمن الأفراد ويذود عن حدود الوطن في سبيل “بناء دولة الحق والعدل والتنسيق مع الفاعليات كافة” مؤكداً وقوفه في وجه أي مشروع تقسيمي لسوريا.
ويرى التنظيم السوري ضرورة “الدفاع عن حقوق الشعب السوري بأطيافه كافة وفق مبادئ الشرع الإسلامي الحنيف”.
يقول فيلق الرحمن إنه عمل على محاربة تنظيم الدولة منذ بدايته في الغوطة الشرقية، وشارك في الحملة العسكرية ضده في صيف 2014 للقضاء عليه في الغوطة الشرقية.
يوم 16 أغسطس/ آب 2017 وقع فيلق الرحمن في جنيف مع روسيا على اتفاق يقضي بانضمام الأخير إلى اتفاق مناطق خفض التصعيد في سوريا الذي جرى التوصل إليه في مايو/ أيار الماضي في آستانة عاصمة كازاخستان.
وبعد تهجير فيلق الرحمن إلى الشمال السوري شهد انشقاق مجموعة من “الاتحاد الإسلامي” بغرض تشكيل فصيل جديد اقترح له اسم مؤقت: “ثوار دمشق” على أن يقوده الشيخ “أبو العبد” القائد السابق لـ”الاتحاد الإسلامي”.
ويبدو أن فيلق الرحمن مطمئن لمنزلته في الشمال السوري بسبب علاقاته الجيدة مع الفصائل المقربة من تركيا في الشمال، فهو الفصيل الوحيد بين الفصائل المهجرة الذي حاز على موافقة الأتراك وربما يعود السبب في ذلك إلى أنه فيلق يُدار من قبل تنظيم الإخوان المسلمين؛ كما أنه في غالبيته من الصوفية الأشعرية لاستئناف عمله العسكري في منطقة عمليات “غصن الزيتون” في عفرين. وقد منحه الأتراك معسكراً تدريبياً في “اللواء 135 دفاع جوي” في قرية قيبار شمال مدينة عفرين.
انضم إلى “الفيلق” ما يزيد على 250 مقاتلاً من مهجري ريف حمص الشمالي وبخاصة من مدينة الرستن مسقط رأس قائده عبد الناصر شمير، وأصبح مقاتلو ريف حمص ركيزة أساسية للفيلق عموماً.
شهداء الإسلام “داريا”
من أولى الفصائل المقاتلة في الريف الدمشقي “داريا”، التي انتقلت إلى الشمال السوري بناء على اتفاق مع النظام السوري في صيف 2016، وكانت داريا في مقدمة المدن التي بدأت التظاهرات السلمية وانتقلت تدريجياً إلى العمل المسلح الذي جعلها حجر عثرة في وجه نظام الأسد، إذ ارتكب فيها واحدة من أفظع المجازر في 26/8/2012 راح ضحيتها 800 شخص أغلبهم من المدنيين، وبعد أقل من شهرين نتيجة القيام بعمل عسكري استهدف ضرب الحواجز المحيطة بالمدينة فُرض حصار خانق عليها، استهدف إضعافها والنيل من إمكاناتها العسكرية.
تشكل “لواء شهداء الإسلام” من سبع كتائب أهمها كتيبة شهداء داريا في 5 مارس/ آذار عام 2013، وشكل اللواء الإطار الخارجي لهذه الكتائب إلا أنها في الواقع تتمتع بشخصيتها المستقلة وهي تتبع بالاسم فقط للواء، وكانت لا تعتبر نفسها ملزمة بأي قرار من قرارات إدارته.
بعد وصول مقاتلي اللواء إلى إدلب عمل بشكل منفرد ضد قوات النظام، لكنه أعلن في ما بعد الانضمام إلى فصيل “فيلق الشام” التابع للجيش السوري الحر، وبعد أشهر قليلة انضم اللواء إلى “الجبهة الوطنية للتحرير” التي تشكلت خلال شهر يونيو/ حزيران الماضي، وضمت 11 فصيلاً هم: “فيلق الشام”، “جيش إدلب الحر”، “الفرقة الساحلية الأولى”، “الفرقة الساحلية الثانية”، “الفرقة الأولى مشاة”، “الجيش الثاني”، “جيش النخبة”، “جيش النصر”، “لواء شهداء الإسلام في داريا”، “لواء الحرية” و”الفرقة 23″.
