علي حسين باكير
أعلنت وسائل الإعلام الإيرانية مؤخراً عن توصّل النظامين الإيراني والسوري إلى مذكرة تفاهم تسمح لطهران بإعادة بناء الشبكة الكهربائية في سوريا، ومحطات توليد الطاقة، وخطوط نقل الكهرباء بالإضافة إلى إمكانية ربط شبكتي البلدين من خلال العراق. ووفقاً لتقرير لوكالة رويترز، لم يتم الكشف عن القيمة المالية للاتفاق بين الجانبين، لكن محمد خربوطلي، وزير الكهرباء في نظام الأسد، قال إنّ شبكة الكهرباء في سوريا تضررت بنسبة ٥٠٪ وإنّ دور إيران في إعادة تأهيلها يعتبر أمراً هاماً.
واستناداً إلى تصريحات رئيس وزراء نظام الأسد عماد خميس، فإنّ “التقديرات الأولية تشير إلى أن كلفة الأضرار التي لحقت بمؤسسات الدولة تجاوزت ٨٧ مليار دولار، وفي هذا اعتراف صريح بأنّ الخسائر التي تسبب بها النظام السوري للقطاعات التي تتجاوز “مؤسسات الدولة” أكبر من هذا الرقم بكثير. وفي هذا السياق، تشير التقديرات الأمميّة إلى أنّ كلفة الحرب الشرسة التي شنّها نظام الأسد وحلفاؤه ضد الشعب السوري قد تبلغ حوالي ٢٥٠ مليار دولار، يتحمّل جزءاً كبيراً من مسؤوليتها كل من إيران بالدرجة الأولى ومن ثمّ روسيا.
في المقابل، يعتبر النظام الإيراني أنّ “تضحياته” ودعمه هو الذي سمح للأسد البقاء في السلطة حتى اليوم، وأنّه بذلك مدين لها لا سيما مع مقتل أكثر من ألفي إيراني -وفقاً لبعض التقديرات الإيرانية- ناهيك عن الدعم المالي المقدّم والذي يقدّره البعض بنحو ٣٦ مليار دولار حتى الآن. في مارس الماضي بالتحديد، طالب حشمة الله فلاحت بيشه، رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني، نظام بشار الأسد بوفاء الديون المتربة عليه لإيران، مؤكّداً أنّ “على المسؤولين الإيرانيين تحصيل هذه الديون من الناحية القانونية، وأنّ على طهران أن تتصرّف بطريقة تضمن مصالحها في سوريا”
الربط الكهربائي جزء من ربط أكبر يشمل كذلك ربطاً لخط سكّة حديد يجري دراسته حالياً بين إيران والعراق وسوريا، ناهيك عن الربط القائم في الجانب العسكري والأمني من خلال الحرس الثوري والميليشيات الشيعية.
هذه المطالبات جاءت متزامنة مع قيام نظام الأسد بالتوقيع على عدد من الاتفاقيات مع الجانب الإيراني تمنح الحرس الثوري عقوداً في مجالات حسّاسة وذات طبيعة استراتيجية في عدد من القطاعات في البلاد كالاتصالات ومناجم الفوسفات وإعادة بناء جزء من البنية التحتية ومرفأ على البحر المتوسط مروراً بقطاعات اقتصادية أخرى وليس انتهاءً بموضوع الكهرباء، وهو ما يؤكّد الانطباع بأنّها تأتي في سياق تلبية المطالب الإيرانية.
وحتى الآن، يبلغ عدد الاتفاقيات التي تمّ التوقيع عليها منذ بداية العام ما يزيد عن ١١ اتفاقية تمنح إيران الأفضلية وتعطيها قدرة على الوصول والتحكم بقطاعات حسّاسة ومهمة في البلاد وذلك على حساب الشعب السوري مرّة أخرى. فعلاوة على الفوائد المالية التي ستحصل عليها طهران، فإنّ مثل هذه المشاريع تهدف كذلك إلى تعزيز دورها فيما يعرف باسم الهلال الشيعي أو ما يحب البعض أن يختزل تسميته بالممر الإيراني الأرضي الذي يربط إيران بلبنان عبر العراق وسوريا، والذي تعد شبكة الربط الكهربائية المقترحة أحد تجلّياته.
الربط الكهربائي جزء من ربط أكبر يشمل كذلك ربطاً لخط سكّة حديد يجري دراسته حالياً بين إيران والعراق وسوريا، ناهيك عن الربط القائم في الجانب العسكري والأمني من خلال الحرس الثوري والميليشيات الشيعية. مثل هذا الربط يؤكّد تسيّد إيران لهذا المحور، ويعمل على توظيف موارد هذه الدول في ليس في خدمة المشروع الإيراني الإقليمي فحسب وإنما في دعم صمود النظام الإيراني في وجه العقوبات الأميركية وزيادة قدرته على المرونة والمقاومة. على سبيل المثال، تساهم النخبة الفاسدة التابعة لإيران في العراق في اعتماد البلاد على الكهرباء القادمة من إيران بنسبة حوالي ٤٠٪، وهذا يوفّر وحده للنظام الإيراني دخلاّ سنوياً لا يقل عن ٢ مليار دولار بالعملة الصعبة قد ترتفع الى ٤ مليار إذا ما أضيف إليها واردات الغاز أيضاً.
علاوة على ذلك، يوفّر العراق لإيران فائضاً مالياً من التبادل التجاري بينهما يبلغ حوالي ٩ مليار دولار سنوياً. هذه الأموال المرئية القادمة من دولة واحدة فقط تعتبر شريان حياة مهم للنظام الإيراني في الأوقات العصيبة، وإذا ما حُسبت على مدى العقد الماضي مضافاً إليها الأموال غير المرئية المختفية التي تشير تقارير إلى أنّها قد تصل الى ٤٥٠ مليار دولار، عندها يمكن إدراك الدمار البنيوي الذي يوقعه النظام الإيراني في هذه البلدان.
سوريا ليست بعيدة عن ذلك، إذ إن جلّ ما تفعله إيران هي استنساخ تجاربها في لبنان والعراق في أماكن أخرى، وهذا يعني أنّه ما لم يتم إيقاف المشروع الإيراني من داخل سوريا كذلك، فإنّ تأثيرات إيران المدمّرة على البلاد ستستمر لسنوات طويلة قادمة قبل أن يقتنع مؤيدو النظام الإيراني أنّ نفوذه لم يجلب سوى الدمار والفوضى للبلاد.
المصدر: مركز الشرق العربي