أحمد مظهر سعدو
ليس هناك من مفردات في اللغة العربية، بقادرة على التعبير الأصح حول ما جرى ويجري في البلدة الحموية الصغيرة ( كفرنبودة)، التي قاومت المحتل الأسدي الروسي الإيراني، واستطاعت أن تتحرر بهمة أهلها وثوارها، ولم يستطع الغزو الروسي ومن معه استعادتها، إلا بعد أن أمطروها بجهنم الحقد من الفوسفور، والصواريخ، وغارات الطيران الروسي / الأسدي، حيث بلغت في يوم واحد فقط هو يوم أمس 26 أيار/ مايو 2019 ما ينوف عن 1000 غارة جوية من الطيران الحربي، ليتم حرق الأخضر واليابس، ومن ثم ليتراجع الثوار عنها نهارًا، ويسترجعوها ليلًا، وهم في حالة كر وفر، دون أن تستطيع إيقافهم كل آلة الدمار الأسدي الروسي الميليشياتي، لأنهم (فقط) أصحاب حق، ويدافعون عن أرضهم، ومنازلهم، وأهليهم، وسط صمت مريع ومريب من العالم (المتحضر) المنشغل بانتخابات البرلمان الأوروبي، وبقضاياه الإنسانية المرتبطة بحقوق الحيوانات.
واضح (رغم كل هذا العنف والحقد النازل فوق رؤوس البلاد والعباد في سورية وتلك المحرقة والمقتلة) حجم الاهمال العجيب العاجز حتى عن تغطية إعلامية لهجوم النظام بأسلحة كيماوية في خان شيخون، إنه إهمال عجيب وغريب حسب الدكتور (رياض نعسان آغا)، بافتقاد أية ” تغطية إعلامية لهجوم النظام بالأسلحة الكيماوية (الفوسفور واليورانيوم غير المخضب) في مدينة (خان شيخون) القريبة من (كفر نبودة)، بعد الهجوم على (الكبينة) المماثل في جبل الأكراد منذ عدة أيام، ومستغرب هذا الصمت الإعلامي العربي والدولي . ليلة (25/5/2019) كانت خان شيخون تحترق بهجومين، دون أن يلتفت أحد إلى خطر استخدام هذه الأسلحة المحرمة، والسيد (جيفري) قال قبل أيام في إحاطته أمام الكونغرس (إن الولايات المتحدة الأميركية تحذر النظام حتى من استخدام الكلور) مطالبًا جميع أصدقاء الشعب السوري للمساندة الإعلامية والنشر على أوسع نطاق، وتوجيه رسائل جماعية للأمم المتحدة ومنظمات حظر الأسلحة، وأطباء بلا حدود، والاتحاد الأوربي، داعيًا قادة المعارضة للاهتمام الأشد بهذا الحدث الخطير “.
نعود للقول: رغم كل هذا التخلي العربي الإقليمي والدولي، استطاعت بلدة كفر نبودة وثوارها التصدي للعدوان الأسدي الروسي، وتمكنوا بحق من تلقينهم درسًا لن ينسوه أبدًا، فكانت هذه البلدة بحجمها الصغير مقبرة للدبابات ومازالت، هذه الدبابات الأسدية التي توهمنا خطأً في يوم من الأيام أنها تُجهز وتُعمر من أجل تحرير الجولان وفلسطين، فوجدناها قد جُهزت ليوم آخر، ومهمة أخرى، ديدنها قتل الشعب السوري الطامح للحرية والكرامة. واليوم جاءت معركة (ستاليننغراد) سورية لتجعل من صمود (كفرنبودة) مقبرة الغزاة ، ولتقول للعالم العربي والغربي بكليته، أنه مهما تخلى القريب والبعيد، فإن بمقدور الشعب السوري المنتفض والمصمم أن يفعل المعجزات، وأن سورية مهما دنسوا أرضها، ستبقى حرة طاهرة تأبى الخضوع للطغاة، والمستبدين الذين يبيعون الأرض السورية للروس تارة وللإيرانيين تارة أخرى، كما باعوها قبل ذلك للكيان الصهيوني الغاصب، في 5 حزيران/ يونيو 1967، يوم أمر حافظ الأسد بالانسحاب من القنيطرة والجولان، قبل أن تسقط، وقبل أن يتمكن العدو الإسرائيلي من احتلالها.
ما يلفت النظر بالمعارك الدائرة حاليًا في ريف حماة وادلب، حجم الدمار الذي أراده النظام السوري ومن معه، ومستوى الحقد الممارس ضد شعب سورية، وكذلك إرادة الناس البسطاء من السوريين الذين يقاومون العدوان بصدورهم، وبإمكانيات متواضعة للغاية، بالرغم من القرار الدولي الواضح بمنعهم من امتلاك أي سلاح يدافعون فيه عن أنفسهم، وأعني بذلك مضادات للطيران الهمجي، الذي يعيث فسادًا، ويحرق الزرع والضرع ، ويقتل الناس، ويهدم البيوت فوق رؤوس أصحابها، بينما تقف دول كبرى إلى جانب النظام الأسدي في حربه المعلنة ضد شعبه، أو المفترض أنه شعبه.
المعركة اليوم في سورية هي معركة من أجل الحرية، وهي صعبة وشاقة على الشعب السوري المظلوم، لكن أبدًا لم نر أحدًا من شعبنا، يرفع أية راية بيضاء، بل هو مستمر بالدفاع عن حريته مهما كلف ذلك من دماء طاهرة، روت وستروي أرض سورية، ولتنبت شقائق النعمان في وطني لامحالة، قَبِل من قَبِل ورفض من رفض، يرونه بعيدًا ونراه قريبًا، وسيعود المستبد الطاغية مدحورًا ذليلا إلى مزابل التاريخ، وتنتصر إرادة الشعوب، حيث كان الشعب ومازال هو المعلم وهو الباقي، والظلم إلى زوال حسب دروس التاريخ.
المصدر: المدار نت