وتحدثت تقارير عن ظهور خلاف بين اللواء و”هيئة تحرير الشام”، إذ اعتقلت مجموعة تابعة لـ”هيئة تحرير الشام” القيادي في شهداء الإسلام سعيد نقرش أثناء وجوده في مدينة سرمدا، وأرجع مراقبون أسباب الاعتقال إلى أن “هيئة تحرير الشام” حاولت مراراً تحجيم لواء “شهداء الإسلام” ومنعه من خوض أي عمل عسكري في الشمال السوري، وصادرت مرات عدة الدعم العسكري الممنوح للواء.
حركة أحرار الشام “الجبهة الإسلامية”.
أسست “كتائب حركة أحرار الشام” في نهاية 2011 في سهل الغاب في ريف حماة الغربي، قبل أن تتحول إلى “حركة أحرار الشام” وتصبح من أقوى الفصائل العسكرية المعارضة، تشكلت الحركة على يد “أبي عبد الله الحموي”، من مواليد محافظة حماة التي شهدت مجازر على يد نظام السوري في ثمانينات القرن الماضي.
درس عبود اللغة الإنكليزية وعمل مدرسًا قبل اعتقاله من قبل النظام السوري عام 2004 وجرى الإفراج عنه بعد أشهر من بداية الانتفاضة السورية، وهو من أتباع المنهج السلفي.
قضى مؤسس الحركة في تفجير غامض أودى بحياة عشرات من قادتها في مقر تابع للحركة في بلدة رام حمدان القريبة من معبر باب الهوى في التاسع من سبتمبر/ أيلول 2014، فيما بقيت طريقة التفجير والجهة المنفذة مجهولة.
مرت “حركة أحرار الشام الإسلامية” بمحطات عدة منذ بداية التأسيس حتى اليوم، وتغيرت توجهاتها الفكرية والسياسية من المشروع الأول الذي حملته “مشروع أمة” إلى التقرب من مبادئ الانتفاضة السورية “انتفاضة شعب”.
في بداية التأسيس برزت “أحرار الشام” قوة عسكرية كبيرة، لكن بعد اغتيال قادة الصف الأول انقسمت إلى قسمين، الأول تبنى فكر “السلفية الجهادية” بينما توجه آخر إلى “الفكر الإصلاحي” المنفتح على الحوار، ليبدأ الصراع الفكري في بيتها الداخلي.
وتعاقب على رئاسة الحركة خمسة قادة اختلفت معهم توجهات الحركة وسياساتها:
– هاشم الشيخ “أبو جابر” وهو مهندس في البحوث العلمية، وينحدر من بلدة مسكنة في ريف حلب الشرقي.
– مهند المصري “أبو يحيى الغاب” بعد انتهاء ولايته عاشت “أحرار الشام” انقسامًا في مجلس الشورى التابع لها، وذلك بسبب الخلاف على تعيين القائد الجديد الذي سيكون بدلًا من المصري.
– علي العمر “أبو عمار” عين في نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2016 بعد أن تولى منصب النائب السابق، لقائد الحركة.
تنقل بين العراق واليمن وفي ما بعد عاد إلى سوريا والتحق بفصيل “صقور الشام” المحسوب على التيار السلفي مطلع عام 2013.
وفي أثناء توليه القيادة دخلت الحركة في مواجهات مع “هيئة تحرير الشام” وكان أشدها في أواخر 2017 إذ تقدمت “تحرير الشام” في مساحات واسعة من نفوذ الأحرار وانتزعت منها معبر باب الهوى الحدودي.
– حسن صوفان “أبو البراء” عين قائدًا للحركة في مطلع عام 2017 في وقت صعب وانحسار واضح عاشته أحرار الشام.
