خالد الحروب
تعبيرات الارتماء والنواح التي نراها في غزة من كافة الفصائل الفلسطينية على قاسم سليماني تجاوزت التسيس وما يمكن قبوله. قد يتفهم كثيرون صدور بيان عزاء جماعي موجز ورصين (لكن غير مندلق …)، نظرا لاعتبارات الدعم الإيراني التي لا ينكرها أحد في وقت تخلى فيه معظم العرب عن غزة واهلها ومقاومتها. هذا رغم ما يسببه حتى بيان بهذه الصفات من مرارات عميقة لملايين السوريين والعراقيين واليمنيين واللبنانيين. لكن ان يتفاقم الاندلاق اللطمي إلى فتح بيت عزاء في غزة، وتجميع الجموع، وسوى ذلك من مظاهر، فإن ذلك كله يقع في مربع الرعونة والمراهقة السياسية، فضلا عن خسران الشعوب. عدة نقاط يمكن التأمل بها في هذا الصدد:
١. ادبيات المقاومة الفلسطينية الوطنية والعلمانية والاسلامية اكدت دوما وتؤكد ان الشعوب العربية والاسلامية واحرار العالم هم الحاضنة الحقيقية لها. الشعوب العربية المحيطة بفلسطين والمكلومة من قبل تدخلات وحروب قاسم سليماني هي في نهاية المطاف الداعم الحقيقي لفلسطين وشعبها ومقاومتها. الانظمة المجرمة بكل تلاوينها تقضي وتنصرف وتبقى الشعوب، وهي التي يجب ان يُراهن عليها. في ميزان القوى الاقليمي وبعيد المدى ماذا تستفيد فلسطين من تدمير العراق وسورية كبلدين مقابل مد غزة بالصواريخ؟
٢. كثير من، ان لم يكن كل، الانظمة العربية وظفت فلسطين لأغراضها السياسية بهدف اكتساب شرعية اما في نظر شعوبها او على صعيد الاقليم (بعث سورية وبعث العراق، مصر الناصرية، الاردن، …، والان إيران وتركيا).
٣. دعم إيران لفلسطين وفصائل المقاومة يهدف الى شرعنة حضورها الاقليمي، وفصائل المقاومة في غزة ليست بالنسبة لإيران سوى جماعات وظيفية في استراتيجية إيران الاقليمية الكبرى، والتي ليس فيها اي حرب مع اسرائيل سوى حرب الشعارات. إيران تتفادى اي معركة او احتكاك مباشر مع اسرائيل منذ اربعين سنة. وكل الشعارات الموجهة ضد اسرائيل الهدف منها توفير الخطاب الايديولوجي الذي يشرعن تحكم النظام بالداخل الايراني، والتوسع والنفوذ في الخارج، وكل ذلك لتقوية الموقف التفاوضي الايراني في اللحظة السياسية التفاوضية الحاسمة التي سوف يتم فيها ترسيم النفوذ الاقليمي
٤. في ضوء ذلك، فصائل المقاومة في غزة هي التي تقدم خدمة كبيرة لإيران عندما تقبل دعمها، من دون التقليل من قيمة ذلك الدعم من زاوية نظر تلك الفصائل. إيران الشيعية تستخدم دعم حماس والجهاد السنيتين وبقية الفصائل التي تدعمها لتقول بأنها ليست طائفية، وهذا في حد ذاته خدمة لا تقدر بثمن تقدمها غزة لإيران.
٥. استخدام مسوغ حاجة حركة التحرر الوطني إلى اي دعم مهما كان مصدره لتوظيفه ضد المحتل هو استخدام ذو حدين (فضلا عن ميكافيليته المرعبة)، لأن ذلك يعني ببساطة قبول استخدام هذا المسوغ في حالات شبيهة ثانية يكون فيها الظلم والاضطهاد مساويا للاحتلال. مثلا، يصير من حق الاكراد في شمال العراق التعامل مع اسرائيل (او الحصول على دعم مهما كان مصدره) لتحقيق حلمهم بالاستقلال والتخلص من ما يرونه اضطهاد العرب. ويصير ايضا من حق السوريين الاستعانة بإسرائيل لوقف المقتلة الكبرى التي تعرضوا لها من قبل نظام الاسد.
٦. الخلاصة، كان بالإمكان اتخاذ موقف وسطي يلتزم الحد الادنى من التضامن الدبلوماسي إذا احست فصائل المقاومة بالحرج الشديد، لكن ما نراه الآن تجاوز ذلك كله وربما يكون ثمنه غاليًا لجهة تضامن الشعوب ووقوفها معنا.