ياسر الحسيني
تابعنا تداعيات عملية تصفية قاسم سليماني وعدد من قيادات الميليشيات العراقية الموالية لإيران، وكان الّلافت هو محاولة إبراز حجم وأهمية الجنرال قاسم سليماني قائد “فيلق القدس” من قبل حلف الممانعة و المقاومة، وتصويره على أنّه الرجل الاستثناء الذي نذر نفسه لتحرير القدس!، رغم أنّ تاريخه الإجرامي يقول عكس ذلك تماماً، فالجميع يعلم أن “فيلق القدس” لم يطلق طلقة واحدة على إسرائيل، فيما كان سليماني يتنقّل ما بين دمشق وبغداد ليشرف بنفسه على عمليات قتل وتهجير “السنّة” من السوريين والعراقيين طوال السنوات التسع الماضية، بحجة محاربة “داعش” و حماية المراقد المقدسة وأنّ زينب لن تسبى مرتين، وكلّ هذه الأكاذيب التي روّج لها حلف “الممانعة والمقاومة” الذي كان يرى طريق القدس لابدّ أن يمرّ من مضايا والزبداني وحمص وحلب ودير الزور والحسكة وكل المدن السورية وصولاً لإدلب، في الوقت الذي أدار ظهره للعدو الصهيوني مطمئنّاً له، رغم الغارات الإسرائيلية على بعض مواقعه في سورية، التي لا تعدو أكثر من جزء لمسرحية تديرها أميركا على مسرح مكشوف بحجم “الهلال الشيعي” الذي تسعى إلى تحقيقه إيران على دماء وأشلاء العرب.
لعلّ مقتل الجنرال “قاسم سليماني” و “أبو مهدي المهندس” وآخرين من قادة الميليشيات الطائفية، إنما يأتي مكمّلاً للمسرحية التي تكشّفت أهم فصولها ولامست جوهرها فكان لابدّ من التضحية بشخصية بحجم السليماني في مطار بغداد، لتبدأ مراسم التشييع انطلاقاً من بغداد إلى كربلاء والنجف، كإعلان مبطّن بأن العراق قد أصبح جزءاً من الإمبراطورية الفارسية.
هذه الإمبراطورية التي تتطّلب توفّر أذرع مؤمنة بها من بني جلدتنا، الذين تصدّروا المشهد السياسي في العقود الثلاثة الماضية تحت شعار “مقاومة إسرائيل” إلا أنّ صمود الشعب السوري كلّ هذه السنوات فضح زيف هذا الشعار وكشف عمالة هذه الأذرع، مما دفعها للهروب إلى الأمام وإعلان ولائها المطلق لإيران بدءاً من حزب الله الذي وقف مع نظام الأسد منذ البداية، لتبدأ بعدها سلسلة الأصطفافات للعديد من الأحزاب والفصائل التي تاجرت طويلاً بقضايا الأمة العربية وعلى رأسها “القضية الفلسطينية”، لتنتهي السلسلة بإعلان حركتي “حماس” و “الجهاد الإسلامي” وبعض الأحزاب “اليسارية” انتمائها إلى مشروع “ولاية الفقيه”، ضاربة عرض الحائط بكل تاريخها النضالي “المزعوم” ولتكشف عن وجهها الحقيقي حين نعت من قتل وجوّع مئات الآلاف من السوريين والعراقيين والفلسطينيين، حين أطلقت على قاسم سليماني صفة “شهيد القدس”. إذاً نحن اليوم نقف عند منعطف خطير جداً، يهدّد الأمة العربية بوجودها وهويّتها وانتمائها، وإن عملية الاصطفاف الأخيرة، ماهي إلّا عملية تمهيد وتحضير لإعلان قيام “الهلال الشيعي” على أنقاض دول مهشّمة وشعوب طحنتها الحروب الطائفية التي تغذّيها وتقودها إيران بمباركة (أميركية / إسرائيلية) وتواطؤ غربي واضح وخذلان عربي فاضح.
منذ لحظة اغتيال قاسم سليماني بدأت رؤوس الأفاعي تخرج من جحورها، يرافق ذلك تطبيل وتزمير في وسائل الإعلام الناطقة باسم حلف الممانعة والمقاومة وبأن الثأر لمقتل سليماني قادم لا محالة لطرد أميركا من المنطقة.
لكن الردّ الإيراني لم يأت متناسباً أبداً مع تلك التصريحات النارية، كما هي عادتهم دائماً وأبواقهم التي ملأت الشاشات بالوعيد والويل والثبور وعظائم الأمور.
بضعة صواريخ تم إطلاقها ليلة الثلاثاء 7/1/2020 من إيران بطريقة “تلفزيونية” على قاعدة عين الأسد في العراق في الوقت الذي كانت تتم فيه مراسم دفن “قاسم سليماني” التي تم تأجيلها لتتزامن مع لحظة إطلاق الصواريخ، فكانت بمثابة (21) طلقة مدفعية في وداع قائد فيلق القدس تكريماً وليس ثأراً (كما يدّعون)، وهذا ما يفسّر ما أكّده العديد من المراسلين بأن الصواريخ لم تكن تحمل رؤوس متفجرة بعد أن وقفوا على أماكن سقوط بعضها في كل من أربيل ومحيط قاعدة “عين الأسد”، حين لم يجدوا حفراً كبيرة التي عادة ما تحدثها مثل تلك الصواريخ البالستية.
أخلص للقول إننا مقبلون على مرحلة جديدة وخطيرة جداً، بعد أن كشفت بعض المقاومة الفلسطينية ولاءها لإيران أسوة بحزب الله لينتقل الصراع إلى حرب مكشوفة ما بين الأذرع العميلة وسواد شعوب المنطقة الرافضة لمشروع ولاية الفقيه الطائفي والمتمسكة بهويّتها وانتمائها.
إنها الحرب والفوضى التي بشّرت بها “كوندليزا رايس” منذ عقدين من الزمن، وها نحن اليوم نقف على أعتابها لنقاتل أبناء جلدتنا ممّن باعوا أنفسهم خدمة لإسرائيل وإيران، ولسان حالنا يقول: “إمّا أن نكون أو لا نكون”.
المصدر: اشراق