في شهر آب من عام 2013، ارتكب النظام السوري مجزرة غاز السارين والكلور في الغوطة الشرقية، كان ذلك بعد ثلاثة أيام من دخول بعثة المراقبين الدوليين إلى دمشق. وفي شهر آذار من العام الجاري، عاد النظام واستخدم غاز الكلور، بعد ساعات من مغادرة وفد الأمم المتحدة الغوطة المحاصرة والمنكوبة، وما بين المجزرتين فظائع وجرائم متواصلة ارتكبها النظام وحلفائه الروس والإيرانيين بحق أهلنا في الغوطة، ومنذ أسبوعين تشهد الغوطة أعنف حملة دموية، لم يشهد التاريخ الحديث مثيلاً لها، والتي تستهدف قرابة (400) الف مدني محاصر بداخلها، يُخيّرون بين الاستسلام والقبول بالتهجير القسري، كما حدث للعديد من المناطق السورية الثائرة على النظام، أو الإبادة الجماعية بأعتى الأسلحة الروسية، التي يفاخر بوتين بتجريبها على الأبرياء والمدنيين العزل. ما بين المجزرتين أيضاً تاريخ من الإدانات والاستنكارات الدولية ضد جرائم النظام، ومرصوفة من القرارات الدولية التي تطالب بوقف الحرب وإنقاذ الشعب السوري، وعلى الأقل هناك قرارين صادرين عن مجلس الأمن، يدينان النظام السوري بصورة واضحة، على استخدامه السلاح الكيماوي ضد السوريين، وهما القرار (2118 لعام 2013) والقرار (2209 لعام 2015). مع كل ذلك لم يتوقف النظام عن جرائمه وحربه الشعواء ضد السوريين، وعن استمراره في تنفيذ ما توعّد به ” إما الأسد أو نحرق البلد”. وفعلياً وخلال سبع سنوات من القتل والتدمير والتهجير، أصبحت سوريا أرضاً تأكلها ألسنة اللهب من كل جانب، ولم تدّخر روسيا أية فرصة لعرقلة قيام مجلس الأمن بواجبه في وقف المحرقة السورية، فاستخدمت حق الفيتو (12) مرة خلال السنوات الماضية، وواظبت على دعم النظام بأحدث القاذفات والصواريخ التدميرية، من أجل ضمان مصالحها في سورية. فيما تنتشر الميليشيات الطائفية الإيرانية كالسرطان داخل الأراضي السوري، وقد تحولت سوريا بالنتيجة إلى ساحة مفتوحة لتصفية الحسابات بين الدول، وإعادة رسم نفوذ ومصالح كلٍ منها، كل ذلك يتم على حساب دماء الشعب السوري، الذي يدفع ضريبة باهظة ومهولة بسبب صمت المجتمع الدولي عن جرائم النظام، وليس لديه جواب واضح على دلالات استخفاف النظام، وضربه عرض الحائط، كل المقررات الدولية الخاصة بالقضية السورية، وإصراره على ارتكاب مجازره أمام عيون مبعوثي ومفتشي الأمم المتحدة. لا جواب لدى السوريين على مغزى هذه الرخصة المفتوحة التي تبيح للنظام وحلفائه، التوغل في استباحة كل المحرمات الدولية والإنسانية، وهم يحتضنون أشلاء أطفالهم، ويدفنون أبنائهم تحت نيران القصف، وفي عجلةٍ قد تجنبهم صواريخ الموت، التي لم تستثنِ حتى شواهد القبور. في الغوطة التي كانت بساتينها وحقولها، بقعةً خضراء كأنها جنة الأرض، استحالت بفعل سياسة الأرض المحروقة، إلى غروزني العرب في “عصر حقوق الإنسان”، ودريئةً للانتقام بالجحيم المصبوب على رؤوس أهلها في “زمن الحداثة والديمقراطية”. في الغوطة تنتقل الحيوات من فوق الأرض، إلى رطوبة وعتمة الأقبية، وتبقى رائحة الأجساد المحترقة هي الجواب القاطع، على زمن التوحش وتفلّت الوحوش من كل القيم والضوابط والحدود، والشاهد الصارخ على سقوط البشرية في غفلة الوجدان والضمير. لكن أبداً لا تنفك أسئلة الأحياء، قبل أن يتحولوا إلى ضحايا في نشرات الأخبار، وهم يتساءلون لماذا يخاف “العالم الحر” من المطالبين بالحرية والكرامة ؟!.. وكيف لا يخجل ذاك ” العالم المتحضر” من تحويل قراراته على يد عتاة الطغيان والاستبداد إلى حبر على ورق؟! وهل النفط والغاز في مفهوم دعاة ” التنمية المستدامة” أغلى من دماء البشر؟!
في الغوطة يدون التاريخ حقبة موثقة بالصوت والصورة، عن العين التي تقاوم المخرز، وعن الأرواح الحرة التي تأبى الاستسلام، كي لا يموت الحق على مذبح الصمت والخذلان، وكي تبقى ثورة السوريين عصيةً على الانكسار، رغم شلالات الدم، وبراكين من الأوجاع والصرخات المكتومة.
كلمات دلالية: الغوطة الشرقية,الصمت.