عبد التركي
كورونا أو ما يسمى (covid_19) الفيروس الذي أربك العالم وربما ستستمر تداعياته وتأثيراته لسنوات طويلة لا يرى بالعين المجردة قطره حوالي 100 نانومتر أي أنه في كل مليمتر مربع حوالي مليار فيروس لن نذهب بعيداً بالحديث العلمي عن هذا الفيروس لأن أهل الاختصاص والباحثين أشبعونا بتفصيلاته وتأثيراته والبحث عن المضادات له وفي كل يوم تفاصيل علاج جديد ونحن ننتظر كما كل العالم أن يستطيع العلماء لجمه ووضع حد لكل تأثيراته.
فقد أوقف كل شيء في العالم الذي ظن أهله وخصوصاً الدول المتقدمة أنهم يملكون من القوة ما يمكنهم من فعل أشياء كثيرة فيه فجاء هذا الفيروس الصغير ليقول للجميع أنا الذي أستطيع أن أفعل ما أشاء متى وأينما أريد وسأتحداكم جميعاً سأفرض عليكم ما أريد وسأجعلكم لسنين طويلة تتكلمون عني وأول ما ستقولونه وتتذكرونه دائماً أنكم سترددون عبارة العالم ما قبل وما بعد كورونا.
لعلنا نشاهد صدق لسان حاله حولنا فقد أجبر أغلب سكان الكرة الأرضية على الجلوس في منازلهم وبين أسرهم، كما أوقف المعامل عن الإنتاج وأغلق أبواب البنوك والأسواق المالية وجعل الأسهم تنهار وعرض الشركات الرأسمالية للخسائر.
لقد أوقف السياحة وحركة النقل بكافة أشكالها الجوية والبرية والبحرية ولم تسلم من تداعياته حتى وسائط النقل البدائية التي تعتمد على الحيوانات.
قام بإغلاق أبواب النوادي والملاهي والحدائق ودور السينما والمسارح والمراكز الثقافية
ولم يستثن دور العبادة ولا المقرات الكبرى للديانات كلها فقد أغلقت جميعها أبوابها حتى على مستوى الصلوات اليومية ناهيك عن المناسبات الدينية الكبرى.
أوقف الجيوش والحروب ولأول مرة ربما وفي دول كثيرة وضع الجيش والشرطة في مكانهما الصحيح وهو خدمة الشعب. مكان واحد لم يغلقه لكنه أثبت للجميع أنه لا يكفي وأنهم قد تهاونوا كثيراً فيه إنها المشافي والمراكز الصحية والبحثية التي تعمل ليل نهار ولا تفي بالغرض ليثبت للعالم كم هم مقصرون في حق أنفسهم وحق الإنسانية.
لن نستطيع ان نحصي ما فعله هذا الفيروس لأنه رغم صغر حجمه فقد استطاع أن يكون حديث الساعة للعالم كله.
أمام هذا الجزء البسيط من تأثيرات الفيروس التي تم ذكرها ما الذي يمكن أن نراه ونستخلصه للمستقبل فحجم التأثيرات التي سيتركها ستغير العالم وترسم خطوطاً وحدوداً وتوجهات جديدة فيه قد يكتشفها الإنسان في قضايا كثيرة ويغير على أساسها نظرته إلى العالم من حوله أين كان وأين أصبح؟ وماهي السلبيات والإيجابيات التي ستتمخض عنها هذه الأزمة في إعادة تشكيل العالم والعلاقات الدولية والإنسانية على مستوى التجمعات والمجموعات والأفراد
ربما يعيد الفيروس إلى العلاقات الاجتماعية وخصوصاً الأسرية منها بعضاً من حميميتها لأن الكثير من الناس استهلكتهم الحياة المادية والتكنولوجية ولعل بعضهم كان منهمكاً بالعمل وربما لا يرى أفراد أسرته إلا نادرا.
سيعيد النظر في العولمة التجارية وذلك بأن يجعل الدول تعيد النظر في سياساتها التجارية والصناعية التي كشفت الأزمة أنها قاصرة ولا تلبي حاجاتها فقد تراجعت الدول عن كل التزاماتها وأصبحت تبحث عن مستلزماتها أولا بعيداً عن كل الالتزامات والعقود المبرمة مع اﻵخرين.
كما أنه سيجعل العالم يبحث في نظم الحكم السياسية وإعادة النظر فيها وقد يؤدي إلى انغلاق الدول على نفسها او زيادة الانفتاح وهذا مما سيترتب على نتائج التعامل معه من قبل نماذج الحكم هذه حرة كانت أو مستبدة.
ستكون مقاييس ما يسمى بالنمو وقياسه مختلفة فقد تم النظر إليها فقط من الناحية الاقتصادية ولم تكن تلتفت إلى الجوانب الإنسانية والعلمية.
سترتد مفاعيله على كبرى التجمعات الدولية والدول الصناعية الكبرى التي فشلت في التصدي للأزمة على مستوى الدول والتجمعات وربما نشاهد ارتدادات لهذا الموضوع على كبرياتها لأن العلاقات الدولية كلها لم ترق الى مستوى المسؤولية رغم كل الكلام عن التعاون والعلاقات الدولية.
سيضع العالم أمام مسؤولياته عن الدمار الذي يقوم به تجاه الكرة الأرضية وسكانها ويعيد النظر في السباق المحموم للتسلح والمصاريف المترتبة عليه وكلف الحروب إذ استطاع هذا الفيروس أن يجعل كل ترسانات الأسلحة بلا قيمة وعاجزة أمامه.
سيعيد الكلام عن الإنسان وحقوقه والمنظمات المعنية بها ويعيد النظر في ترتيب الأولويات في المجتمعات والدول فقد كان يتصدر قائمة الأجور والمصاريف الفنانون ولاعبوا الكرة والراقصات ويتذيلها العلماء والأساتذة والباحثون وموظفو الصحة.
سيفتح النقاش حول الأديان ومؤسساتها من جديد والدور الذي لعبه القائمين عليها على مر الزمان وعلاقتها بالعلم. كل ما ذكرناه هو جزء مما سيتناوله العلماء والباحثين في المستقبل ولسنوات طويلة سيعمل الفلاسفة وعلماء الاجتماع والعلوم كلها على إعادة النظر في كل ما تم اكتشافه والعمل به حتى الآن من نظريات تخص البشر وعلاقاتهم في كافة مجالات الحياة الاجتماعية والعلمية والاقتصادية والسياسية.
هذا الفيروس سيكون له تأثيرات مفصلية على العالم وسيكون نقطة من نقاط التحول في تاريخ البشرية وسنقبل شئنا أم أبينا ما يفرضه علينا من تحولات وعلى كافة الصعد.
إن هذا الفيروس استطاع أن يرينا نقاط ضعفنا أمامه جلية وعرفنا كم كنا واهمون بقوتنا وقدرتنا على التأثير وسيجعلنا نعيد النظر في قدراتنا الموهومة وسيفرض علينا مقولته التي قلتها على لسانه في البداية وهي أننا سنردد كثيراً جملة أن العالم ما قبل كورونا غيره ما بعد كورونا.