بسام مقداد
في آخر أيام السنة المنصرمة، قام المجلس الروسي للعلاقات الدولية (RIAC)، الذي يترأس مجلس أمنائه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، و”مركز دراسة إيران وأوراسيا” (IRAS) الإيراني، الذي أسسه السفير الإيراني فوق العادة ومستشار وزير الخارجية الإيراني مهدي صانعي، بنشر بحث مشترك على موقع المجلس الروسي بعنوان “روسيا وإيران في سوريا وخارجها: التحديات المقبلة”. يقسم التقرير الموسع إلى ثلاثة أجزاء، تضمن الجزء الأول منه موجزاً عن النقاط، التي توافق عليها الفريقان أو اختلفا، وكان الجزآن التاليان عبارة عن نظرة كل من الفريقين إلى التعاون الروسي الإيراني في الأزمة السورية ومزايا هذا التعاون ومشاكله. تولى كتابة الجزء الأول كل من مدير المجلس الروسي أندريه كارتونوف ومؤسس المجلس الإيراني مهدي صانعي، في حين تولى عرض الرأي الروسي في الموضوع الخبير في الشرق الأوسط والسياسة الخارجية الروسية ألكسي خلابنيكوف، وعرض الرأي الإيراني نائب مدير المركز الإيراني والمدرس في جامعة طهران محمود الشوري.
الجزء الأول من التقرير، الذي صيغ بلغة البيانات الرسمية التي تزن كل كلمة، ووصف بالمقدمة، يقول بأن الأزمة السورية شكلت نقطة تحول في العلاقات الروسية الإيرانية، وقربت بين البلدين، ونشطت الإتصالات بينهما على مختلف الأصعدة، وساعدت في التوصل إلى تفاهم أفضل وتعزيز الثقة بين موسكو وطهران. وعلى العكس من الرأي السائد في الغرب والقائل، بأن التعاون الروسي الإيراني في سوريا يحمل طابعاً تكتيكياً مؤقتاً، أصبحت سوريا إمتحاناً جدياً لرسوخ هذا التعاون، ومحفزاً لتعميقه حتى في المجالات التي ليست على علاقة بالصراع السوري. ويشير إلى أن المشككين يقولون، بأن مصالح روسيا وإيران في سوريا ليست متطابقة، وأن البلدين ليسا شريكين، بل متنافسين، وليس في سوريا فحسب، بل وفي المنطقة ككل، وأن أزمة جدية في علاقاتهما لا بد وأن تنفجر.
لكن التقرير يستدرك ويقول، بأنه صحيح أن شيئاً مما كان يبشر به المشككون لم يقع، إلا أن الحديث عن تطور العلاقات الروسية الإيرانية في سوريا أو في مكان آخر، إلى علاقات شراكة إستراتيجية حقيقية، هو، على الأقل، حديث سابق لأوانه. ثمة الكثير من العقبات على طريق مثل هذه الشراكة. صحيح أن مصالح روسيا وإيران تتطابق في سوريا، لكنها لا تتطابق بالكامل أبداً. فمع كل التشابه في موقف البلدين بشأن أمن المنطقة والإرهاب والعالم متعدد القطب، وتقارب تصور البلدين لمستقبل سوريا، إلا أن الموقفين ليسا متطابقين.
يقول واضعو التقرير، أن الخبراء من البلدين يجرون تحليلاً مقارناً للمقاربتين الروسية والإيرانية للأزمة السورية بغية تظهير التطابق والتناقض بينهما. وهم لا يسعون لتقديم صورة زاهية، أو التركيز على المشاكل والتناقضات بين موسكو وطهران، كما لا يسعون، بالتأكيد، الى ترداد التصورات النمطية بشأن الإنهيار الحتمي لهذا التعاون.
الخبراء الروس والإيرانيون متفقون في الرأي، بأن الأزمة السورية تخطت مرحلة الأعمال الحربية، وعبرت إلى البعد السياسي. إلا أن الطرفين يعتبران، مع ذلك، أنه مازال من غير الممكن الإستبعاد الكلي لإحتمال حدوث تصعيد جديد. وتعترف كل من طهران وموسكو بوجود “مشكلة أكراد”. أما الخبراء الروس فيعتبرون، أن أراضي إدلب وشرق الفرات، هي نقاط محتملة لمواجهة جديدة.
وإذ يعتبر الفريقان، أن الإستقرار في المناطق المحررة هو أهم الأولويات، يتفقان على أن عودة النظام السياسي في سوريا ورفع العقوبات الإقتصادية، هي المهمات الصعبة في المراحل الراهنة والقادمة. ويعبر الخبراء الإيرانيون عن قلقهم من أن الإستقرار المحتمل للوضع في سوريا، سوف يخلق طلباً إجتماعياً على رفع مستوى الحياة الذي، في حال عدم تحققه، قد يثير موجة جديدة من الإضطرابات. أما الخبراء الروس فيرون، أن حل مشكلات ما بعد الحرب، يتطلب عملاً دولياً وإشراك الدول العربية. وهذا الأمر يثير القلق لدى الجانب الإيراني، الذي يرى في تعزيز النفوذ العربي في سوريا تهديداً لإيران.
