عمر كوش
تجري في أيامنا هذه محاولات حثيثة من طرف سياسيين وناشطين سوريين لإيجاد جسم سياسي جديد، يفترق عن كيانات ومنصات المعارضة التي تتصدر المشهد السياسي للمعارضة السورية، وخاصة هيئة التفاوض السورية والائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية ومختلف القوى والأحزاب والمنصات المكونة لهما، التي تدعي تمثيل السوريين وثورتهم والدفاع عن مطالبهم في الخلاص من نظام الاستبداد الأسدي.
وأُطلقت في سياق البحث عن بديل سياسي سوري مبادرات كثيرة، وفي ظل تعذّر عقد مؤتمر وطني عام لأسباب عديدة، تشكلت مجموعات نقاش على مختلف وسائل التواصل الاجتماعي، وفي مختلف الدول التي يوجد فيها السوريون، وبعض هذه المجموعات قطع خطوات متقدمة في سياق محاولاتها تشكيل جسم سياسي جديد، لكن هيكلية وبنية البديل السياسي تختلفان من مجموعة إلى أخرى، حيث تدور تصورات بعضهم حول إطلاق تحالف سياسي بين قوى وأحزاب وشخصيات سياسية ومدنية، وبعضهم الآخر أطلق مبادرة سياسية للعمل الوطني، بغية تشكيل تجمع أو جبهة وطنية، تعمل على جمع منصات سياسية، وتسعى إلى تمثيل مطالب قوى التغيير الديمقراطي في سوريا. وهناك مبادرات لتشكيل مجموعات عمل للدفاع عن قيم وثوابت الثورة السورية، المتمثلة في إسقاط النظام الأسدي، وتفكيك أجهزته الأمنية والعسكرية ومحاكمة المتورطين في الدم السوري وسوى ذلك.
ويعتبر بعض المبادرين أن الكيانات والمجموعات السياسية التي يسعون إلى تشكيلها لا تطرح نفسها بديلاً أو منافساً لأي كيان أو مجموعة معارضة أخرى، وأن مجموعتهم تخاطب الشعب السوري أولاً، والقوى الإقليمية والدولية ثانياً، وأنهم ينطلقون في مبادرتهم من استلهام تجارب سياسية ووطنية من تاريخ سوريا الحديث، ويطرحون خطاباً واقعياً يضع مصالح الشعب السوري في مقدمة أولوياته، مع الإقرار بوحدة سوريا بحدودها الحالية والمعترف بها دولياً، والابتعاد عن أية مشاريع أو عقائد ما فوق الوطنية أو ما دونها. إضافة إلى أن أنهم يعتبرون الهدف من مبادراتهم هو تنظيم قوى الثورة الفعلية صفوفها لاستعادة القرار السوري الحر المستقل، الذي يعبّر عن إرادة السوريين بعيداً عن أجندات الدول والقوى المتدخلة في القضية السورية، ويسوقون كلاماً حول إعادة الاعتبار للجوهر الحقيقي للثورة السورية، والوصول إلى سورية حرّة وديمقراطية.
ولا شك في أن واقع الحال الذي وصلت إليه القضية السورية، يكشف انخراط هيئات ووفود تدّعي تمثيل السوريين في مسارات تفاوض سياسية خطيرة، يعتبرها سوريون كثر انحرافاً عن مطالب وثوابت الثورة السورية، كونها باتت تتبنى مسارات غايتها الالتفاف عليها، وتمرير رؤية بعض الدول الخائضة في الدم السوري، القائمة على إنتاج تسوية سياسية على مقاسها، وتهدف إلى تقويض أسس الانتقال السياسي التي وردت في بيان جنيف1 عام 2012 والقرارين الأممين 2118 عام 2013 و2254 عام 2015، لذلك يرى منخرطون في البحث عن بديل سياسي أن هنالك عملية تلاعب واحتيال من طرف الكيانات السياسية للمعارضة التي قبلت الانخراط في اللجنة الدستورية، ضاربة عرض الحائط بأولوية تشكيل هيئة الحكم الانتقالي، التي نصت عليها القرارات الأممية، ذلك أن أصل القضية السورية هو بقاء نظام الأسد، إذ لا يوجد أي حل للكارثة السورية بوجوده، لأنه المسبب الرئيس لها، إلى جانب تدخل الروس وملالي النظام الإيراني، وبالتالي فإن الحل في سوريا لا تشكل إشكالية الدستور مدخلاً إليه ولا سلال دي ميستورا، لأن أصل الكارثة السورية هي وجود نظام الأسد الطائفي، وأي عملية تفاوض سياسية عليها أن تنطلق من أجل تشكيل هيئة الحكم الانتقالي وكيفية الوصول إليها، وبالتالي فإن تقديم مسار اللجنة الدستورية على أولوية تشكيل هيئة الحكم الانتقالي ينتهك القرارات الأممية، ويشكل خيانة لأهداف الثورة وثوابتها، ومحاولة للتهرب من موجبات الانتقال السياسي.
