عبد الرحيم خليفة
في 30 أيلول/ سبتمبر يكمل الاحتلال الروسي لسورية عامه الرابع بعد أن كانت تصريحات بوتين ووزير خارجيته لافروف وغيرهم من رجالات الدفاع والاستخبارات يتحدثون عند تدخلهم العسكري المباشر عن ثلاثة أشهر فقط، ينهون خلالها مهمتهم بالقضاء على (الإرهاب). أتى استدعاء التدخل الروسي حينها بطلب سوري_ ايراني بعد أن عجز النظام المجرم وحلفاؤه الإيرانيون وميليشياتهم الطائفية متعددة الجنسيات عن القضاء على الثورة العظيمة رغم استخدامهم لكل أشكال القوة المفرطة و”إبداعهم” في أساليب القتل والموت والإبادة غير مسبوقة في حالات “الحروب” المعروفة. وجاء التدخل بعد أن غطى الروس، سياسيًا، النظام في المحافل الدولية منذ ربيع 2011، ولايزالون حتى الآن، (استخدمت روسيا الفيتو أربع مرات قبل تدخلها المباشر)، في محاولة لتجنيبه أي إدانات أو صدور أي قرارات دولية توقف ماكينة الدمار والتهجير والطغيان بحق الشعب السوري.
اتبع المحتل الروسي، منذ تدخله، سياسة الأرض المحروقة على طريقة ما فعله في غروزني / الشيشان لتحقيق نصر حاسم يعطي لوعوده مصداقية في إنهاء مهمته خلال شهور ثلاثة، وهو ما فشل به فشلاً ذريعًا وانقضت أربع سنوات دون تحقيق إنجاز واحد يستحق الذكر. حيث فشل عسكريًا رغم كل التفوق الهائل الذي يمتلكه على مستوى السلاح والتكنولوجيا، وتكبد خسائر كبيرة تكشفها الأرقام على مستوى العتاد والبشر، ناهيك عن (العار الذي يلطخ وجه روسيا إلى الأبد) حسب الدكتور برهان غليون، كما أنها فشلت في تسويق ملف إعادة الإعمار قبل إنجاز الحل السياسي، وفق قرارات الشرعية الدولية، الذي عملت عليه لغايات واضحة ومكشوفة، اقتصادية وسياسية. أيضًا، فشلت في ملف إعادة المهجرين إلى دول الجوار وكان الموقف الدولي واضحًا بهذا الشأن بعدم توفر شروط العودة الآمنة، واعتبار إعادتهم بالقوة تتناقض بشكل صارخ مع أبسط قيم حقوق الإنسان العالمية، والقانون الدولي. تعدى الفشل الروسي كل ذلك، وأصيب بالإحباط والخيبة عندما حاول إعادة النظام إلى الجامعة العربية والمجتمع الدولي وقام لافروف بجهود جبارة في هذا الخصوص عبر زيارات عديدة لدول القرار العربي، لكنه مني بالخيبة أمام الموقف الحاسم لعدد من الدول العربية التي رفضت ذلك رغم كل ما يقال عن الموقف العربي المتخاذل.
التدخل الروسي له أهدافه العديدة وتتعدى الحفاظ على آخر أماكن وجودها في المنطقة واستعادة الهيبة المفقودة لها على الصعيد الدولي كدولة عظمى أفلت شمسها وتراجعت مكانتها، والحفاظ على حليف قوي لها، ظل على الدوام جزءً من مناطق نفوذها وهيمنها، وبإقرار وتسليم من أميركا ضمن تقاسم الخرائط ولعبة الأمم، ليصل إلى أهداف دينية_ عقائدية وتاريخية خطيرة تتعلق بموقفها من الإسلام ودوره ومكانته، وهو ما كشف عنه تصريح فاضح لوزير الخارجية الروسي في بداية عام 2012. لقد كان لموقف إدارة الرئيس الأميركي السابق أوباما ونظرته للأحداث وتعاطيه معها العامل الأبرز في التدخل الروسي الذي ما كان له أن يتم لولا التفاهمات بين الجانبين وهو ما تكرس في عهد الرئيس ترامب الذي يضع في أولوياته قضايا وملفات يعتبرها ذات أولوية على ما عداها، وسورية فيها ليست أكثر من ساحة صراع.
التطورات الميدانية الأخيرة في محافظتي إدلب وحماة، مع المسار السياسي الذي ابتدعته روسيا عبر مساري أستانة وسوتشي يكشف بوضوح الاستعداد الروسي للذهاب لأبعد مدى في تدمير سورية وقتل شعبها في ظل التراخي الدولي وعدم الاكتراث بدماء وحياة الأبرياء مستغلًا أخطاء مؤسسات الثورة، ورهانات أطرافها المتعددة والمتشرذمة. قد يبدو للمراقب عن بعد ولغير المتابع بالتفاصيل الدقيقة أن روسيا حققت بعض “الانتصارات” لكن ذلك ينافي الحقيقة والواقع بل هو (آخر ما شبه لهم).
المصدر: اشراق