وليد شقير
قد تفرج واشنطن عن دفعة جديدة من العقوبات تحت “قانون ماغنتسكي” ضد مسؤولين لبنانيين متهمين بالفساد وبالتعاون مع “حزب الله”
لا يملك أي من المسؤولين اللبنانيين جواباً واضحاً عما إذا كانت الحكومة اللبنانية الجديدة برئاسة زعيم تيار “المستقبل” سعد الحريري، سترى النور قريباً، وسط تباعد التقديرات، حتى لدى أكثر أقطاب السياسة المحلية اطلاعاً وانغماساً في اللعبة الداخلية، حول مدى رهن قيام تلك الحكومة بالوضع الإقليمي، في وقت يلحّ فيه المجتمع الدولي على تسريع إنجازها وفق معايير المبادرة الفرنسية الإصلاحية التي تكرّس تبنيها من كل الدول المعنية بمساعدة لبنان، في ختام مؤتمر “دعم الشعب اللبناني وبيروت” الذي ترأسه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في 2 ديسمبر (كانون الأول) الحالي.
ومع استمرار العُقد أمام الحكومة، يرصد المراقبون ما إذا كان تضافر الضغوط الدولية على الفرقاء اللبنانيين سيؤدي إلى الإفراج عن الحكومة، أم أنها ستبقى حبيسة التناحر الداخلي على المواقع في السلطة، أو الحسابات المرتبطة بالصراع الإقليمي.
وأكثر ما يبرز التناقض حول ما إذا كانت الحكومة قريبة أم بعيدة، موقفان حديثان لكل من رئيس البرلمان نبيه بري، الذي اعتبر أن “كل العراقيل أمام ولادة الحكومة داخلية، ولا شيء من الخارج”، فيما رأى رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط أن “التصرف اليوم من الجمهورية الإسلامية الإيرانية يوحي بأن لبنان محطة وساحة تحسين شروط في مواجهة الأميركي والإسرائيلي”، طارحاً السؤال عما “إذا كانت الجمهورية الإسلامية تريد دولة في لبنان”، موحياً بذلك أن تشكيل الحكومة يخضع لهذا المنطق. وبين هذين التقديرين، هناك بين النواب اللبنانيين من يقول إن الحكومة ستتأخر ربما أربعة أشهر، على وقع التطورات الإقليمية.
نظريات الربط بين التطورات الخارجية والحكومة
في كل حال، استأنف الحريري لقاءاته مع رئيس الجمهورية ميشال عون يوم الإثنين 7 ديسمبر، بعد انقطاع دام 20 يوماً عن المداولات، لتذليل العُقد أمام التأليف، والتي كان عنوانها الأساس رفض الثاني أن يتولى الأول تسمية أكثرية الوزراء المسيحيين التسعة في تشكيلة من 18 وزيراً، يُفترض أن يكونوا من المستقلين غير المنتمين إلى الأحزاب والفرقاء السياسيين، كي يتمكنوا من تنفيذ شروط فرنسا والمجتمع الدولي الإصلاحية بسرعة.
وبصرف النظر عن التفاصيل التي سيتابعها رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلّف، الأربعاء 9 ديسمبر، وفق ما صرح الحريري، فإن نظريات ربط الإفراج عن الحكومة بمواعيد خارجية محددة لم تَصدُق. فبعد تكليف الحريري برئاستها في 22 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وظهور مطالب الفرقاء حول الحقائب وإصرارهم على تسمية الوزراء، قيل إن “حزب الله” يفضّل تأجيل الإفراج عن الحكومة إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية في 3 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، بناء لحسابات إيران إبقاء أوراقها التفاوضية، ومنها الوضع في لبنان، بيدها للمقايضة مع واشنطن.
واستند هذا التكهن إلى أن “الحزب” الذي يعتبر صيغة الوزراء المستقلين وسيلة لتحقيق مطلب أميركي غربي وخليجي بإبقائه خارج السلطة التنفيذية، في سياق إضعاف أذرع إيران، وأنه يتكل في تعطيل الحكومة على تشدد حليفه الرئيس عون، على الرغم من إعلان تأييده لمبادرة الرئيس الفرنسي التي أطلقها خلال زيارته لبنان في 1 سبتمبر (أيلول) الماضي. لكن الوضع بقي على حاله بعد الاستحقاق الأميركي، فيما بات الحديث الآن عن انتظار تسلم جو بايدن مهماته في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل.
