نجاح محمد علي
خلال لقائه بجمع من العمال الإيرانيين عشية الأول من أيار/مايو الماضي، بمناسبة عيد العمال العالمي، قال مرشد الجمهورية الإسلامية في إيران آية الله علي خامنئي: “إن حضور أمريكا في المنطقة يثير الحروب ويزعزع الأمن، وعليه يجب أن تخرج من غرب آسيا، فقد ولت مرحلة اضرب واهرب”.
كان خامنئي يشير إلى الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على أهدف إيرانية وأخرى لحزب الله في سوريا حيث تتواجد بشكل واضح ومكشوف هناك منذ معركة القصير 2013.
بعد هذا التصريح ساد اعتقاد أن إيران سترد بعد كل غارة تنفذها إسرائيل ولكن هذا لم يحصل على الرغم من مواصلة إسرائيل شن غارات على سوريا وهي تعترف صراحة بأنها تستهدف مواقع إيرانية وأخرى تابعة لحزب الله وأيضا للدولة السورية التي تعهدت طهران بحمايتها والدفاع عنها وفق اتفاقية للتعاون العسكري والدفاعي جددت مرتين.
وكان لافتاً أن جمهور إيران في الخارج وما يسمى “جمهور المقاومة” هو (مع بعض قادة الحرس الثوري ونافذين من التيار المتشدد) هم من روج لفكرة أن الرد الإيراني على أي اعتداء إسرائيلي سيكون عاجلاً وصاعقاً وقدموا بذلك مادة إعلامية لجمهور (الآخر) ليسخر ليس فقط من حزب الله وإيران ويظهرهما عاجزَين عن الرد (مع الحليف السوري) على العنجهية الإسرائيلية، بل وقد وضعوا بدون أن يقصدوا خامنئي في مأزق وظهر وكأنه يُطلق التهديدات والتحذيرات (العجولة) بينما رجاله في الميدان غير جاهزين لترجمتها عملياً على الأرض.
وساهمت التصريحات العنيفة التي أطلقها بعض قادة الحرس الثوري وأصوليون بارزون في خلق جو من الشك والريبة خيم على علاقات إيران مع الاتحاد الأوروبي وعرقل إلى حد كبير تنفيذ الوعود الأوروبية لإيجاد آلية تحمي الاتفاق النووي من الانهيار، إذ أظهرت تلك التصريحات إيران دولة تزعزع الاستقرار في أوروبا بل ويدعم تيار قوي فيها الإرهاب، وأنها ترغب في التصعيد ولا تحترم التزاماتها في وقت كان بعض الأطراف في الداخل يعمل وكأنه طابور خامس يعضد الأطراف الخارجية في الطريق نحو إيجاد توتر كبير في العلاقات الإيرانية الأوروبية والعودة بإيران إلى مرحلة ما قبل عام 1992 وإطلاق النار على 4 منشقين إيرانيين أكراد في مطعم يوناني يُدعى “ميكونوس” بالعاصمة الألمانية برلين. والمثير أن وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، كان أشار في أول خطاب رئيسي له، 21 مايو/أيار الماضي بسطر واحد، إلى تلك الواقعة عندما شدد على أنَّ الحرس الثوري الإيراني ينفذ عمليات اغتيال في قلب أوروبا، وكأنه يطلق بذلك صافرة البداية في معركة توتير علاقات إيران الأوروبية حتى قبل اتهام مسؤولين في وزارة الاستخبارات الإيرانية بالتخطيط لتفجير مؤتمر لمنظمة مجاهدي خلق في باريس، واتهام الدنمارك إيران بالتخطيط لاغتيال منشق على أراضيها.
وأثارت تلك التصريحات حيرة الخبراء الأمنيين والمنشقين الإيرانيين على السواء، الذين قالوا إنهم ليسوا على علم بأي أدلة تدعم هذه المزاعم، حسب ما ذكرته صحيفة “الغارديان” البريطانية التي نقلت أنه لم تُنسَب أي عمليات مؤخراً في أوروبا إلى الدولة الإيرانية ما يفسر إلى حد كبير “الصمت” الإيراني على الرد في سوريا بانتظار ما ستفعل أوروبا حيال الاتفاق النووي.
وبدا واضحاً أيضاً في الفترة الماضية عندما تجنبت طهران الرد على التصعيد الإسرائيلي، أن خطابها الذي وحده انسحاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من الاتفاق النووي، يتعرض للاهتزاز بسبب خلافات الأجنحة وصراعاتها ومحاولات أطراف متشددة الإطاحة بحكومة الرئيس المعتدل حسن روحاني مستفيدة من أخطائه وعدم وفائه بوعوده الانتخابية وتجاهله دعوات المرشد الأعلى للاهتمام بأوضاع السنّة في سيستان بلوشستان، والعرب (الأحواز) حتى تردد أن خامنئي سيعمد بنفسه إلى التدخل واتخاذ خطوات مباشرة تساهم في تخفيف الأعباء عن المواطنين السنّة والعرب تحديداً ليسحب بذلك البساط من القوى في الخارج التي تراهن على الداخل الإيراني في مسألة تغيير النظام باستثمار ما تقوم به إيران في سوريا على سبيل المثال، وإبرازه وكأنه واحد من أسباب الأزمة الاقتصادية في الداخل.
وفي هذا الواقع تدرك طهران جيداً أن التصعيد الإسرائيلي في سوريا هو لإيجاد المزيد من الانقسام في الداخل، وأن هذه الغارات التي تصاعدت منذ عام 2011 لم تغير شيئاً في المعادلة العسكرية مع إسرائيل القائمة على الردع والردع المتبادل، وهي تتفهم أيضا أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هو اليوم في مأزق كبير قد يفقده منصبه في انتخابات الربيع المقبل، وربما يرسله إلى السجن، يريد الخروج منه بأي ثمن ولو بجر المنطقة إلى حرب قد لا تبقى “محدودة” إذا جاء الرد الإيراني كما يشتهي رئيس الحكومة الإسرائيلي.
وتحاول طهران وفق معلومات أكيدة، تفادي الوقوع في فخ نتنياهو الراغب بقوة في دفعها أو دفع حليفها حزب الله إلى الرد على الأقل في لبنان لتحقيق جملة أهداف منها معرفة ما يملك الحزب من صواريخ مضادة للطائرات، ولهذا تكون طهران حددت أن خيارات الرد لن تكون كما يريد نتنياهو بل بالطريقة الإيرانية.
بعد كل هذا، يبقى السؤال الذي يطرحه الكثير من المراقبين هو: هل سيؤدي هذا التصعيد إلى حرب شاملة إذا تغيرت قواعد الاشتباك؟
جاءت الإجابة، وهذه المرة أيضاً على لسان خامنئي الذي طمأن الإيرانيين بأن الحرب لن تقع ولكنها إن وقعت فستشمل كل الدول التي حرضت عليها ومهدت لها ووفرت للعدو قواعد ومنصات انطلاق.
ويمكن الإشارة في هذا السياق إلى أن الحرس الثوري كان حدد قبل فترة ليست بالقصيرة، أهدافاً محتملة قال إن الصواريخ الإيرانية ستطالها في حال تطور التصعيد في سوريا إلى حرب، وسارعت طهران قبل أيام إلى إرسال رئيس أركان القوات المسلحة اللواء محمد باقري إلى باكو على رأس وفد عسكري كبير للتوقيع على اتفاقيات للتعاون العسكري والدفاعي وهذه هي الزيارة الأولى التي تتم على هذا المستوى لجمهورية أذربيجان التي تملك علاقات مميزة مع إسرائيل.
المصدر: القدس العربي