ويقال إن صوفان شخص توافقي وهو محسوب على التيار السلفي الجهادي بعكس توجهات الحركة الحالية التي تبنت القانون العربي الموحد في قضائها ورفعت علم الثورة في “باب الهوى”.
– جابر علي باشا عُين في 16 يوليو/ تموز 2018 قائدًا للحركة خلفًا لصوفان، وذلك بعد أيام من اندماج أحرار الشام مع فصائل عدة بمسمى الجبهة الوطنية للتحرير.
وبحسب رسم توضيحي نشرته الحركة في العام الماضي فإن 25000 مقاتل يقاتلون في صفوفها، وتتألف من 50 لواء و400 كتيبة وهذا ما يجعلها من أكبر المجموعات المقاتلة في سوريا.
هيئة تحرير الشام “ذيول القاعدة”
تتركز هيئة تحرير الشام بشكل رئيس في إدلب، شاركت في العمليات العسكرية معظمها هناك، وأكدت مصادر أن الهيئة -التي تضم تنظيمات كانت تابعة لتنظيم القاعدة كجبهة النصرة التي باتت تعرف بـ “هيئة فتح الشام”- قد فرضت سيطرتها على محافظة إدلب بالكامل بعد انسحاب جماعة أحرار الشام التي تحظى بدعم تركيا.
وتضم هيئة تحرير الشام التي شُكلت في شهر يناير/ كانون الثاني 2016 كلاً من جبهة فتح الشام “النصرة سابقاً” و”لواء الحق” و”جيش السنة” و”جبهة أنصار الدين”.
وضعت الولايات المتحدة الأمريكية الهيئة على قائمة الإرهاب الخاصة بها مؤخراً، أسوة بجبهة النصرة سابقاً.
الأمير الأول للتنظيم كان المهندس هاشم الشيخ أبو جابر، المنحدر من بلدة مسكنة في ريف حلب الشرقي، شغل مدّة قصيرة منصب الأمين العام لحركة أحرار الشام الإسلامية، ثم استقال من منصبه ليشكل ما يسمى جيش الأحرار، لينضم بعد ذلك إلى هيئة تحرير الشام، شأنه شأن بعض قيادات أحرار الشام، كأبي صالح الطحان القائد العسكري السابق للحركة، وأبي يقظان المصري الذي كان أحد كبار الشرعيين فيها.
أعلن المهندس هاشم الشيخ أبو جابر استقالته من منصب القائد العام للهيئة، فخلفه في المنصب أبو محمد الجولاني أمير جبهة النصرة سابقاً، ليعود إلى الواجهة من جديد بعد غياب عن الأنظار لأشهر عدة.
وعلى الرغم من ضخامة تشكيل هيئة تحرير الشام فإنها لم تقم بأي عمل عسكري يوازي حجمها، وذلك على امتداد أشهر بعد تشكيلها، خصوصاً بعد تطبيق اتفاق خفض التصعيد في بداية شهر مايو/ أيار 2017 الذي التزمت به الفصائل بما فيها تحرير الشام على الرغم من معارضتها لفكرة الهدن والمفاوضات وإيقاف الأعمال العسكرية نظرياً.
وباستثناء معركة صغيرة حصلت في نهاية شهر سبتمبر/ أيلول في ريف حماة الشمالي الشرقي، استطاعت هيئة التحرير من خلالها بسط سيطرتها على بعض القرى هناك، لم تكن هناك أي معركة حقيقية مع النظام وحلفائه.
وجاء تشكيل هيئة تحرير الشام في بدايات عام 2018 حركة استباقية ضد قرارات جولات مؤتمر آستانة التي أكدت ضرورة محاربة الأطراف كلها لتنظيم “داعش” و”جبهة النصرة”، ما دفع الأخيرة إلى تنفيذ عمليات عسكرية ضد من اعتبرتهم فصائل تهدد وجودها شاركت في آستانة، في الوقت الذي قررت فيه فصائل صغيرة في شمال غرب سوريا الانضمام إلى “حركة أحرار الشام” لتجنب ابتلاعها من “النصرة”.
