فريدريك هوف
تنبأ هذا المؤلف لسنوات بأن بشار الأسد، إذا دفعته روسيا وإيران للهيمنة العسكرية، سيصبح الطفل المدلل على أنقاض “النصر الكارثي”.
ما تبقى من الاقتصاد السوري ينفجر الآن تحت ضغط عدم الكفاءة والفساد والعقوبات وجائحة كورونا.
والعصبة الحاكمة تتنازع على من سيحصل على ما تبقى، بينما أصبحت عدم شرعية الأسد وعدم ملاءمته واضحة للقريب والبعيد.
الأحداث الأخيرة داخل سوريا تطرح سؤالاً: هل يمكن للمعارضة السورية خارج سوريا أن تلعب دوراً سياسياً بناءً إذا بدأ النظام في التذبذب أو الانهيار ؟
هذا ليس توقعاً لسقوط وشيك للأسد، والحقيقة من المحتمل أن تحاول جهتان فاعلتان دعمه بجد إلى أجل غير مسمى.
فإيران برغم كل شيء لا تستطيع تحمل تبعات اختفاء هذا تابعها الثمين، صحيح أن هناك حديث عن أن بعض المسؤولين الإيرانيين سئموا من مغامرات خارجية أصبحت باهظة الثمن بسبب الضغوط المزدوجة للعقوبات الأمريكية و COVID-1. ولكن فقدان الارتباط السوري العضوي بالوجود اللبناني للجمهورية الإسلامية، وحزب الله، سيكون انتكاسة كبيرة.
فسؤال “من خسر لبنان؟” سيكون صعباً ومثيراً للانقسام وسيوجه أصابع الاتهام إلى النخبة السياسية في الجمهورية الإسلامية التي يتزعمها الملالي المسيسين والفاسدين، وجبهاتهم الأمامية الناعمة، وعناصرهم العنيفون.
بالنسبة لروسيا فهناك قناعة متزايدة لدى السياسيين والمسؤولين الروس بأن الأسد هو أسوأ عميل يمكن تخيله. لكنهم يواجهون معضلة تتلخص في أن المصالح السياسية الشخصية للرئيس فلاديمير بوتين تختلف في سوريا على الأقل عن مصالح الأمن القومي للاتحاد الروسي.
فمع أن روسيا ستكون في وضع أفضل بكثير مع حكومة وحدة وطنية سورية خالية من شخصيات النظام، وتتعهد بشراكة دائمة مع الكرملين، ولكن لا يزال بوتين يرى الأسد على أنه الدليل على إنجازه وشعاراته السياسية المحلية بأنه الشخص الذي أعاد موسكو إلى وضع القوة العظمى، بعد السخرية لسنوات من النزعات العنيفة المزعومة لإدارة أوباما فيما يخص تغيير النظام في سوريا، وبالتالي فكيف يمكن لبوتين الآن أن يخلع – وإن كان من أجل روسيا – الشخصية التي يدعي أنه أنقذها؟
رغم ذلك، فإن الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة في سوريا ، التي تفاقمت بسبب انقسامات النظام، تزعزع كثيراً اليقين بشأن بقاء الأسد السياسي على المدى الطويل. لقد كانت قدرته على قيادة أجهزة عنف الدولة والإرهاب في سوريا متجذرة دائمًا في الشرعية الفاسدة التي تمتع بها كخليفة مؤسس ومهندس النظام: حافظ الأسد.
ولطالما اعتبر المطلعون على النظام – حتى أولئك الذين يدركون تمام الإدراك حدود قيادته – أن الإطاحة ببشار الأسد يمكن أن تؤدي إلى عنف سياسي واسع لن يسلم منه أحد من الأطراف، وأنه سيتسبب بعودة سوريا إلى أجواء المؤامرات والانقلابات التي مرت بها في حقبة ما قبل 1970، ولكن ماذا لو كانت الأسرة الحاكمة نفسها هي مصدر عدم الاستقرار؟
إن أي عملية تحييد لبشار الأسد ستكون بالأساس نتيجة عمل داخلي. ولكن أولئك الذين سيستولون على السلطة لن يرثوا إرث الأسد. بل سيواجهون التحدي المتمثل في تعزيز وجودهم بشكل مستدام، بعد مرور خمسين عامًا على “حركة الأسد التصحيحية”.
وأحد الخيارات التي ستكون مطروحة لتوسيع قاعدتهم السياسية سيتمثل في دعوة شخصيات معارضة من داخل سوريا وخارجها لمناقشة ترتيب الوحدة الوطنية، فهل المعارضة الخارجية مستعدة للعب دور بناء؟
منذ عام 2017، تعمل الهيئة الرئيسية للمعارضة الخارجية -هيئة التفاوض السورية (SNC) – في الرياض. بينما ائتلاف المعارضة السورية (SOC) – تأسس عام 2012 – موجود في اسطنبول. وجود المقرات الرئيسية للمعارضة في هذه الدول يجعل من الصعب عليها أن تتوحد وتعمل باستقلالية، نيابة عن أكثر من عشرين مليون سوري داخل سوريا وخارجها ممن عانوا من إجرام نظام الأسد، ومن سياسات الفاعلين الإقليميين الذين يسعون إلى تحقيق مصالحهم الذاتية والطائفية.
الصلابة الشديدة قد تصبح قاتلة إذا بدأ النظام بالانهيار.
تبقى تركيا حليفاً هاماً لحلف شمال الأطلنطي للولايات المتحدة، وشكاوى أنقرة حول فشل إدارة أوباما في التوصل لاستراتيجية سورية مشتركة مبررة تماماً.
