منار الرشواني
منذ الجولة الثالثة لاجتماعات اللجنة الدستورية في آب/أغسطس الماضي، بدأ يظهر جديد، لكنه مريب ومخيف، في مخرجات تلك الاجتماعات، زادته وضوحاً الجولة الرابعة التي اختتمت أعمالها يوم الجمعة الماضي. وهو اختلاق وفد المعارضة السورية “ايجابيات”، لا يبدو أن حتى مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا، غير بيدرسون يراها.
إذ فيما لم يجد بيدرسون من إنجاز في ختام الجولة الأخيرة سوى الاتفاق لأول مرة على موعد اجتماع اللجنة المقبل وجدول أعماله، كان وفد المعارضة يصر على انجازات من مستوى أن الاجتماعات هذه المرة “أقل سلبية من سابقاتها”، بحسب عضو الوفد طارق الكردي، وصولاً إلى أن الجولة جرت “في أجواء إيجابية”، بحسب رئيس الوفد هادي البحرة.
التفسير المعلن من وفد المعارضة حرصه على مواصلة هذا العبث، هو زعم أو وهم أن المفاوضات لعبة علاقات عامة، تريد هذه المعارضة من خلال مواصلة الانخراط فيها إظهار الحرص على الوصول إلى الحل السياسي، وبالتالي إحراج نظام الأسد وداعميه الذين يبرعون في تضييع الوقت وبالتالي رفض إنهاء حربهم على سوريا وشعبها. والمحرج فعلاً أن يكون وفد المعارضة مصدقاً فعلاً لهكذا تفسير بعد عشر سنوات من تفنن المجتمع الدولي خلالها في تجاهل جرائم النظام وحلفائه، بحيث تتوقع المعارضة بعد ذلك أي قيمة فعلية “لإحراج” المجرمين نتيجة تعطيلهم وضع دستور جديد منزوع حتماً من آلية إنفاذ نصوصه مهما كانت المثالية.
التفسير المنطقي، والمعروف أيضاً، لمواصلة أكذوبة الحل السياسي من بوابة تعديل الدستور أو تغييره، هو خضوع المعارضة الممثلة في اللجنة الدستورية بشكل كامل لإرادة الأطراف الإقليمية والدولية المنخرطة في الشأن السوري؛ أكانت من مؤيدي نظام الأسد أم المحسوبة على “أصدقاء الشعب السوري”. وبحيث يكون استمرار هذه المعارضة في الجولات الماراثونية غير المحدد موعد نهايتها، خدمة لمصالح تلك الدول فحسب.
ففيما يريد النظام وإيران وقبلهما روسيا، عرابة اللجنة الدستورية، إظهار تمسكهم بالحل السياسي للصراع، مع الاستمرار بجرائمهم العسكرية والأمنية، توفر لعبة اللجنة الدستورية لما يسمى زوراً أصدقاء الشعب السوري فرصة ادعاء محاولتهم فعل شيء لهذا الشعب بعد خذلانه عقداً كاملاً تم خلاله شرذمة الفصائل (وتقوية المتطرف منها علناً خدمة لمصالح بعض الدول ضيقة النظر، هذا إن لم يكن للمناكفة الإقليمية)، بالتزامن مع غض النظر عن تدخل المليشيات الإيرانية إلى جانب الأسد، وصولاً إلى جعل التدخل الروسي الذي قلب الموازين بأقل التكاليف لموسكو.
أما المصلحة الأبعد مدى، فهي حتماً حاجة تلك الدول مجتمعة إلى إنهاء الصراع في سوريا بأي شكل، حتى وإن عنى ذلك بقاء الأسد ولو لسنوات، وأهم من ذلك بقاء نظامه، استبداداً متوحشاً، في حال غياب بشار عن المشهد شخصياً. ومثل هذه “النهاية” -المؤكدة وفق المعطيات الحالية- تحتاج شرعية تحفظ ماء وجه “أصدقاء الشعب السوري”، ستقدمها معارضة تحمل وصف “سورية”، تدعي إنجازاً اسمه “دستور جديد” لا قيمة له في الممارسة العملية، ويمكن تعديله بشكل أسهل وأسرع من تعديل تعليمات داخلية لمؤسسة صغرى. وأهم من ذلك أن تغيير الدستور السوري سيغدو مطلب النظام عقب فترة من الانتخابات الرئاسية العام المقبل، بما يمنح بشار الاسد “الحق” في الترشح للرئاسة مرتين جديدتين تليان إقرار ذاك الدستور، تماماً كما حدث عقب تعديله الدستور في ظل الثورة السورية بزعم الإصلاح السياسي.
طبعاً لا جديد في القول إن المعارضة السورية بشكل عام، لاسيما المفاوضين لتحقيق “الإنجاز الدستوري”، لم تعد تمثل الشعب السوري الثائر ضد حكم الأسد. لكن الحقيقة رغم ذلك، والتي لا تلقى استجابة أو رد فعل يساويان خطرها، هي أن هذه المعارضة ذاتها ستكون ممثلة للشعب السوري حكماً عند إقرارها أي اتفاق مقبل، لا بد وأن يكون على حساب هذا الشعب، أكان تغييراً دستورياً أم سواه.
هذا يعيد إلى السؤال الأهم والأعقد: هل يمكن خلق جسم معارض حقيقي ممثل للشعب السوري وطموحاته وتضحياته، بأعراقه وأطيافه كافة، قبل فوات الأوان؟
المصدر: سورية على طول