أمين العاصي
تؤكد تصريحات وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، الأخيرة عن انتهاء المواجهة العسكرية بين النظام والمعارضة السورية في البلاد، تيّقن الجانب الروسي أنّ تقدم قوات النظام والمليشيات الإيرانية في عمق الشمال الغربي من سورية، تحت غطاء جوي روسي، كلفته عالية، في ظلّ وجود آلاف الجنود الأتراك المتحفزين لصدّ أيّ تقدّم محتمل. وهو ما تخشاه روسيا التي تبدو حريصة على تماسك تفاهم موسكو مع أنقرة والذي أرسى قواعد وقف لإطلاق النار في مارس/ آذار الماضي، لم تهدده تجاوزات محدودة من قبل قوات النظام.
واعتبر لافروف، في تصريحات تلفزيونية أول من أمس الإثنين، أنّ المواجهة العسكرية بين الحكومة السورية والمعارضة في البلاد انتهت، غير أنه أشار في الوقت نفسه إلى أنّ هناك نقطتين ساخنتين فقط في سورية، وهما إدلب ومنطقة شرق الفرات بشمال شرق سورية. كذلك أشار إلى أنّ اتفاق موسكو الذي أبرمته بلاده مع الجانب التركي في مارس الماضي لا يزال يحكم الشمال الغربي من سورية، وأكّد تأييد بلاده لخطوات تركية لفصل “هيئة تحرير الشام” (النصرة سابقاً) عن فصائل المعارضة السورية في إدلب، قائلاً: “نحن نؤيدهم (الأتراك) في هذا الشأن”.
ولفت لافروف إلى أنه “لم تعد هناك ضرورة لشنّ هجمات من قبل النظام وحلفائه على الشمال الغربي من سورية”، غير أنه استدرك بالقول “من الضروري فقط استهداف مواقع الإرهابيين والقضاء على بؤرتهم الوحيدة المتبقية في الأراضي السورية”. وتطرق وزير الخارجية الروسي إلى الوجود الأميركي في منطقة شرقي نهر الفرات، معتبراً أنّ الأميركيين “يلعبون مع الأكراد بطريقة غير مسؤولة”.
وهذه المرة الأولى التي يتحدث فيها الروس بشكل واضح عن انتهاء الصراع المسلح بين النظام وفصائل المعارضة السورية، بعد سنوات من الاقتتال الذي تدخّل به الروس أواخر عام 2015 لصالح النظام، ما أدى إلى استعادة الأخير كثيراً من الجغرافيا السورية على حساب الفصائل التي انكفأت إلى الشمال السوري على وقع ضربات الطيران الروسي. ويبدو أنّ موسكو وصلت إلى قناعة بأنّ كلفة التقدم في عمق محافظة إدلب ستكون مرتفعة؛ سياسياً وعسكرياً، في ظلّ وجود نحو 4 ملايين مدني في بقعة جغرافية ضيفة تضم نحو 100 ألف مقاتل من المعارضة و”هيئة تحرير الشام”، لا خيار أمامهم إلا الدفاع المستميت عن المنطقة.
وعلى الرغم من فشل المباحثات الروسية التركية التي عقدت الأربعاء الماضي في أنقرة حول محافظة إدلب، إلا أنّ الجانب الروسي يبدو حريصاً على عدم استفزاز الجانب التركي، الذي نشر آلاف الجنود في إدلب من الواضح أن غايتهم تثبيت خريطة السيطرة الحالية، وعدم السماح لقوات النظام والمليشيات الإيرانية بالتقدم في عمق الشمال الغربي من سورية.
في السياق، أشار المحلل السياسي التركي طه عودة في حديث مع “العربي الجديد” إلى أنّ “تصريحات لافروف جاءت بعد أيام قليلة من جولة محادثات روسية – تركية في أنقرة حول محافظة إدلب، كانت شاقة، وبعد ساعات أيضاً من إفشال المعارضة السورية المسلحة محاولة تقدّم للنظام على أحد محاور ريف إدلب الجنوبي، وذلك بعد أكثر من 25 غارة جوية نفذها الطيران الروسي”.
