أمين العاصي
باشر الجيش الروسي نشر تعزيزات كبيرة في أقصى الشرق السوري أخيراً، في مؤشر على نيّته شنّ عملية واسعة النطاق ضد تنظيم “داعش” في بادية دير الزور. مع العلم أن التنظيم بات في وضع يسمح له بتسديد ضربات ضد قوات النظام والميلشيات، في ظلّ عملياته الخاطفة في الفترة الأخيرة. في المقابل، تخشى المليشيات مفاعيل الخطوة الروسية، خصوصاً في محيط مدينة البوكمال، التي تحوّلت إلى منطقة نفوذ إيراني بلا منافس منذ أواخر عام 2017. في السياق، كشفت شبكة “عين الفرات” الإخبارية المحلية، مساء أول من أمس الثلاثاء، أن القوات الروسية “دفعت بتعزيزات ضمّت ضباطاً نحو البوكمال وريفها، للبدء بعملية تمشيط بالبادية وفق الهدف المعلن”. وأضافت أن “أكثر من 10 جنرالات وخبراء عسكريين وصلوا إلى البوكمال، وتوزّعوا ما بين مقرّ المليشيات الروسية بالفندق السياحي في المدينة، وحقول الحمار والورد بريفها الغربي، لتأسيس غرف عمليات، بغية الإشراف على عمليات التمشيط”. وبحسب الشبكة ذاتها، تزامن وصول الخبراء الروس مع وصول ما يزيد عن 250 عنصراً من المليشيات المدعومة روسياً (لواء القدس، الدفاع الوطني، الفيلق الخامس)، برفقة مدرعات وعربات عسكرية للمنطقة.
وبدأت هذه التعزيزات على الفور بـ “عمليات تمشيط محدودة بمحيط النقاط التابعة للقوات الروسية عند أطراف بادية الصالحية والدوير والعباس والجلاء بريف البوكمال الغربي”. وأشارت الشبكة إلى أن قادة المليشيات الإيرانية المسيطرة على مدينة البوكمال وريفها، جنوبي نهر الفرات، متخوفون من هذه التعزيزات، واعتبروا أن مهمتها “لا تهدف إلى تمشيط البادية من عناصر وخلايا تنظيم داعش، بل توسيع النفوذ على حساب المليشيات الإيرانية”. وكشفت أن هذه الميلشيات أرسلت تعزيزات إلى نقاطها ومواقعها في البادية الجنوبية للبوكمال. مع العلم أن المليشيات الإيرانية انتزعت السيطرة على أقصى الشرق السوري من تنظيم “داعش” أواخر عام 2017، وجعلت المنطقة الممتدة من مدينة الميادين غرباً إلى مدينة البوكمال شرقاً، أي بطول أكثر من 50 كيلومتراً، منطقة نفوذ شبه مطلق لها.
كذلك نشر الحرس الثوري الإيراني في المنطقة العديد من المليشيات، بالإضافة إلى قواته، وأبرزها: “لواء فاطميون” و”لواء زينبيون” و”لواء الإمام علي” و”حركة النجباء”، ومليشيات من “الحشد الشعبي”. وتعرّضت هذه المليشيات لغارات جوية عدة، من طيران التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، ومن طائرات يُعتقد أنها إسرائيلية. وأقام الحرس الثوري قواعد عدة في ريف دير الزور الشرقي، أبرزها قاعدة “الإمام علي” الواقعة في منطقة الهري بمحيط البوكمال، التي تعرّضت للقصف الجوي مرات عدة.
وحول الانتشار الروسي، أبدى مدير مركز “الشرق نيوز” فراس علاوي، في حديث لـ”العربي الجديد”، اعتقاده بأن هدف التعزيزات هو “التنسيق مع الجانب الإيراني للقيام بعملية عسكرية واسعة النطاق ضد تنظيم داعش في بادية دير الزور بعد فشل الحملات السابقة”، كاشفاً عن هدف آخر لها وهو “ضبط الحدود السورية العراقية”. واعتبر أن الجانب الروسي لا يهدف إلى مزاحمة الإيرانيين في مدينة البوكمال، فالمنطقة قاعدة أساسية لإيران وهناك توافق بين موسكو وطهران حول هذا الأمر. وأوضح علاوي، وهو من أبناء ريف دير الزور الشرقي، أن الجانب الروسي “متمركز داخل مدينة دير الزور وعلى المعابر بين قوات النظام وقوات سورية الديمقراطية (قسد)، المسيطرة على ريف دير الزور، شمالي نهر الفرات”.
لكن مصدراً مطلعاً اعتبر أن التعزيزات الروسية ربما تهدف إلى “تطويق الوجود الإيراني” في محافظة دير الزور، مشيراً في حديث لـ”العربي الجديد” إلى أن “تحييد الإيرانيين في عموم سورية هدف روسي أميركي مشترك”. ورأى “أن الوجود الإيراني في محافظة دير الزور يهدد أي تفاهم متوقع بين موسكو وواشنطن”، لافتاً إلى أن “الإيرانيين يضعون ثقلهم في محافظة دير الزور لأسباب كثيرة، لعلّ أبرزها اعتبار هذه المنطقة محطة رئيسية في ممر برّي، تخطط طهران لفتحه من أراضيها وصولاً إلى سواحل البحر المتوسط”. وشدّد على أن الوجود الإيراني في دير الزور “ليس عسكرياً فحسب”، مضيفاً أن “لهم وجوداً ثقافياً ودعوياً، غايته تغيير معتقدات لربط أهالي المنطقة بإيران”. وأضاف أن وجود النظام السوري في مدينة دير الزور “محدود ويقتصر على جانب خدماتي وتعليمي لا أكثر ولا أقل، فالكلمة في المدينة للمليشيات المرتبطة إما بالروس أو الإيرانيين”.
والتعزيزات الروسية ليست الأولى من نوعها، فقد سبق أن أعلنت وزارة الدفاع الروسية، في أغسطس/ آب الماضي، عن تنفيذ عملية عسكرية واسعة النطاق في البادية السورية ضد فلول وخلايا تنظيم “داعش”، حملت اسم “الصحراء البيضاء”. وأشارت الوزارة في حينه إلى أن القصف الجوي والمدفعي أسفر عن تصفية 327 مسلحاً وتدمير 134 ملجأ و17 نقطة مراقبة و7 مخازن للذخيرة و5 مستودعات تحت الأرض للأسلحة والذخيرة. وجاءت العملية الروسية في أغسطس رداً على مقتل الجنرال الروسي فياتشيسلاف جلادكيخ في ريف دير الزور، بانفجار عبوة ناسفة بدائية الصنع، أثناء مرور موكبه في منطقة تبعد 15 كيلومتراً شرقي دير الزور.
وسبق لـ”داعش” أن نفّذ خلال العام الحالي العديد من العمليات الخاطفة ضد قوات النظام والمليشيات الإيرانية في بادية دير الزور المترامية الأطراف، في تأكيد على قدرته في التحرك بشكل يسمح له من الاقتراب من عمق المحافظة، البالغة مساحتها 33 ألف كيلومتر مربّع، وهي ثاني أكبر المحافظات السورية. ويشطر نهر الفرات محافظة دير الزور إلى شطرين، شطر جنوبي معروف بـ”الشامية” وتسيطر عليه المليشيات الإيرانية وقوات النظام والجانب الروسي، وشمالي يسمّى بـ “الجزيرة” تسيطر عليه قوات “قسد” المدعومة من الجانب الأميركي، ويضم كبريات حقول وآبار النفط والغاز.
المصدر: العربي الجديد