اختلاط الحابل بالنابل
وليس مبالغة القول “اختلط الحابل بالنابل” في سوق التحليل والتكهن، فمنها ما اعتبر أن الذي يؤخر الحكومة هو تارة استمرار العقوبات الأميركية على حلفاء “الحزب”، وآخرها ضد صهر رئيس الجمهورية، رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل، وأن الحريري يخضع لضغط أميركي – خليجي رافض لأي حكومة يكون للحزب دور في تسمية وزراء فيها، وهو سبب التأخير، أو أن اغتيال العالم النووي الإيراني محسن فخري زادة جعل إيران و”الحزب” أكثر تشدداً في لبنان، لا سيما في ظل الحديث عن احتمال وقوع مواجهة إسرائيلية – إيرانية خلال الأيام الأخيرة من إدارة دونالد ترمب، بل إن هناك من أخذ يستنتج أن “الحزب” الذي يعوّل عليه في تليين موقف عون وترويض شراهة باسيل التوزيرية بهدف التحكم بقرارات مجلس الوزراء، ليس مهتماً بالحكومة بقدر انهماكه بحال استنفار عسكري وتنظيمي واسع، في مواجهة الضربات التي تتعرض لها إيران، وتداعياتها المحتملة على الجبهتين اللبنانية والسورية، وتحسباً لتداعيات أي رد إيراني على اغتيال فخري زادة، في المواجهة المفتوحة بين طهران وواشنطن على امتداد الإقليم، في وقت تنشط السياسة الأميركية في محاصرة إيران عبر نجاح اتفاقات السلام بين دول خليجية وإسرائيل، وبفعل تطويقها عسكرياً بتعزيز الوجود الأميركي في مياه الخليج.
انسجام الموقف الأوروبي مع توجهات بايدن
سواء صحت أي من النظريات التي ترهن الحكومة اللبنانية بالمواجهة الأميركية – العربية – الإيرانية، أم لم تصح، أو كانت الأسباب الداخلية للصراع على السلطة والذي يتمظهر بإصرار عون على الاحتفاظ بالكلمة الأولى مستغلاً حاجة “حزب الله” إليه في هذه المرحلة الدقيقة التي تمر بها إيران، فإن مضاعفات صد المبادرة الفرنسية في لبنان بتعطيل ولادة الحكومة، كان لها مردود سلبي على القوى التي تعرقلها، وعلى لبنان عموماً، على الرغم من أن فريق الرئاسة اللبنانية لا يأبه لانعكاسات التعطيل على الوضع الاقتصادي المالي المأزوم، واهتمامه باستعادة دور جبران باسيل في السلطة بعد الضربات التي تلقاها، فإن مرور الوقت من دون الاستجابة للشروط الدولية لمساعدة البلد مالياً كي ينهض من كبوته، أتاح مزيداً من التلاقي الغربي حول لبنان بالتوازي مع التقارب الأوروبي مع نهج الرئيس الأميركي المنتخب بايدن حيال إيران.
فبعد إعلان الأخير، ورد في صحيفة “نيويورك تايمز” عن شروط لعودة واشنطن إلى الاتفاق النووي مع إيران، وبالتالي لرفع العقوبات التي فرضها ترمب، تتعلق بضرورة وقف برنامجها للصواريخ البالستية وتدخلاتها الإقليمية، فإن مزيداً من دول الاتحاد الأوروبي انضمت إلى نهج واشنطن اعتبار “حزب الله” منظمة إرهابية محظورة فيها.
في موازاة ذلك، لقيت باريس مزيداً من الالتفاف الأوروبي حول مبادرتها اللبنانية، مع أن بعض الفرقاء اللبنانيين أخذ يعتبر أن هذه المبادرة تلاشت، وتحتاج إلى من ينقذها. وبعكس ذلك، انضمت دول أوروبية عدة إلى باريس في ممارسة الضغوط على الفرقاء اللبنانيين عبر اتصالاتها المتنوعة معهم من أجل تسريع تأليف الحكومة كنقطة انطلاق للمساعدة في إنقاذ لبنان من الانهيار الكامل، وحذت المنظمات المالية الدولية حذو الموقف الأوروبي إلى درجة أن رئيس لجنة الصحة النيابية في البرلمان اللبناني الدكتور عاصم عراجي أعلن أن البنك الدولي أبلغه أنه لن يقدم مساعدة مالية للبنان لمعالجة الفجوة التي يمكن أن يتركها اضطرار السلطة لرفع الدعم عن استيراد الأدوية، بسبب تناقص احتياط مصرف لبنان من العملة الصعبة، وهو ما يحذر عراجي من أنه سيتسبب بفورة احتجاج وصدامات في الشارع.
التقارب الأوروبي- الأميركي إيرانياً ولبنانياً
تلفت أوساط لبنانية مواكبة للمواقف الدولية إزاء المنطقة إلى البيان الصادر صباح الإثنين، 7 ديسمبر، عن وزراء خارجية بريطانيا وألمانيا وفرنسا، الذي اعتبر أن “إعلان طهران عزمها رفع تخصيب اليورانيوم في مفاعل نطنز مقلق ومخالف للاتفاق، ويتعيّن عليها عدم تنفيذ هذه الخطوات إذا كانت جادة في شأن الحفاظ على مساحة للدبلوماسية”، متهماً طهران بتقويض فرص العودة إلى الاتفاق. ولوّحت الدول الثلاث بالتصرف حيال عدم امتثال طهران للاتفاق النووي، ورحبت بتصريحات بايدن حول العودة إلى المسار الدبلوماسي. ويُعدّ ذلك بمثابة إشارة إلى العقوبات التي ينص عليها الاتفاق النووي في حال خالفته طهران. وكان سبق البيان موقف لوزير الخارجية الألماني هايكو ماس شدد على وجوب التفاوض مع طهران في شأن برنامجها الصاروخي.
وتجلى التقارب الأميركي – العربي – الأوروبي حيال لبنان، امتداداً للتقارب حول إيران، في بعض المداخلات عبر “الفيديو كونفرنس”، في مؤتمر باريس في 2 ديسمبر، الذي جمع أموالاً للمساعدات الإنسانية، وإن بلهجات مختلفة، لكنها تندرج تحت خانة الضغط على القوى السياسية، التي تشمل فريق رئيس الجمهورية من أجل إنجاز الحكومة. وفضلاً عن أن ماكرون تقصد إعطاء الكلمة لثلاثة ممثلين عن المجتمع المدني في المؤتمر، من الذين يمثلون ثوار “17 تشرين”، على الرغم من وجود الرئيس عون قبالته، وخصّ هؤلاء بالتحية، ولم يلتقط عون مغزى هذه اللفتة. كما أن معظم مداخلات المسؤولين الأوروبيين شددت على أولوية تنفيذ الإصلاحات عبر حكومة جديدة، من دونها يتعذر تقديم المساعدات المالية.
الموقف المصري والعقوبات الأميركية
أما الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي الذي يُعتبر شريكاً لمبادرة ماكرون، فوجه نداء إلى القوى السياسية اللبنانية لإعطاء فرصة لحكومة تحل مشكلات لبنان، وعاد وكرر الموقف نفسه خلال زيارته الإليزيه الإثنين.
ولم يكن عبثاً تحذير الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط من خطورة أن يخسر لبنان اهتمام العالم وتعاطفه إذا استمر الشلل السياسي، داعياً إلى قيام حكومة بشكل سريع.
أما مساعد وزير الخارجية الأميركي للشؤون السياسية ديفيد هيل فشدد على أن “تأثير حزب الله ونفوذه زاد عدم الاستقرار في لبنان، خلافاً للمصالح اللبنانية، وخاض معارك إيران في المنطقة من سوريا إلى اليمن، وعلى المجتمع الدولي إعلان الحزب منظمة إرهابية”.
وفيما أكد نائب وزير الخارجية السعودي وليد الخريجي، ضرورة تحقيق الإصلاح السياسي والاقتصادي الشامل في لبنان، وإعادة الإعمار بما يلبي تطلعات اللبنانيين وآمالهم، والحد من التأثير الخارجي لأطراف إقليمية تسعى إلى نشر الدمار وعدم الاستقرار في لبنان ومنطقة الشرق الأوسط.
وأكد رفض بلاده “التام لممارسات حزب الله المدعومة من إيران، المعطّلة للحياة السياسية والتي توفر الحماية للفساد والفاسدين”.
ويواكب هذا التقارب عبر الأطلسي ومع دول المنطقة حيال الوضع اللبناني، معطيات لدى بعض القيادات اللبنانية، بأن واشنطن قد تفرج عن دفعة جديدة من العقوبات تحت “قانون ماغنتسكي” ضد مسؤولين لبنانيين متهمين بالفساد وبالتعاون مع “حزب الله”، أسوة بالتي صدرت ضد النائب باسيل في 6 نوفمبر.
ويرصد مراقبون تطوراً في موقف باريس حيال العقوبات على سياسيين لبنانيين، إذ إن ماكرون كان اعتبر أنها لا تفيد ولها مفعول عكسي في مؤتمره الصحافي في 27 سبتمبر الماضي. وقال مصدر رئاسي فرنسي الأسبوع الماضي، إن العقوبات “لم تغيّر الأوضاع ولم تعطل ولم تسرّع”، ما يعني موقفاً براغماتياً يترك المجال للتأكد من فعاليتها.
المصدر: اندبندنت عربية