مصعب عيسى
ان حادثة مقتل المعلم الفرنسي قبل أيام هي جريمة بكل المقاييس لا يمكن ان تكون الرد الصحيح على الرسوم المسيئة للرسول الكريم لكنها حادثة أوقعت المسلمين مجددا في الفخ الدولي المنصوب على قائمة الإرهاب ربما كأفراد وشعوب ودول بأكملها.
الحادثة التي أتت تأكيد لتصريح مانويل ماكرون الأخير بخصوص ان الإسلام يمر بأزمة !!!فهل كانت فعلا مدبرة؟؟
السؤال المطروح هو: هل هي المرة الأولى التي يتم فيها الإساءة للإسلام ورموزه؟
وهل كانت ردود افعالنا مناسبة حقيقة لهذه الإساءات؟
لنعد قليلا الى تاريخ فرنسا الادبي ونستذكر ما كتبه فولتير عام 1772عن النبي محمد:
«إن دينه حكيم ومستقيم وعفيف وإنساني؛ حكيم لأنه لم يقع في ربط الإله بأي فكرة غبية ولأنه لا يحوي ألغازاً، ومستقيم لأنه يحرم القمار والخمر والكحول ويأمر بالصلاة خمس مرات في اليوم، وعفيف لأنه يحد عدد الزوجات بحد أقصى هو أربعة وقبله كان لا حد له كما يشهد على ذلك بلاطات أمراء الشرق، ودينه إنساني لأنه يأمر بالزكاة قبل الحج إلى مكة نفسها، وأضف لذلك صفة الصدق والتحمل لآخر.[6]”»
بهذه العبارات قدم فولتير اعتذاره للإسلام وللنبي الكريم بعد ان كتب مسرحية بعنوان محمد وتم عرضها لأول مرة في مدينة ليل الفرنسية وكانت المسرحية تتنقد شخص النبي وتسخر من الإسلام لكن لو نظرنا الى المقطع الأخير من عبارة فولتير والتي يقول فيها : ان لدى النبي صفة الصدق وتحمل الاخر نجد ان فولتير نفسه قد عرف تعاليم واسس الخطاب الإسلامي المبنية على التسامح والرحمة وتحمل الاخرين هذا الفهم الفولتييري لو اسقطناه هو وقتل المعلم الفرنسي على لغة البيان القرآني باعتبارها مصدر التشريع الأول لوجدنا ان تصريح فولتير اقرب الى القرآن من ما قام به الشخص الشيشاني لنصرة النبي .
في الآية 95 من سورة الحجر (واعرض عن المشركين انا كفيناك المستهزئين) تصريح إلهي واضح ومبين لنبيه محمد بعدم الرد على أولئك الذين استهزئوا به وبربه وبتعاليم الإسلام ولم يدع الله نبيه الى الانتقام من المستهزئين.
إذا تأتي حادثة القتل هذه متزامنة مع تصريح ماكرون بأزمة الإسلام وهنا نود ان نشير الى ان هناك فعلا ازمة ولكنها ليست ازمة الإسلام ذاته بقدر ماهي ازمة المسلمين والخطاب الديني البائد والذي ساد على العقل والمنطق.
ازمة الوعي الأخلاقي الإسلامي وأزمة وعي النص وإدراك المفاهيم النبيلة التي جاء بها الإسلام بواسطة رسول الله الكريم محمد (ص)فاذا كان الله قد امر بالإعراض وترك المستهزئين فمن اين اتينا بتلك المفاهيم الغريبة التي اباحت قتل الغير وهدر النفس التي حرمها الله الا بالحق لمجرد اختلافنا بالراي معه.
ربما ليست الآية الوحيدة التي دعت الى عدم الاعتداء على الاخر ففي الآية القرآنية 194 من سورة البقرة يقول المولى عز وجل: (فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ…)
وآيات صريحة وواضحة تدعو علنا الى احترام اعتقاد الاخر وعدم الاعتداء عليه من خلال قوله تعالى (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر..) و(لا اكراه في الدين..)
إذا اغلب النصوص القرآنية فعلا تدعو الى الاعراض وعدم فرض الراي بالقوة (ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك..) واحترام معتقد الاخر وترك المستهزئين لا قتلهم.
هذا الخطاب البائد والسائد بقوة في مجتمعاتنا يضعنا امام خانة التساؤل مجددا عن صحة هذا الخطاب؟ الذي يجري ترويجه ودسه في عقول مجتمعاتنا والذي ما هو الا تنفيذ صريح وواضح وتأكيد للفوبيا العالمية من الإسلام الذي غدا بفضل هذا المفهوم الخاطئ الى منبر ومنبع للشر والقتل والإرهاب وهو ما خدم فعلا تصريح ماكرون
هنا وبعد ما حصل هل تم نصر الإسلام بهذه الطريقة ام اننا اضفنا بأيدينا إساءة جديدة لديننا ولنبينا الكريم هل هكذا تعقل الإبل وبهذا الرباط..
اظن اننا بحاجة الى إعادة وضع الخطاب الديني تحت مجهر العقل والبرهان وتنقيته من كل شائبة تسيء لنا قبل غيرنا وتسيء لديننا قبل ان تسيء الى معتقدات الاخرين بحاجة الى إعادة احياء ثقافة الرحمة التي هي أساس الخالق وصفة رسوله.. (وانا ارسلناك رحمة للعالمين..)
بحاجة الى الاخلاق التي جاء نبينا متمما لها تلك الاخلاق التي لم يستطع الخطاب الديني الحديث والمتغلغل وبعد أكثر من 1400 عام من إزالة كثير من العادات والتقاليد البالية على العكس تم قولبة الخطاب الديني بقالب العادة لا بثوب العبادة
مفاهيم كثيرة يعاني منها مجتمعنا بفضل التجهيل المقصود بوساطة هذا الخطاب المزيف وبوساطة تهميش الاخلاق ونزع القيم الأخلاقية واذابة الضمير الإنساني لكي تثبت صحة تصاريح الدول والرؤساء عن مجتمعاتنا التي نساهم في هدم موروثها الحضاري بأيدينا وبسبب غياب منطق العقل عن الخطاب الديني الذي بات ينحدر رويدا رويدا.
انحدار أخلاقي حذرنا الله تعالى منه بنص واضح وصريح حين قال: (كنتم خير أمة …).. فهل سنعود؟