مصعب عيسى
ما إن تم توقيع اتفاق التطبيع الكارثي بين أحفاد الشخبوطي وأحفاد الاسخريوطي حتى تم إضافة نكبة جديدة إلى سجل النكبات العربية.
نكبة كشفت المزيد من عوراتنا وعرينا الفاضح امام التاريخ العربي والإنساني والتي أودت بهما الى الدرك الأسفل من التيه والضياع، لم يتغير شيء حقيقة سوى اننا أصبحنا أكثر عريا مذ راحت إسرائيل تعري انظمتنا واحدة تلو الأخرى وكأننا امام مشهد من فيلم اباحي يغتصب كرامتنا الواقفة على أبواب الانتظار ورذاذ الامل.
ثم راحت تلك الأنظمة تعري مجتمعاتنا وشعوبنا من كل قيم الحرية والعدالة فجعلتنا اغنام مساقة بسوط السلطان وصندوق النقد الدولي فاذا بنا نتحول رويدا رويدا الى اسماك سردين معلبة وسلع مقولبة ومخزنة بأفضل وسائل التبريد والخطاب والتنديد.
ثم رحنا نحن كشعوب وافراد نعري بعضنا البعض، وكأننا نعيد انتاج بطركية الدولة وهرميتها ولكن بطريقة فاضحة وعلنية، وإذ بنا نعود سيرتنا الأولى حفاة عراة امام أنفسنا وحكامنا وعدونا، مصابون بشذوذ فكري جمعي محنيي الرؤوس امام مستقبلنا وقضايانا المصيرية وامام الضمير الغائب المنفصل عن واقعنا المبني للمجهول أصلا.
نكبة التطبيع التي أطاحت بما تبقى من امل لدينا بالوقوف مجددا على عتبة الإصلاح والبناء، وراحت ابواق الأنظمة اغلبها او ما تيسر منها تسارع الى اللهاث خلف قافلة المال الخليجي تتحايل على لغتنا تستجدي خطابا بنصف موقف او اقل كي تبقى على مسافة امان ثابتة من النفاق والعهر السياسي من اجل ان لا تخسر فتات مال الشخبوطي وابناءه وان تضع نفسها بموقف الشرف والكرامة امام شعوبها وتدعي انها ترفض ذاك الاتفاق فغدت مثل العاهرة التي تتحدث بالشرف.
كثيرة تلك الأصوات العربية الرسمية التي صدرت ونبحت بعيد الاتفاق بدقائق وكأنها كانت جاهزة وعلى علم مسبق بتلك النكبة الجديدة التي ستحدث بعد قليل خاصة تلك التي ادعت رفضها للاتفاق ونددت به بلهجة حادة
من تلك الأصوات النكرة التي تهمني انا كفلسطيني والتي تدعي تمثيلي هي صوت سلطة أوسلو المشؤوم والتي اختارت أفضل العبارات ونمقتها وشددت على مخارج حروفها وأنهتها بنقاط القطعية والوعيد والتهديد.
وقفت امام هذه المهزلة المأساوية وامام هذا التحايل العبثي بقضيتي وبأرضي، والحزن والقهر والالم يعتريني كما يعتري كثيرين من أبناء خيمتي المصادرة بفعل الاحتلال والطغيان ثم طرحت للمنطق سؤالا هاربا من ذاكرة الأوراق والتفاوض
كيف لهذه السلطة ان تتجرأ على تلك اللهجة الحادة. كيف لها ان تقوى على رفع عينها امام التاريخ والقضية. كيف لها ان تتناسى قذارتها السوداوية منذ عقود منذ ان فتحت إسرائيل نواديها الليلية لاستقبال المفاوضين العرب والفلسطينيين دون شروط مسبقة ودون كرامة تستر عريهم. هل يعقل ان تنسى منظمة التعريص الوطني انها كانت من أوائل من فتح فرجها لبغاء التفاوض والحل الأمني والتسوية.
هل تنسى كيف تحولنا الى شعوب وقبائل فلسطينية غير شقيقة بفضل أوسلو
هلى تتناسى كيف تحولت الضفة وغزة الى سوق تصريف للبضائع الإسرائيلية بفضل التطبيع. هل تنسى انها لم تقوى على ضم خاصرتي الوطن المبعثر بفعل الانقسام
هل تنسى كيف تحول الثائر الى مقامر في سوق البورصة العالمية والتي حولت أعضاء اللجان المركزية الى ملاك لما تبقى من هذا الوطن المقسوم والمنقسم على نفسه وعلى خاصرته. أيحق لها ان تطالب الامارات بالتراجع عن التطبيع وهي التي أسست لواقعية التنسيق الأمني المقدس والذي كدس آلاف الاحرار واودعهم في سجون ومسالخ فلسطينية إسرائيلية بتهمة المقاومة.
لماذا نطالب غيرنا ان يكون فلسطينيا أكثر منا ونحن الذين صمتنا عن كثير من المجازر والقرارات الإسرائيلية والتي كان اخرها قرار ضم أراضي الضفة الغربية الى سلطة الاحتلال الإسرائيلي هذه الأراضي التي لم تتخل إسرائيل يوما عن اسمها المنوط في سجلات المراسلة والقرارات الرسمية باسم أراضي يهوذا والسامرة رغم اتفاق أوسلو ورغم معرفة عرابو رام الله بذلك.
كيف لنا ان نقوى على التنديد بموقف الامارات الخياني ونحن الذين صمتنا على اسقاط صفد وحيفا ويافا وعكا والقدس ووو من خارطة الأرض المقدسة.
إذا كان رب البيت للدف ضاربًا ….. فشيمة أهل البيت الرقص
إذا كانت سلطة أوسلو وعرابوها يرقصون على أنغام التنسيق الأمني …فكيف لها ان تحمل سيفا او قلما او غربالا تقي فيه ما تبقى من خسارات فاجعة.
لو أردنا تعداد ما ارتكبته قيادة أوسلو ومنظمة التحرير بحق فلسطين وشعبها لاحتجنا الى الاف المجلدات والمحابر علها تحصي حجم الكارثة الواقعة منذ عقود، لن يكون العالم فلسطينيا او متضامنا مع فلسطين إذا لم نكن نحن فلسطينيين أولا.
ان تكون فلسطينيا يعني ان تتحدث بالتاريخ عن الجغرافية.. ان تحاور المنطق بمقارنة الأديان …ان تحفظ وصية ملكي صادق.. وان تتجول في ازقة يبوس
ان تكون فلسطينيا يعني ان تمسك قلما وبندقية وكتاب الالياذة الكنعانية.. ان نعتذر للتاريخ عن مهزلة السياسة والتسوية.
ان نقف كشجر الزينون.. نناطح الكرمل.. ونلتصق بسور عكا …ونغوص بصحراء النقب.. لا ان نجيد الخطب.
ان نكون فلسطينيين يعني ان نتعلم رياضيات المقاومة وخوارزميات القوة …ونحل معادلة الثورة وفقا للجذر المتكعب في أعماق الأرض …ونعيد تعريف الهوية.