جهاد عدلة
بالرغم من أنني كنت صحفيًا رياضيًا، واستمررت سنين بين الملاعب والمكاتب أكتب عن المباريات، وسافرت إلى دول عربية وآسيوية مغطيا البطولات، وأجريت حوارات مع لاعبين عالميين، وعملت تحقيقات صحفية محاولا الغوص في خفايا ما يجري في الأندية الكروية، إلا أنني أدعو إلى الزهادة في متابعتها وفي لحوق الأندية، وفي صرف الأوقات فيها، وخصوصا في زمننا هذا لأن ما يجري في العالم كبير جدا، وخطير جدا، ولا يرى المرء دورا يذكر للعرب والمسلمين في هذا العالم الذي يتشكل على أسس خطيرة من المنتظر أن تزيل خصائص الشعوب الاجتماعية والنفسية.
أدعو نفسي ومن أعرف إلى الزهادة في الرياضة، وخصوصا كرة القدم، إلا إذا كان الجمهور الذي يحضر إلى الملاعب بمستوى جمهور نادي “الرجاء” المغربي.
هذا الجمهور العظيم، الذي تابعته على اليوتيوب عَرَضا، مذهل ويثير الانبهار بمستوى الوعي الذي يتمتع به، ففي التقرير الذي تابعته ويرصد أداءه في عدد من المباريات، رأينا جمهورا يقدم محتوى سياسيا، ورسائل بالجملة في ثنايا تشجيعه، ورأينا كيف يحيي الجزائريين في المغرب، ويقدم في المدرجات لوحات مكتوبة وصوتية عن الأخوّة بغض النظر عن النتيجة، وفعل الأمر نفسه مع الفرق التونسية، والأمر الأكبر كان استقباله المذهل لفريق الهلال الفلسطيني، والشعارات السياسية العميقة التي طرحها في المباراة، وهي رسائل تعبر عن الحضور القوي لفلسطين في الوجدان العربي والإسلامي للشعب المغربي الكبير.
إذا ما كانت الجماهير مثل جمهور الرجاء المغربي، فنعم الكرة هي إذن، ونعم الشباب هؤلاء الثلة الذين علمونا كيف يمكن للمرء استثمار التجمع لتمرير الرسائل الجامعة، وكيف تحول الملاعب إلى منابر للتعبير عن مواقف كبرى تتصل بالهوية.
لأنني أحببت هذا الجمهور وأعجبت به، ولأنني أصلا أسير حب لمغربنا الأقصى، الذي أحتفظ فيه بأصدقاء من أطيب الناس وأكثرهم تواضعا رغم علو مكانتهم العلمية والفكرية، فإنني صرت رجاويا حتى النخاع، لدرجة أشعر فيها أنني لو أسست ناديا بنفسي، وخاض مباراة مع الرجاء، لشجعت الرجاء.
حفظ الله مغربنا الأقصى الحبيب، برا وأرضا وجوا، وحفظه فيه أهله الكرام، ومغربنا العربي كله، وجميع بلداننا العربية والإسلامية. آمين يا رب العالمين.