ورأى عودة أن تصريحات لافروف “متناقضة، بقوله إنّ المواجهة بين قوات النظام والمعارضة انتهت، وفي الوقت نفسه قوله إنّ إدلب وشرق الفرات هما بؤرتا التوتر الساخنتان في سورية”. وأشار إلى أنه “لا يمكن عزل تصريحات لافروف عن تصريحات وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو قبل أيام، التي حذّر فيها من انتهاء العملية السياسية في سورية”، مضيفاً: “موسكو تحاول الوصول إلى آلية مشتركة مع أنقرة تعمل على فصل ملف إدلب عن ملف شرق الفرات من أجل المحافظة على ما تبقى من اتفاق سوتشي” الخاص بمحافظة إدلب والموقع في سبتمبر/ أيلول 2018.
ويبدو أنّ فصائل المعارضة السورية لا تثق بالجانب الروسي، إذ أشار القيادي في هذه الفصائل، العقيد مصطفى البكور، في حديث مع “العربي الجديد”، إلى أنّ “الروس أعلنوا أكثر من مرة خلال السنوات الماضية عن إيقاف العمليات العسكرية أو انتهائها”، مضيفاً “لكنهم يتركون ثغرات في إعلانهم، ولا يلبثون أن يشنوا هجوماً على منطقة محررة. لذلك لا يمكن الوثوق بكلامهم ولا تعهداتهم”. وأشار البكور إلى أنّ لافروف “قال إنّ إدلب بؤرة ساخنة، وبالتالي فإنه من المتوقع أن تقوم روسيا بالهجوم على المحافظة في أي وقت”.
وحاولت قوات النظام تجاوز اتفاق موسكو منذ توقيعه في مارس الماضي، من خلال القيام بعمليات تسلل، وخصوصاً على محور منطقة جبل الزاوية بريف إدلب الجنوبي، إلا أنها فشلت في ذلك أمام تصدي فصائل المعارضة التي لجأت إلى الدفاع عن مناطقها، ولم تشنّ أي هجوم معاكس على قوات النظام في أماكن الاختراق.
ويأتي التصريح الروسي ليؤكد أنّ موسكو لجمت النظام السوري الذي كان يستعد لشنّ عمل عسكري واسع النطاق نحو محافظة إدلب، في محاولة لصرف أنظار سكان المناطق التي يسيطر عليها عن المشاكل المعيشية التي تفجرت أخيراً، حيث طفت على السطح أزمات خانقة وصلت إلى حدّ ندرة الخبز ومادة البنزين. كذلك كان يسعى النظام إلى تحسين موقفه السياسي من خلال الضغط العسكري على فصائل المعارضة السورية المرتبطة بالجانب التركي الذي من الواضح أنه كان حاسماً أمام الجانب الروسي، إذ ترفض أنقرة بالمطلق خلق أزمات إنسانية جديدة في إدلب، مخافة لجوء الملايين فيها إلى الخيار الصعب وهو اجتياز الحدود السورية التركية.
من جهته، قال الباحث في “مركز جسور للدراسات”، وائل علوان، في حديث مع “العربي الجديد”، إنه “لا يمكن البناء على التصريحات الروسية”، مشيراً إلى أنّ هذه التصريحات “تأتي في سياق المفاوضات السياسية المستمرة بين اللاعبين الإقليمين والدوليين حول أدوات الحل في سورية”. وذكّر علوان بتصريحات سابقة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين حول سحب كل القوات الروسية من سورية، “وهو ما لم يحدث على أرض الواقع، لا بل قامت القوات الروسية بعمليات عسكرية واسعة النطاق عقب هذا التصريح”. وأوضح أنّ “تصريحات لافروف تأتي في ظلّ مفاوضات مع الجانب التركي حول ملفات متعددة مترابطة”. وتوقع علوان أن تهدأ حملة القصف الجوي في المدى المنظور للوصول إلى الحد الأدنى من التفاهمات بين أنقرة وموسكو.
المصدر: العربي الجديد