علي الأمين
ليس أسوأ من الانغماس في شعارات سياسية لبنانية الفارغة من المحتوى الوطني، سوى المدرسة “الغوبلزية” التي ينتهجها “حزب الله” شكلاً ومضموناً بدفع من راعيه الإيراني لتحويل الكذبة الى حقيقة، وفي مقدمها مفهوم “الشراكة”، كأكذوبة سياسية ممجوجة مفضوحة لا ينفك عن تردادها. اسطوانة “الشراكة” المقيتة تقوم على سياسة “ما لنا لنا وما لكم لنا ولكم” في أحسن الأحوال، لضمان الاستفراد بالقرار اللبناني والاستئثار بمقدرات البلد وتسخيرها بأبشع وجوهها لقطع الطريق على اي تحول ممكن من الدويلة الى الدولة. الممارسات “الحزب الهية” الفاقعة، تعززها شهادات تشهد من أهله.. ومن المؤسسين القياديين العالمين ببواطن الأمور وفظائعها، من الذين اعتملت قلوبهم من الكذب والرياء واستبدّ بهم الخوف من الإمعان في ضرب الكيان والدولة والمؤسسات، فآثروا استعادة مساحة سياسية “نظيفة”، فغادروا وانشقوا ليناضلوا في صفوف المعارضة ليكشفوا ب”أضعف الإيمان” عن مآرب “حزب الله” وأتباعه. الشراكة التي يروج لها “حزب الله” في معادلة الحكم في لبنان، هي النموذج الذي ترسخ منذ انتخاب العماد ميشال عون رئيسا للجمهورية، اي التسليم بقواعد وشروط الانتماء للمحور الايراني في القضايا الاستراتيجية والامنية من جهة، في مقابل تسهيل مهمة توزيع الحصص على الفرقاء او من يسميهم الشركاء في الوطن، بكل ما ينطوي عليه ذلك من فساد واضعاف لمؤسسات الدولة وهيبتها، لحساب الحفاظ على هيبة السلاح الذي تديره وتمتلكه الدويلة، وتستخدمه في سبيل قضايا اقليمية وداخلية ولتعزيز نفوذها ودورها كأداة ايرانية. الشراكة هنا تعني فقط هذا الحيّز “القذر” من المشهد السياسي اللبناني، اي المحاصصة والفساد، لذا فان “حزب الله” كان أوّل من تصدى لانتفاضة ١٧ تشرين، لأنها كشفت عن هذا التواطؤ بين سياسة ترسيخ الفساد من جهة، وبين مصادرة القرار الوطني والاستراتيجي لصالح ايران. اذ ان السياستين تتقاطعان عند حاجة مشتركة لاستمرارهما، وهي هشاشة الدولة والمحافظة على ضعفها. هذا ما حصل بشكل فاضح خلال السنوات الأربع، ليس لأن ما سبقها من سنوات، كان المسار مختلفا، بل ان حجم المحاصصة والفساد الذي شهده لبنان ورضوخ القوى السياسية لمعادلة الحزب لم يكن مسبوقاً، اذ شهد لبنان تقاسما وقحاً لعمليات النهب بين مختلف اطراف السلطة، في وزارة الطاقة وفي ملف المحروقات والطاقة الكهربائية، وفي الاتصالات وفي عملية التوظيف العشوائي والانتخابي في ادارات الدولة، وفي الهندسات المالية المشبوهة، وفي التعيينات الادارية، ولعل ما جرى في مرفأ بيروت في ٤ آب المنصرم مؤشر على حجم الفساد وغياب المسؤولية المتأتي من غياب المساءلة والمحاسبة من جهة ومن التواطؤ في تجاوز القانون وتجهيله والتسويف في تطبيقه من جهة ثانية. في جلسة مع احد الذين شاركوا في تأسيس “حزب الله” من القيادات السابقة فيه والمعارضة له اليوم، قال ردا على سؤال حول دور الحزب في الفساد في الدولة اللبنانية، اجاب المسؤول السابق، ان” سياسة الحزب ليست منخرطة في الفساد فحسب، بل هي في موقع أخطر من ذلك بكثير”، وقال انها “تمارس فعل الافساد”، معتبرا ان “الفساد وتقويض الدولة، ليس عرضيا انما فعل استراتيجي، يقوم على منع فرص قيام دولة، وربط الولاءات السياسية والشعبية بالدويلة التي يقودها ويتحكم بها”. يتابع المسؤول السابق في “حزب الله” القول، ان سياسة الحزب في لبنان على هذا الصعيد، تقوم على “توريط الاطراف السياسية في ملفات فساد، او استثمار تورطهم من اجل ضمان ولائهم، فهو يستحكم بعشرات الملفات المشبوهة لحلفائه قبل من يحسبون من خصومه، ويمارس لعبة ابتزاز عليهم في سبيل ضمان ولائهم لخياراته”. و يلفت المسؤول السابق ان “هذه السياسة تعتمد داخل الحزب نفسه لضمان الولاءات للقيادة، وهي انتقلت الى خارج الحزب كمنهج في ضبط الولاءات السياسية اللبنانية له ورفع كلفة الخروج عليها من قبل حلفائه او حتى خصومه التقليديين”. مفهوم الشراكة لدى “حزب الله” باختصار هو الولاء الكامل لسياسته من قبل من يفترضهم شركاء، وادارة الفساد في ادارات الدولة ومؤسساتها تحت مظلة المحاصصة والشراكة. الأزمة التي وصل اليه هذا النهج، لم يكن نتيجة انتفاضة الشركاء، ولا بسبب صحوة ضمير لديهم، ولا لأن “حزب الله” كان يسعى الى تهذيب معادلته للسيطرة، من اجل تمديد فرص بقائها، بل ما جرى ان اللبنانيين خرجوا الى الشارع بعدما ضاقت فرص الحياة وزادت البطالة والهجرة، وفقدوا المزيد من الشعور بالأمان الاجتماعي والسياسي، وبعدما ادركوا ان منظومة السلطة لا تعير مطالبهم الحيوية والمحقة اي اهتمام، والأهم من ذلك كله انهم شعروا بان منظومة السلطة تمعن في اهانتهم من دون تردد او توقف. ما يخير “حزب الله” اللبنانيين
المصدر: (نداء الوطن) / جنوبية