ومن نافل القول إن الكلام النظري سهل والعبرة تكمن في التطبيق والتنفيذ، ذلك أن أي جسم سياسي جديد عليه ألا يتحول إلى مجرد رقم جديد، يضاف إلى أرقام كيانات المعارضة التي لا تمثل سوى الأشخاص القلائل التي يشكلونها، ولا توجد أي ضمانات في هذا الصدد، لكن ذلك لا ينفي الحاجة الملحة للسير بخطوات جادة باتجاه تشكيل بديل سياسي، يمكنه وقف التدهور الذي وصلت إليه حال السوريين، والدفاع عن قيم الثورة وأهدافها في الخلاص من استبداد نظام الأسد.
ولعل الإشكال المستحكم في معارضتنا السورية، هو أن كياناتها السياسية لم تحتكم إلى المؤسساتية والعمل الجماعي، وكانت الفردية والشللية عنواناً لعملها وممارساتها غير الديمقراطية، حتى أنها لم تقدم أي جردة حساب أو وقفة تأمل لأدوارها طوال السنوات الماضية، بالرغم من كل الهزائم والانكسارات. والمؤسف هو أن بعض الشخصيات التي لعبت أدواراً سلبية ومعطلة، أخذت تطالب بضرورة المراجعة النقدية، بعد استقالتها من التشكيلات السياسية المعارضة نتيجة انتهاء دورها وفوات صلاحيتها، وراحت تكتب بالعموميات، محاولة تبرئة الذات، والادعاء بأنها كانت صاحبة مشروع مؤسسي عظيم، وأن الآخرين هم من حاربوها، ووقفوا في وجه تنفيذ مشروعها العتيد، بينما كان المطلوب منها القيام بنقد ذاتي وتحليل دقيق وعميق وشامل، بغية تحديد مواطن الخلل والضعف وأسباب العجز، ومعرفة الحيثيات والتأثيرات التي أسهمت في الهزائم والانكسارات، ثم البدء في عملية إعادة بناء جديدة.
ويُفترض بالمبادرين والباحثين عن بديل أن لا يلجؤوا إلى أدوات قديمة لمعالجة أوضاع جديدة، بما يعني الابتعاد عن الكيانات السياسية والشخصيات المتقادمة، التي دخلت عالم السياسة دون أن تمتلك رصيداً وأسساً أو محددات ومؤهلات معينة، إذ تفترض ضرورات التأسيس اتباع منهج عقلاني، وتوفير فرص النجاح وفق الشروط الذاتية والموضوعية، عبر الاحتكام إلى الواقع السوري الراهن، وعدم الارتهان إلى القوى المتدخلة في القضية السورية، التي لا تملك سوى ضغوطات أجهزتها الأمنية، والصراعات مع القوى الأخرى على سوريا. والأهم هو التركيز على التمسك بمبادئ وثوابت الثورة والقرارات الأممية، التي فرطت بها تشكيلات المعارضة التي تصدرت المشهد السياسي المعارض، وضمان ألا تتكرر ذات التجربة في الكيانات التي قد تتشكل في هذا المخاض العسير.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا