محمد سعيد سلام
أظهر المستوى الشعبي بتحركات لافتة الوعي السياسي المتلمس لحقيقة الهياكل المصنعة وسيرها في ركب الإقليمي الذي أوعز لها بالاستعداد للركض نحو أداته الاحتلالية القابعة في دمشق، ضمن مراقبة وإشراف دولي.
واتضح الخلل الكبير – غير المستغرب – بين أعضاء هذا الهيكل المتهاوي بعد القرار الدنيء تلاوما وتبرؤا في الأروقة الداخلية والخارجية من جهة، وبينه وبين هياكل أخرى لا تختلف عنه البتة من جهة ثانية .
وعقب الانكشاف الذريع لهذه الهياكل بعد قرار 24، وأنها لا تنتمي إلى هذه الثورة العظيمة، برزت حوارات من خلال عدة محاولات غير متصلة ببعضها ظاهريا، عكست الضعف السياسي الشديد في تحري نقطة بداية جديدة، وفي إبراز الجدية والأهلية للاستفادة من الإخفاقات السابقة، ومن أهم نقاط الضعف البادية في هذه الحوارات :
عدم معرفة حقيقة سورية وموقعها في الصراع الذي يجري ضمن تداخلات كبيرة بين المحلي والإقليمي والدولي .
والغياب شبه التام عن إدراك الأحجام الإقليمية وعلاقاتها مع الدولي، وعدم القدرة على التوصيف الحقيقي لوجودها ولمكانتها في الملف السوري .
والانسياق الكبير وراء تقديم أوراق الاعتماد المهترئة لإحدى تلك الجهات أو بعضها .
وإن سيطرة الحالة المرضية للتموضع، بخاصة لأولئك الذين حازوا على عضوية سابقة ما تزال مستحكمة في نفوس كثيرين، ومشفوعة بنقمة شخصية مبطنة على آخرين يشغلون مواقع لا يستحقونها وغير جديرين بها، وعلى صحة هذا إلا أنهم لا يختلفون عنهم فيما لو أصبحوا بدلاءهم .
ويعتقد بعضهم أن سطورا أو مقترحا أو مقالا أو بيانا أو محاضرة أو لقاءا كفيل بصناعة فرق جوهري مباشر لصالح الشعب السوري ضد كل العصابات المحلية والاحتلالات الإقليمية والدولية، ويؤهلهم للتمثيل المختلف وإنتاج البديل .
ويرتكب هؤلاء خطأ جسيما بحق أنفسهم وثورتهم وتضحياتها مرة عاشرة، حينما يصرون على قناعتهم أن مجرد التداعي لبضع عشرات دون سابق معرفة بإمكانات وقدرات ومؤهلات المتداعين، وبعيدا عن أي تجربة مشتركة، وإهمالا لما سبق من أدوار، وتركا لمراجعتها وتقييمها، وقفزا عن العلاقات والخلفيات يكفي لإخراج حالة تعبر عن السوريين وتقودهم نحو تحقيق الانتقال السياسي. والأقسى من كل ما ذكر أن كثيرا من هؤلاء لا يعرفون وجوه شركائهم، ولم يلتقوا وجاهة مرة .
لا شك أن ذلك يعتبر تمييعا مفرطا للثورة السورية وتقزيما عميقا لارادتهم في التغيير .
كما لا يؤمن أولئك بالتشاركية والتراكمية والعمل الهادئ خارج الصفات الوهمية، ويتضجرون من أي انتقاد أو ملاحظة أو اقتراح، ويضعون صاحبه بخانة التعطيل والبعد عن المسؤولية، بعد أن كان قامة وطنية وشريكا رائعا قبل ذلك بلحظات !!
وهذا يذكرنا بموجة تصريحات وعبارات في بداية الثورة، بعضها منظم وممنهج، وبعضها غير ذلك، وقتما تتوجه أفكار مهمة لتصويب أداء التشكيلات السياسية أو الميدانية، فتضرب بها عرض الحائط بحجة التركيز على العصابة الحاكمة وإسقاطها .
وعوضا عن أن يجسروا الثقة بين السوريين التي افترستها العصابة المجرمة ومشغلها الدولي، يمعنون في تقطيع أوصالها، ويزيدون في جرعة إحباط حاضنتهم بتجارب غير متماسكة وهشة، كالذين يخربون بيوتهم بأيديهم. وبدل أن يرفعوا مستوى درجات الكلمة بين السوريين يهوون بها دركات، غير عابئين برقي الخطاب وحسن العلاقة التي تعتبر من أولويات العمل السياسي الهادف إلى قيادة مجتمع وبناء دولة .
وفي خلفية هذا المشهد بان آخرون ضمن خانات متعددة، إحداها : خانة بسطاء السياسة الذين يرحبون بأي عمل ويشجعونه ويدعمونه بغض النظر عن صحته ومهنيته وعمقه وأثره، اعتمادا منهم على العاطفة الصادقة المجردة، مفرطين بقضية غاية في الأهمية، أن العمل السياسي أدق وأعمق بكثير مما يظنون، وعليهم أن يعودوا إلى مواطن وأدوار مناسبة لهم حرصا على المصلحة العامة .
ثانيها : أصحاب ” الطرابيش ” الذين يجلسون جانبا، وينسقون مع العواصم المستضيفة أو المشرفة ذات الصلة لامتطاء أية حالة، وتجييرها لصالح إرادة أسيادهم المحتلين والأوصياء والمتنفذين، وليس سهلا تمييز هؤلاء ومعرفة أدوارهم السياسية التي تشكل عبءا ثقيلا على السوريين كلهم، ومن الضرورة بمكان الاستفادة منهم، لكن دون تبوئهم موقع الصدارة أو صفة متقدمة لأن أحدهم لا يختلف عن كرزاي أفغانستان، ولا عبرة ولا معنى للمفاضلة بينهم .
ثالثها : الثلة المتوازنة العالمة بما تريد، المقدرة للموقف اين ينقص واين يزيد، العارفة بأغلب الأفراد، والتي لم تنجر وراء الحماس والأوهام، ولا بد من الإقرار أن أفراد هذه الثلة قلة قليلة جدا، ويفتقدون للناظم فيما بينهم بالحد الأدنى، ومحركها وفتيلها نحيل لم يتقو بالقدر المطلوب .
وما يجب تثبيته سلوكا بناءا على ما تقدم :
– عدم المراهنة على جميع الهياكل المصنعة، وما يتبع لها أو انبثق عنها، وما يدور في فلكها لأن غاية ما تقدر عليه خدمة أحد المحتلين وشراكة العصابة المجرمة وشرعنتهم .
– جميع المسميات علاوة على الهياكل المرتهنة وذيولها الناشئة في ظل الثورة هي ضرب من الوهم وزيادة في التلبيس والخداع للذات والآخرين .
– دعوة جميع السوريين إلى التخلص من فكرة مؤتمر وطني في هذه المرحلة، لأن هذه الفكرة ومثيلاتها هي بعثرة للجهود وإضاعة للوقت على أقل تقدير، وإن اي بديل للقائم سيكون أكثر هزالة وأشد هشاشة .
– الخطوة الارتكازية الأولى لعمل سياسي صحيح تقوم على أفراد من خارج الأحزاب والتيارات التقليدية القديمة، يؤمنون بالذات السورية السيادية أولا، ويرون تضحيات شعبهم اكبر داعم لهم التي لولاها ما صدر أي قرار دولي .