د- زكريا ملاحفجي
سبع سنوات مرّت على استشهاد رجلًا من أهم الشخصيات العسكرية الثورية التي مرّت بالثورة السورية وهو العقيد (يوسف الجادر/ أبو فرات).
(أبو فرات) من الندرة الوطنية الرائعة التي لا أرى لها مثيلاً، أثبت بالملموس أنه يمتلك حساً وطنياً عالياً ، كان يُحزنه مقتل كل سوري بأي صف كان يقاتل، لأنه يرى أن السبب بكل ذلك هو العائلة الإجرامية الأسدية التي لا تقاتل، وكان يحزنه أن تتدمر أي دبابة سورية أو أي بناء أو سلاح لأن هذا ملك للشعب السوري الذي دفع قيمته ليحمي بلده.
(أبو فرات) لم يكن مع ثقافة الغزو والنهب والغنيمة والسيطرة والتحكم، كما لم يكن من أصحاب المشاريع العابرة للحدود أو الساعين للمجد الشخصي، وإنما هو وطني سوري بامتياز، عندما نقول عن أحد أنه مناضلاً ثورياً حقيقياً فهو العقيد يوسف الجادر، كان أصدقائي من المسيحيين ومن الطوائف الأخرى العلويين وغيرهم يقولون لي أيا ليت كل العسكريين في الثورة أمثال هذا الرجل الذي لا يعرف الحقد على سوري، وحسه الوطني حاضر معه حيث حلّ وارتحل، هو يعرف عدوًا واحدًا فقط وهو السبب في كل ما جرى ويجري، أي هذه العصابة فقط .
كان (أبو فرات) يحزن على كل أم سورية تفقد ولدها، سنية كانت أو علوية، عربية كانت أو كردية، لأن المتسبب الحقيقي في كل ذلك والذي زجّ بالبلد وأبناءها في أتون المعركة والحرب هو هذه العصابة الحاكمة.
ولو أن القيادة العسكرية للثورة أمثال أبو فرات، لكانت مضرب مثل للتاريخ بهذه العقلية الوطنية، وهذه الأخلاق، وأمثال هؤلاء مع الأسف لا يعيشون طويلاً، لأنهم أخطر الناس على النظام، فهو أخطر من كل الجماعات الراديكالية اليمينية واليسارية التي تسعى للتملك والتحكم والسيطرة، فالنظام لا يزعجه البغدادي والجولاني ولا كل اللصوص، إنما يقلقه ويقضّ مضجعه هذا الرجل العسكري الذي يتقن العلوم العسكرية، وهو الذي يكون زاهداً في المال والألقاب، ومحبوباً ومقبولاً لدى كل السوريين بما فيهم طائفة النظام، لأنهم يرون (أبو فرات) شخصاً غير حقود، شخصاً يمكن للسوريين أن يأتمنوه على دمائهم وأموالهم، وشخصاً تراه الأطراف الدولية لا يحمل مشروعاً عابراً للحدود ويقدر الحليف والصديق، ولا ينتمي لأيديولوجية مريبة وإنما ينتمي إلى وطن ضحى ودافع من أجله.
لم يُر (أبو فرات) يوماً مترفاً أو خلف مكتب أو ببدلة جديدة مزركشة، وإذا بحثت عن صورة له لا تجده إلا مع عناصره في جبهة أو رصيف شارع وتراه متعب منهك يقطر عرقه وجاحظة عيونه من الإرهاق.
(أبو فرات) لم يطمع بمصنع لأحد، أو مزرعة لآخر، ولا ينظر للطبقة الارستقراطية نظرة حقد أو حسد، هو لا يرى كل ذلك ولا تعنيه كل ذلك، لأنه أسمى من كل ذلك.
و(أبو فرات) كان يتطلع إلى وطن حر عظيم، ولم يره أحد يوماً ما يتشفّى بقتل خصمه، بل حزيناً عليه.
بهذه الروح حرر (أبو فرات) مدرسة المشاة في حلب، ثم صعدت روحه شهيداً جميلاً عزيزاً هو ومعاونه الملازم أحمد طلاس، الذي لا تقل صفاته وصفات أخلاقه عن قائده العقيد (أبو فرات) كلاهما استشهدا في يوم واحد، وتركا حملاً ثقيلاً عظيماً يعجز عن حمله أي أحد.
هنيئاً لهما الشهادة والخلود، هما العظيمان العقيد (يوسف الجادر) والملازم أول (أحمد طلاس) الرحمة لروحهما.
Comments 1