يمثل إعلان تأسيس هيئة تحرير الشام المرة الثانية التي تُعيد فيها جماعة “جبهة النصرة” سابقاً تشكيل نفسها خلال مدّة قصيرة نسبياً، ويأتي هذا أيضاً بعد أن قطعت النصرة علاقاتها بالقاعدة علناً وأعادت تسمية نفسها باسم “جبهة فتح الشام” في نهاية يوليو/ تموز من العام الماضي.
تمثل هذه التحركات محاولات من جانب الجماعة للانخراط بصورة أقوى داخل جماعات التمرد السورية على النطاق الأوسع ولكي تنأى بنفسها أكثر عن القاعدة.
فصائل ما زالت في ظل القاعدة
ظهر في ريف إدلب الجنوبي فصيلان جهاديان صغيران باسم “جيش البادية والملاحم” ولاؤهما الأول والأخير لتنظيم القاعدة الأم، انشقا عن هيئة تحرير الشام في أواخر عام 2017 بسبب انفصالها عن تنظيم القاعدة.
يشيد جيشا “البادية والملاحم” بالحزب التركستاني الإسلامي، وعلى الرغم من وعود “الجولاني” المتكررة بمنع أي ظهور للقاعدة في سوريا رفع “جيش البادية وجند الملاحم” راية التنظيم علناً في معارك ريفي إدلب وحماة.
وقالت مصادر إن مشاركة فرع القاعدة في سوريا في معارك إدلب وحماة قد يؤجل صدامها المحتم مع هيئة تحرير الشام وفصائل أخرى.
وتشير التقديرات إلى أن الخلافات قد تندلع مرة أخرى من بوابة السلاح الموجود مع “جيش البادية” الذي ترى هيئة تحرير الشام أنه حق لها، فيما يقول الجيش التابع لـ “القاعدة” إن عناصره اغتنموه من المعارك ضد النظام.
ومن المتوقع أن تكتسب هذه التنظيمات مزيداً من القوة بعد مشاركتها في المعارك الحالية، وتأمل في تعزيز صفوفها بعناصر منشقين عن “تحرير الشام” وربما آخرين من تنظيم الدولة.
أما “الحزب التركستاني الإسلامي” فهو جماعة من الموالين القدماء لتنظيم القاعدة، نشأت في مقاطعة شينغيانغ شمال غرب الصين لكن لها وجوداً راسخاً في سوريا، نشط هذا الحزب في سوريا ونال احترام كل من الجهاديين والمعارضة في سوريا، وقاتل مع الأطراف الجهادية والمعارضة على حد سواء وابتعد عن الصراع بين أطراف المعارضة.
لديه وسائل إعلامه الخاصة مثل قناة خاصة على تلغرام تُبث عبرها المنشورات العادية وأشرطة الفيديو التي تروج لنشاطه في سوريا.
فصائل شاركت في عملية “غصن الزيتون”
في ريفي حلب وإدلب تنشط مجموعات مقاتلة مقربة من تركيا، شارك بعضها في وقت سابق في عملية غصن الزيتون التي قادها الجيش التركي، وأُجليت خلالها قوات سوريا الديمقراطية الكردية من المنطقة مع مئات العائلات من عشرات القرى في عفرين ذات الأغلبية الكردية في شمال غرب سوريا.
وضمن هذه المجموعات نجد لواء “السلطان مراد” التي شكلته تركيا في مارس/ آذار عام 2013 وقدمت له الدعم العسكري والمالي وأشرفت على تدريب عناصره، تشكل هذا اللواء نتيجة اندماج مجموعات “لواء السلطان محمد الفاتح” في ريف حلب ولواء “الشهيد زكي تركماني” ولواء “أشبال العقيدة” مع قوات “السلطان مراد”، ويغلب عليه أبناء الأقلية التركمانية في ريف حلب الشمالي، ويشهد هذا اللواء توسعاً متسارعاً بسبب الدعم التركي، وينشط بشكل أساس في ريف حلب الشرقي.
