فايز هاشم الحلاق
لا تهاجر
دونَ حُلْمٍ لا تُسافِرْ
احملِ الأزهارَ منها
ضَعْ وُروداً
بينَ أوراقِ الدَّفاتِرْ.
سامِرِ الفتّانَ فيها،
نَخْلَةً،
ثمَّ خفاً بَعدَ حافرْ،
سابحاتٌ بالسُّروجِ،
أو عصافيراً بواكِرْ.
لَمْلِمِ الأَقْمارَ هَوْناً،
فهيَ تأتي تغتسِلْ،
تحتَ سَطْحِ الماءِ لَيْلاً.
دَغْدِغِ الأشجانَ صَمْتاً،
لا تُجاهِرْ
ناجِ هَمْساً،
راقصاتِ الحورِ، إِنْ هَبَّ العَليلُ،
باكياً جُرْحَ الأصيلِ.
خاصِمِ الإغْفاءَ في وقتِ السَّحَرْ؛
كَيْ تَذَكَّرْ،
ثمَّ هاجِرْ.
– 2 –
إملأِ الكاساتِ خَمْراً،
من حليبِ النُّوقِ صِرفاً،
وادْعُ لَيْلى الأَخْيَلِيَّهْ،
ثُمَّ خَوْلَهْ،
وادْعُ هِنْداً؛
اجعل النُّدْمانَ ضَأْناً.
هاتِ من عصرٍ سَحيقٍ،
كُلَّ نَبضِ الأبجدية.
عُدْ إلى سامٍ ونوحٍ.
داوِ جُرْحاً بالقريضِ؛
حَتَّى تُسْحَرْ،
ثُمَّ تَسْكَرْ.
إنَّها تَحنو إِليكَ،
تَتْلو آياتِ عَليكَ
زَرْكَشاتٌ
من كلامِ اللهِ رَبِّ العالمينَ؛
قَدْ أنارَتْ مُهْجَتَيْكَ.
عَفِّرِ الوَجْهَ مِنْ تِلكَ الرِّمالِ،
فوقَ هاتيكَ الصَّحاريْ،
فهيَ تَرنو للسَماءِ،
لَمْ تَزَلْ ترجو السَّحابَ،
والغُيومَ القاحلة
قَطْرَةٌ مِنْ نَداها،
تَروي كُلَّ النَّاسِ طُرّاً،
تَحوي مَخزونَ الضِّياءِ.
أَيُّها الظَّمْآنُ للحُبِّ أَقْبلْ،
كَيْ تَرى ربَّاً تَجَلَّى
في السَّماءِ.
لا تَرَنَّحْ،
بِئْسَ مِنْ عَقْلٍ مُسَطَّحْ،
نَشوةُ الإدمانِ هَبَّتْ.
قُمْ فسافِرْ،
كَيْ تُفَاخِرْ،
أنْتَ في سُكْرٍ مُسَلَّحْ.
– 3 –
حاذِرِ المَشْيَ عارٍ،
في بلادِ الثَّلْجِ حاذِرْ.
خُذْ رِداءً،
سَوْفَ تَحيا في ضَبابٍ،
ضِمْنَ مَشْروعٍ مُخادِعْ،
زَعْمُهمْ فيه البناءَ،
لَيْسَ إلاّهُ الخَرابَ،
فارتَدي دِرْعاً وقاوِمْ،
لا تُساوِمْ،
تَتّقي بَرْدَ الشِتاءِ.
– 4 –
لا تُسافِرْ،
دونَ حُبٍّ لا تُسافِرْ.
قُمْ فَمَتِّعْ ناظِرَيكَ،
وادْعُ أتراباً لَدَيْكَ.
اسرقِ الأهدابَ مِنْ كُلِّ الصَّبايا،
واخْطُفِ الوَجْنَاتِ مِنْ تِلْكَ المَرايا؛
صانِعاً مِنها قلادة
أوْ سِواراً؛
كي تُسَلِّي مِعْصَمَيْكَ.
هاتِ دَمْعاً
ثمَّ وَدِّعْ والديْكَ،
ذارِفاً دُرَّ العيونِ،
خَيرُ ما يَبْقى لَدَيْكَ،
ثُمَّ هَاجِرْ.
رُبَّما يَوْماً تُكابِرْ،
تَشْرَبُ الأيَامَ صابِرْ،
حَرِّرِ الوَرْدَ من قَيْدِ السُّجونِ،
بَيْنَ طَيَّاتِ الدَّفاتِرْ،
ثُمَّ حاوِلْ أَنْ تَذَكَّرْ:
مَخْبَأَ الأَقْمارِ مِنْ تَحتِ البحيرة
كيفَ كانَتْ؛
تَشْتَكي صَمْتَ الهُدوءِ،
واهْتِزَازاتٍ خفيفة؟
هِرةُ الودِّ الأليفة،
أَصْبَحَتْ غولاً تمادَى،
فوقَ سَطْحِ الذاكرة.
– 5 –
عُدْ سَريعاً
أيُّها الطَّيْرُ المُسَافِرْ،
أنتَ وَعْدٌ لا سَرابُ.
عُدْ لأَيْكٍ
عَاشَ توَّاقاً لِعَزْفٍ،
للغِنَاءِ،
هاتِ شَدْواً،
هات عَزْفاً مِنْ يَدَيْكَ،
لَحْنَ أوتارِ العلومِ،
فوقَ مِدْماكِ البناءِ،
زائحاً مِنْ مَعْصَمَيْكَ،
كُلَّ أَنْواعِ الغُيومِ.
غَيَّرَ القَحْطُ الصَّبا،
عِنْدَ ما هَبَّ الغبارُ،
فَوْقَ واحاتِ اليَبابِ
زارِعاً في مَنْ يَعيْ،
سُمَّ أَمْراضِ الهُمومِ.
لَنْ تَكونَ الضَّادُ ثَكْلى؛
رَغْمَ قَصْفٍ للرُعودِ
كَيْفَ تَرْضى،
بَعْدَ ما يَشْتَدُّ عودٌ،
فيهِ إِثْمارٌ وبَلْسَمْ،
فيهِ تِرياقٌ لِوَهْنٍ،
وَأْدَ حُلْمٍ؟
أَنْتَ إِنْ تَبْقى هُناكَ،
تِلْكَ في الميزانِ كُبْرى.
لا تُغامِرْ،
واجْتَنِبْ كُبْرى الكَبائِرْ.