لقد كانت الأولوية الرئيسية للرئيس باراك أوباما هي عدم السماح لما يجري في سوريا التأثير على اتفاقياته مع إيران، واستراتيجيته، التي تتميز بالصخب والغضب الدبلوماسي، لم تعن شيئاً.
حاولت إدارة ترامب جاهدة، من خلال جهود فريق وزارة الخارجية الموهوب والسفير القدير الوصول إلى وجهات نظر متقاربة مع أنقرة. إنه جهد صعب حقق بعض المكاسب لكلا الطرفين وجدير بالاستمرار. وعلى الرغم من أن علاقة واشنطن الثنائية مع المملكة العربية السعودية تواجه اختباراً صعباً من خلال الطريقة التي يجري الحديث بها هذه الأيام مع القيادة في الرياض ، إلا أنها بالتأكيد علاقة تستحق الحفاظ عليها. وكون العلاقة بين الرياض وأنقرة تتخذ طابعاً عدائياً فإن هذا يجعل مهمة الولايات المتحدة في سوريا وتنسيق الجهود أكثر تعقيداً.
أما بالنسبة للمعارضة الخارجية، فهناك أسئلة: إذا بدأ نظام الأسد بالانهيار، فهل ستضطر مكوناتها الرئيسية للعمل كامتداد للسياسات والأولويات السعودية والتركية؟ هل ستكون قادرة، من الرياض واسطنبول، على خدمة مصالح وأولويات السوريين داخل سوريا واللاجئين السوريين؟ إذا خلص كل SNC و SOC إلى أنهما لا يستطيعان، في ظل الظروف الحالية، أن يكونا هيئات مستقلة مكرسة لخدمة السوريين ، فإن خياراتهما واضحة: الحل أو الانتقال أو العمل وفق أجندات الآخرين.
يمكن للسعودية وتركيا، بالطبع، أن تستبق هذه الخيارات الصعبة من خلال منح المعارضة حرية واسعة في العمل. ولكن هذا غير محتمل بشكل كبير.
سعت جميع القوى الإقليمية المعارضة للأسد إلى بلورة عملاء متعاونين. ولقد حاولوا إسقاط الأسد لمصالحهم الخاصة، وليس من أجل السوريين الذين يسعون إلى حكم مدني.
في الواقع ، نادراً ما ركزت الولايات المتحدة بنفسها على مركز ثقل النزاع: المدنيين السوريين، بدلاً من ذلك، فقد اختارت عملياً أن تتجاهل القتل الجماعي الذي يقوم به النظام، باستثناء ما قامت به إدارة ترامب، عندما قام النظام مرتين بارتكاب فظائع غاز السارين. كما رفضت واشنطن العمل مع المعارضة السورية لإيجاد بديل لحكم الأسد في شمال شرق سوريا.
ويمكن القول أن الدولة التي حررت أوروبا مرتين، وأشرفت على خطة مارشال، وانتصرت في الحرب الباردة، قررت ببساطة أن مساعدة السوريين على بناء حكم شرعي في المناطق المحررة من (داعش) مهمة شاقة جداً. والنتيجة أن المعارضة لا تزال في المنفى، وأن الولايات المتحدة تعترف لا تزال تعترف بمجرم حرب كرئيس لسوريا.
في أكثر الأحيان كانت المعارضة الخارجية السورية متصدعة، وهو ما يعكس إلى حد ما رغبات وإملاءات القوى الإقليمية التي توفر الملاذ و/أو التمويل. تضم هيئة التفاوض والائتلاف السوري أشخاصاً مميزين من السوريين الوطنيين الذين يعتبرون نظام الأسد والإسلاميين العنيفين وجهين لعملة واحدة؛ عملة تشتري التقسيم الطائفي وغياب القانون. المعارضة الخارجية، على الرغم من كل الصعوبات التي واجهتها، لم تكن تستحق أبداً الاستهزاء الساذج عليها من قبل الغرباء الذين يسعون إلى إخفاء إخفاقاتهم.
لكن إذا بدأت الصفائح التكتونية السياسية في التحول داخل سوريا، فإن المعارضة الخارجية تقترب من لحظة الحقيقة. فبقدر ما يجب أن تستمر في العمل في المنفى، يجب ألا تفعل ذلك في الجوار السوري. هذا إذا كانت ترغب في التصرف بشكل مستقل نيابة عن السوريين. إن القرب من سوريا يبدو جذاباً من الناحية السطحية. لكنه في الواقع ينتج الاتكالية والتبعية المتولدة من الأسر.
بالتأكيد ستكون أوروبا الغربية موطنًا مؤقتًا أفضل للمعارضة الخارجية من أي قوة إقليمية. هذا لا يعني أن أوروبا – بالمقارنة مع الولايات المتحدة – قد تصرفت بشكل فعال لحماية السوريين، ولا بالمقارنة مع جيران سوريا، أو حتى بالمقارنة مع نفسها خلال العقد الماضي. لكن الاتحاد الأوروبي أو العديد من أعضائه يمكن أن يقدموا للمعارضة شيئًا لا تستطيع القوى الإقليمية القيام به: الأماكن التي يتم فيها التخطيط والتداول والعمل نيابة عن السوريين دون ضغوط ناشئة عن مصالح ضيقة. لأنه إذا بدأ النظام الذي دمر سوريا في الانهيار، فيجب على المعارضة الخارجية أن تنتقل إلى الأماكن التي لديها فرصة للتأثير على التوجه السياسي السوري بشكل مستقل، ولصالح السوريين.
السفير فريدريك هوف: دبلوماسي في كلية بارد، وزميل بارز في مركز رفيق الحريري للشرق الأوسط.
المصدر: مركز إدراك للدراسات والاستشارات