عبد الرحيم خليفة
مثَّل استخدام السلاح الكيماوي في الغوطتين الشرقية والغربية يوم 21 أغسطس/ آب 2013 قمة التصعيد الإجرامي بحق المدنيين في المناطق الثائرة ضد نظام الأسد الصغير، والذي ذهب ضحيته المئات من الأبرياء العزل، معظمهم من الأطفال والنساء والمرضى، بعد أن عجز النظام عبر كافة وسائل الضغط “التقليدية “عن إخضاع المنطقتين لسلطته المتهاوية بسرعة شديدة، في ذلك الوقت، أمام ضربات الثوار القوية والنوعية والمتواصلة، في منطقة تعتبر حصنه وقلعته الأمنية.
منذ بداية الثورة المباركة شكلت محافظة ريف دمشق نموذجا رائعًا في مستوى التنظيم والتضحية، والتي كان طابع غالبها سلميًا ومدنيًا، وأفرزت ظواهر حضارية في تعاطيها مع نظام أمني متوحش عرف بالإفراط باستخدام القوة ضد مناهضيه ومعارضيه، كما أن يوميات الثورة هناك أبرزت وأفرزت قيادات وشخصيات ومشاركات من الجنسين لنخب مميزة، تدرك ما تريد بوعي واستقلالية، عكس كل التطورات اللاحقة التي أعقبت ذلك، ما جعل المنطقة وثوارها علامة فارقة ومميزة في ثورة شكلت في انطلاقتها وبدئها حالة فريدة في ثورات الربيع العربي وثورات العالم.
اليوم المشؤوم، ذاك، كشف ليس عن استعداد النظام لاستخدام القوة لأبعد مدى ممكن ضد شعبه، وليس استهتاره بكافة القيم الأخلاقية والإنسانية والحقوقية، وخرقه وتجاوزه لكل الاتفاقات الدولية التي تجرم وتمنع استخدام هذه الأسلحة في حالات “الحروب”، وبكل تأكيد ليس فضح النظام الدولي وعلى رأسه الولايات المتحدة الأميركية بزعامة الرئيس أوباما، في حينها، الذي حدد الخطوط الحمر لحدود (لعبة) القتل والموت والإبادة المسموح بها، إنما أبعد من ذلك وأهم منه هو أهمية نظام الأسد و”مكانته” المرموقة في النظام الأمني العالمي و”دوره” في ضبط صراعات المنطقة والعالم، وتحكمه بمفاصلها كتفويض معطى له، يبقى على رأس أولوياته أمن الجارة “إسرائيل”.
رغم التحقيقات الدولية وشهادات الشهود، وتقارير المنظمات والجهات العالمية المختصة، والتي حددت بشكل واضح مسؤولية النظام عن المجزرة إلا أن المجرمين وعلى رأسهم الطاغية الكوني ما زالوا طلقاء يمعنون في جرائمهم وقتلهم للشعب السوري، دون خوف من مصير يتهددهم أو سيواجهون به، يومًا ما، ذلك أن “إجماعًا” دوليًا توفر لحماية النظام وعدم ملاحقته قانونيًا، حتى الآن، باستثناء خطوات خجولة بدأت في الفترة الأخيرة تشمل بعض أعوانه، وما كان له أن يفعل ما فعله دون علمه المسبق بقدرته على كل هذا (الحشد) الدولي لتجنيبه أي عقاب محتمل.
لم يقف النظام عند جغرافية الغوطتين في استخدام سلاح غاز السارين الكيماوي بل عاد واستخدمه في مناطق عديدة من سورية أبرزها في ريفي إدلب وحلب باعتراف وإقرار لجان تحقيق الأمم المتحدة في تحد واضح للمجتمع الدولي، الذي ضمنه واختبره مرارًا، وبغطاء دولي (منه) قدم له “رشوة” صغيرة زعم أنها تسليم ترسانته من السلاح الكيماوي، والتي يعرف العالم وبثقة تامة أنه امتلكه ليس لردع أعدائه (المفترضين) بل ليوم موعود كيوم 21 آب/ أغسطس من عام 2013 عبر تحميله على صواريخ انطلقت من جبال قاسيون لتضرب في المعضمية وزملكا وعربين، وغيرها من المناطق المنتفضة والخارجة عن سلطته، ما شكل سابقة خطيرة على مستوى العالم يصعب تكرارها بهذه البساطة والصفاقة والاستهتار.
شبه الناشطون الذين عاشوا تفاصيل ما حدث ليلة 21 أب/ أغسطس من عام 2013 بيوم القيامة لهول ما حصل وبشاعته وحالة العجز التي سيطرت على الفرق الطبية ورجال الدفاع المدني وعامة الناس، إضافة لحالة من الصدمة والذهول والرعب اجتاحت الجميع في المناطق المستهدفة وخارجها مما يختزنه النظام في ترسانته، من فنون الموت وأدواته التي لم يجربها معهم حتى ذلك اليوم.
صحيح أن ضحايا السلاح الكيماوي لا يشكلون رقمًا كبيرًا في عداد الأرقام المرتفعة والمفجعة لضحايا النظام من أسلحته التقليدية، ولكن ذلك التطور الخطير في “جنون” النظام ضد شعبه شكل منعطفًا وسابقة كشفت عن مسار الأحداث والتطورات اللاحقة التي تتضح وتتأكد يومًا بعد آخر، من خلال تدويل الصراع وتعقده، وتدفق جيوش الدول وأجهزة استخباراتها، في مشهد مفتوح على كل الاحتمالات ويحمل في ثناياه كافة المخاطر على سورية وقضية شعبها.
ليس الموتى جراء التوحش والإجرام الأسدي هم من قضوا من أبرياء الشعب السوري بقدر ما هم كل دعاة القيم الحقوقية والإنسانية، وبمعنى ما كل محامي الدفاع عن قضية من أطهر وأوضح قضايا الحق والعدل، بما فيهم مؤسسات المعارضة وكافة المنظمات العاملة بهذا الشأن وباسم الشعب السوري.
يتذكر السوريون عامة هذا اليوم بكثير من الألم والحسرة بكونه الأقسى والأكثر استباحة لآدميتهم، وسجل فيه الأسد “انتصارًا” مؤزرًا على أطفال الشعب المفجوع في عالم بلا شفقة ولا رحمة، ولا يحرك ضميره الخرب شيئًا بكل أسف.
المصدر: اشراق