منجد الباشا
ما فتئ البعض من المحسوبين على اليسار السوري ومنهم السيد موفق نيربية…يدعو الى عملية تجديد في الفكر والخطاب السياسي الديمقراطي.. وخاصة بعيد الثورة السورية والمآلات التي انتهت اليها، وحصة الاخفاق الكبير (جدا) التي نالها اليسار الوطني الديمقراطي العلماني ممثلا بأحزابه وقواه السياسية المختلفة…… مبررين هذه الدعوات التجديدية، بأفكار ووقائع ومفاهيم…لم يعد لها ان تمر مرورا عابرا كما لو اننا كنا في زمن ما قبل الثورة السورية العظيمة…فمن المنطقي جدا …ان يستيقظ الكثير من كوادر هذا اليسار ،ويقوم بإعادة الاعتبار للعقل الحر المستقل الذي دفع ضريبة باهظة بانضوائه تحت مظلة الفكر والخطاب والفلسفة المنتجة لهذا اليسار….وسأتناول هذا المقال في جزأين ..الاول ..حيث يستعرض المبررات المعاصرة لهذا التجديد…والثاني ..الذي يذهب فيه الى التاريخ القديم فيحاول ايضا البحث عن ما يدعم دعوته من مبررات ..اما في القسم الاول .. فيأخذ من سقوط الاتحاد السوفياتي وما سبقه من بعض الافكار والاستنتاجات النظرية والفكرية التي أطلقتها مرحلة البيروسترويكا…
كنزع مفهوم الايديولوجيا من الخطاب السياسي، ودكتاتورية البروليتاريا…. المبرر الاوفى لإعطاء الاولوية في الفكر والخطاب السياسي للمصالح الانسانية الكونية، وزيادة التفاعل الايجابي (سياسيا) وليس عسكريا مع العالم…. ليطلق دعوته على ضوئها…وهنا يحق لنا ان نتوقف مليا…عندها سنجد كم ان المقارنة، غير موفقة وبالتالي غير مقنعة..فليس صحيحا ان نُسقط ما كان فاعلا من افكار ومفاهيم سياسية وايديولوجية ،في بلد عاش تجربة نظام سياسي تم بناءه بشكل مستقل تماما وبعيدا عن اي تدخلات تؤثر على عملية البناء هذه، وتشوه مسارها بل انها ،اخذت جميع ما تستحق من الشروط اللازمة لعملية بناء الواقع وتنميته وتجسيد هذه الافكار فيه…..
ان الوصول الى الطريق المسدود الذي أطلقته البيروسترويكا.. آنذاك…لم يتم اطلاقه الا بعد ان استنفذت كل الافكار والاساليب والزمن، التي تم انتاجها وممارستها فعلا…….فهل ..تم ذلك في اوطاننا..وهل كنا اكثر من مقلدين لنماذج سياسية واقتصادية بل ومشوهين لتلك النماذج…هذا اولا..وثانيا…هل سمح لنا ان ننجز ما أردنا تقليده حتى وان كان مشوها ليأخذ ابعاده الكاملة في الواقع ولنستنتج لاحقا باننا وصلنا الى الطريق المسدودة…ثالثا…ان اسقاط هذه العوامل من التحليل والمقارنة لابد ان ينتج مخرجات نظرية ايضا غير مطابقة لحاجات واقعنا الذي نشكو من فشلنا في التعامل معه بشكل متواصل….اخيرا…وامام هذا الاستنتاج..
لابد من رؤية ان الذهاب الى إطلاق الدعوة للتماهي والتفاعل الايجابي مع القضايا الانسانية والكونية السياسية وليس العسكرية منها. ليست سوى تسويقا.. لخطاب دولي او تماهيا معه، تتصاعد منابره يوما بعد يوم..كغطاء (ايديولوجي) لماكنة مافيوية طاحنة تبيد الاعداد اللامتناهية من ارواح البشر وتدمر كذلك البنى التحية والعمرانية لها دون اي وازع انساني او اخلاقي..وكل ذلك تمهيدا لوضع لبنات اوليه لنظام عالمي جديد وشرق اوسطي جديد يسمونه الشرق الاوسط العَلماني الديمقراطي الجديد….يتسيد فيه الكيان الصهيوني البشع. ويعيش فيه مجتمعات قوامها الايدي العاملة العربية الرخيصة ورأس المال النفطي الخليجي المتدفق…. اننا.. كقوى ديمقراطية ويسارية، وبالرغم مما اصابنا من اخفاقات في تأثيرنا بمسارات تطور مجتمعاتنا، وبالرغم من حاجتنا الهائلة، لعملية نقد جذرية، لكن ذلك يجب ان لا يجعلنا نفقد البوصلة التي تميزنا.. بالانحياز للقيم الانسانية والاخلاق الفاضلة وللشعوب والطبقات المستغلة…. وان لا نقع بفخاخ ايديولوجيا المافيا المتوحشة الزاحفة مهما كان جبروتها ومهما كانت شموليتها وقدراتها.