ميشيل كيلو
ثمّة مسألةٌ على قدر عظيم من الخطورة، يجب ملاحظتها ونحن نقترب من لحظةٍ مفصلية، هي سقوط الطرفين اللذين لعبا دورا متكاملا في حرف ثورة الحرية التي قام بها شعبنا السوري عن هدفها، واستبدله أولهما، نظام الإجرام الأسدي، بحلٍّ عسكري، رفض مطالبة السوريين بالحرية والإصلاح، ووافق جيشُه الطائفي على تنفيذه، وشن حربا شعواء على الشعب الثائر، التقى معه الطرف الثاني، المتأسلم/ المتعسكر والإرهابي، في منتصف الطريق، وتكفّل بتقويض الثورة في مناطق سيطرته، وألغى حراكها السلمي/ المدني، واستبدله بحلٍّ عسكري دعمته الأسدية، لما وجدته في خياره من اتفاقٍ معها على ضرب ثورة الحرية، والقضاء على طابعها المجتمعي وسلميتها، الذي أجهز الطرفان عليه بالسلاح.
واليوم، ولم يبق من الإرهاب غير جبهة النصرة وبعض شراذمها، يبدو أن صراع “العدوين” المتكافلين المتضامنين انتهى إلى عكس ما يدّعيانه كلاهما: الأول، الأسد، من انتصار بالشراكة مع قوة عظمي دولية هي روسيا، وأخرى إقليمية هي إيران، والثاني، جبهة النصرة، من جهاد مقدّس تشارك فيه قوى خفية لا تُهزم.
أين هو اليوم النظام الأسدي؟ أين يوجد، وهل بقي كما كان عليه قبل الثورة التي يدّعي أنه هزمها، وهشّمته هشيما، حتى لم يبق له مؤسسه أو جيش أو اقتصاد أو خدمات أو علاقات مع أي طرف داخلي وخارجي أو موارد وطنية أو نقود، واستسلم تماما لعجزه عن تدبير كيلو سكر للأسرة في الشهر، وأصابه اليأس من استعادة أوضاعه السابقة، فتفرّغ لنهب شعبٍ بقي في مناطقه، ولم يترك له قدرةً حتى على المشي، بسبب ما ناله من التجويع والإذلال والتخويف والتعذيب والقتل؟ على من وماذا يمون الأسد الذي حارب شعبه من أجل كرسيٍّ سحبه من تحته الروس والإيرانيون، بينما أخذ يوقّع صكوك تسليمهما سرّا وطنا وشعبا وموارد، علّهما يشفعان له ويبقيانه في موقعه الذي لم يعد موجودا في دولةٍ أسديةٍ لم تعد قائمة؟ أما شريكه في قتل الثورة، عنيت جبهة النصرة، فهي تعيش بالقسر والإكراه، وسط شعب يكرهها ويرى فيها أسدية متأسلمة، تعرّضهم لصنوفٍ من البطش والفتك، تماثل ما يتعرّض له إخوتهم في ظل أسدية الحرب والقتل الدمشقية. وليس سرّا أن معادلة التنافي المتبادل بين الأسدية والشعب تنطبق اليوم على الشعب وجبهة النصرة، وأن اهل المناطق الخاضعة لها يرون فيها احتلالا من الباطن، يعمل في إطار المشروع الأسدي، ولا يختلف مصيره عنه، فهو يعيش أيامه الأخيرة.
تهاوى الطرفان المؤدلجان اللذان مثّل أحدهما إرهاب الدولة، والآخر إرهاب المذهبية، وتعاونا ضد ثورة الحرية، الأمر الذي يطرح السؤال: إذا كانت هزيمتهما حتمية، ألا يلزمنا تهالكهما بإعادة إحياء ثورة الحرية، السلمية والمدنية، الحية في ضمائر شعبنا في كل شبرٍ من أرض سورية، والتي يردّد في كل تظاهرةٍ تمنعها جبهة النصرة أو تنتقم من القائمين بها: سورية بدها حرية، والشعب السوري واحد؟ ألم يحن الوقت لاستيقاظ النخب من نومها المديد، ولتوحيد صفوفها حول ما لا تختلف عليه، لتسريع عودتنا إلى ثورتنا الأولى التي يتهاوى عدوّاها الرئيسان، ويوشكان أن يلفظا أنفاسهما الأخيرة، ولا بد لتلاشيهما من أن يعيد إحياءها خيارا مجتمعيا وطنيا لشعبٍ دفع ثمنها غاليا، على يد مجرمي السلطة والإرهاب. ومن غير المقبول أن يفضي استمرار تغييبه، في الظرف الجديد، إلى خروجه صفر اليدين من أنبل ثورةٍ يمكن لشعب آن يقوم بها، بما قدّمه السوريون لها من تضحيات؟
تتخلق شروط نهوض ثوري في لبنان والعراق، يحمل بصماتٍ من بدايات ثورة الحرية في سورية، ويدفعنا دفعا نحو استئنافها وتجديد حراكها، السلمي/ المدني، لإزالة ما بقي من وسخ الأسدية والإرهاب من حياة شعبنا ووطننا.
المصدر: العربي الجديد