تختلف أهداف الدولتين من إنخراطهما في الصراع السوري. تقوم أهداف روسيا على تحويل الإنتصارات العسكرية إلى مصالح سياسية واقتصادية. أما الإيرانيون فيرون أهدافهم في دعم النظام، الذي يعتبرونه “حلقة أساسية في محور المقاومة”، وفي تعزيز العلاقات الإقتصادية مع سوريا كواحد من أهدافهم الرئيسية. وبشأن عملية أستانة، يتفق الطرفان على أهمية المفاوضات بين روسيا وتركيا وإيران في حل المشكلة السورية. يضع الإيرانيون آمالاً كبيرة على المفاوضات الثلاثية، ويعتبرون، أنها “قد تكون الوسيلة الوحيدة لتسوية الأزمة السورية”، ويقترحون ضم الصين والدول الأوروبية إليها. أما الروس، فمع إعترافهم بالأهمية الكبيرة للمفاوضات الثلاثية، إلا أنهم يركزون إهتمامهم على تعزيز نفوذ روسيا في بلدان المنطقة، وسوريا في الطليعة، لكن من دون الإنخراط الجدي في حل المشاكل الإقليمية. وترى روسيا، أن من المفيد إشراك الدول العربية في إعادة إعمار سوريا، وهي الدول القلقة من تنامي النفوذ التركي والإيراني في المنطقة. كما ترى، أن من غير المرجح مشاركة الدول الأوروبية في إعادة الإعمار هذه، وإن كانت تعتبر، أن التعاون في حقل المساعدات الإنسانية، قد يشكل بداية لمثل هذه المشاركة.
وفي ما يتعلق بدستور سوريا الجديد، يتفق الطرفان على عدم فعالية عمل لجنة الدستور. ويرى الخبراء الإيرانيون، أنه إذا لم يتم وضع الدستور الجديد وإقراره، يمكن أن تؤجل إنتخابات 2021 الرئاسية، وفقاً للدستور الحالي، مما يتيح لبشار الأسد البقاء في السلطة لفترة زمنية ما. أما روسيا فلها موقف آخر من هذه المسألة، حسب التقرير، الذي لا يحدد هذا الموقف، بل يقول، بأن روسيا تنطلق من أن مجموعة المشاكل المعقدة الناجمة عن الأزمة الإقتصادية والتدخل الدولي والضغوط، تحتم على دمشق إتخاذ موقف مرن. لكن في كل الأحوال، موسكو وطهران معنيتان، بأن يسود الإستقرار سوريا، حتى لو كان نسبياً.
وفي الموقف من الولايات المتحدة، يؤكد البلدان على دورها في الصراع السوري والمنطقة ككل. ويرى الخبراء الروس، أن الولايات المتحدة ليست معنية في الوقت الراهن بحل الصراع السوري، وقد يكون هذا هو سبب الجمود في عملية المفاوضات. ويعرض الخبراء الإيرانيون الموقف الإيراني المعروف في المواجهة مع الولايات المتحدة، ويؤكدون، بأن طهران تلتزم موقف “الصبر الإستراتيجي”، الذي يسمح لها، حتى الآن، بتفادي أزمة جديدة في المنطقة. لكن، إذا استمرت الولايات المتحدة بانتهاج سياسة الضغط الأقصى، فإن إيران مستعدة لإتخاذ خطوات أكثر حزماً، على قولهم.
أما في ما يتعلق بالموقف من إسرائيل، فيقول التقرير، بأن مواقف الطرفين متباعدة إلى حد كبير في مسألة دور إسرائيل في الصراع السوري. الخبراء الروس يؤكدون، أن روسيا تتفاوض مع تركيا وإيران، وكذلك مع بلدان الشرق الأوسط الصديقة للولايات المتحدة، بما فيها مع إسرائيل. هذا الموقف، برأيهم، يسمح لروسيا بالإحتفاظ بدور الوسيط النزيه في المنطقة، وذلك لحيادها ومحافظتها على مسافة واحدة من اللاعبين الرئيسيين في المنطقة. أما الخبراء الإيرانيون، فيعتبرون أن موقف موسكو من إسرائيل، هو المشكلة الوحيدة الموجودة بين روسيا وإيران في سوريا، ويتهمونها بغض النظر عن الغارات الإسرائيلية على المواقع الإيرانية في سوريا، بل حتى بالتواطوء معها في هذه الغارات.
المصدر: المدن