تدعم تركيا أيضاً فرقة “الحمزة” التي شكلت في أبريل/ نيسان عام 2016 وانضمت إليها جماعة تركمانية تدعى “لواء سمرقند” نسبة إلى مدينة سمرقند في أوزبكستان، هذه المجموعة كانت إحدى أوليات الجماعات التركية التي دخلت مدينة جرابلس السورية عام 2017 من بوابة قرقميش وسيطرت على المدينة بالتعاون مع الجيش التركي.
نتجت الفرقة من اندماج لواء الحمزة ولواء ذي قار ولواء رعد الشمال ولواء مارع الصمود ولواء المهمات الخاصة، جميعها تنشط في منطقة درع الفرات وتتلقى الفصائل -بإمرة المنشق عن الجيش السوري الملازم أول سيف أبو بكر- دعمًا من التحالف الدولي ضد داعش.
فيلق الشام وعودة الإخوان المسلمين
تشكل فيلق الشام أو “فيلق حمص” من اندماج 19 فصيلاً إسلامياً مقرباً من جماعة الإخوان المسلمين في حلب وحمص وحماة في مارس/ آذار عام 2015، وكان ضمن الفصائل المشاركة في غرفة عمليات “فتح حلب” بقيادة ياسر عبد الرحيم في أبريل/ نيسان 2015.
عام 2018 تجاوز عدد عناصر “فيلق الشام” 12000 عنصر، 2700 منهم يتمركزون في ريف حلب الشمالي والشمالي الشرقي في مناطق “درع الفرات” وكانت لهم مشاركة فاعلة في معركة “غصن الزيتون” في عفرين.
تحول “فيلق الشام” من فصيل صغير لا يحسب له حساب بين فصائل كبيرة في حلب وإدلب خلال السنوات التي تلت تشكيله إلى إحدى كبريات الفصائل بسبب الدعم التركي الثابت له.
سياسياً اتبع الفيلق دائما سياسة النأي بالنفس عن خلافات الفصائل واقتتالها وتنافسها، وظل في الأحيان معظمها طرفاً محايداً لا يملك أي تأثير في القوى المتصارعة، وهو اليوم جزء من “الجبهة الوطنية للتحرير”.
ويشمل الدعم التركي أيضاً حركة نور الدين الزنكي التي شكلها الشيخ توفيق شهاب الدين في ريف حلب في أواخر عام 2011، ويصفها عدد من المراقبين بأنها كانت ذراع تركيا في حلب، وشهدت الحركة كثيراً من التقلبات في علاقاتها مع الفصائل الحليفة مثل أحرار الشام وهيئة تحرير الشام، وفي الأشهر الأخيرة كانت حركة نور الدين الزنكي قد تحالفت مع هيئة تحرير الشام قبل أن تنشب خلافات بينهما وتتحول إلى مواجهات عسكرية انتهت بانفصالها عن الهيئة.
ظهرت أولى علامات الشرخ في جسد تحالف “هيئة تحرير الشام” مع قرارها بفتح معركة ضد “أحرار الشام” استمرت ثلاثة أيام، وانتهت في 21 يوليو/ تموز الماضي بتقويض قوة “الأحرار” لحساب توسيع سيطرة “جبهة فتح الشام” وتعزيزها على إدلب وغرب حلب، لكن هذه المعركة دفعت “الزنكي” ومجموعات وفصائل ضمن تحالف “الهيئة” إلى الانفكاك عنها كونها رفضت فكرة استئصال “أحرار الشام”.
وتنشط في محافظة إدلب أيضاً جماعة “لواء صقور الجبل” نسبة إلى جبل الزاوية، وكانت جزءاً من “ألوية أحفاد الرسول”، والتحقت لاحقاً بجيش المجاهدين الذي قضت عليه جبهة النصرة.
انضم لواء صقور الجبل في وقت لاحق إلى حركة “أحرار الشام” في مواجهة “جبهة فتح الشام”.