بشير البكر
أن يلتقي السوريون في إطار اللجنة الدستورية في جنيف أمر جيد، مع أنه لم يحقق إنجازا كبيرا على مدى أكثر من عام. ذلك أن مبدأ اللقاء مفيدٌ، في حد ذاته، لأنه يبقي القضية السورية على جدول المجتمع الدولي، ثم أن الأطراف التي تلتقي تعبّر، بصورة أو بأخرى، عن نسبة كبيرة من الحساسيات السورية، ووجودها على طاولة الحوار أفضل من وجودها على جبهات القتال. وفي الوقت نفسه، يتعين تثمين دور الأمم المتحدة، ومثابرتها على متابعة الشأن السوري بما استطاعت إليه سبيلا، وإن إصرارها على لقاء السوريين في صالح المسألة السورية، على الرغم من أنه لم يثمر عن نتائج ملموسة تسهم في تقديم حل نهائي، سواء من خلال اللجنة الدستورية، أو عن طريق القنوات الأخرى.
من الواضح أن تحقيق أي إنجاز على المستوى الدستوري أمر جيد، ولكن هذا التقدّم يبقى من دون معنى إن لم يكن محمولا على رافعة سياسية فعلية. وبالتالي، فإن السير نحو حل سوري لا يتوقف أو يرتبط بكتابة دستور جديد، فلا قيمة لدستور، ولو كان غاية في المثالية، إن لم تتوفر آلياتٌ وضماناتٌ لتنفيذه والعمل به. وهذا لا يعني إسقاط جهود الأمم المتحدة والأطراف الدولية التي تدعم هذا الجهد، ولا تبخيس جهود المشاركين في الحوارات. ذلك أن الأمم المتحدة نفسها اعترفت، في أكثر من مناسبة، بأن ما تقوم به لا يتعدّى تيسير اللقاء بين السوريين، ولعب دور الوسيط في ما بينهم، في وقت لا تزال شروط التلاقي السياسي غير متوفرة.
وشخّصت الأمم المتحدة الأزمة أخيرا في إحاطات المندوب الأممي إلى سورية، غير بيدرسون، الذي تحدث بصراحة عشية افتتاح الجولة الخامسة للجنة الدستورية التي بدأت أعمالها في جنيف مطلع الأسبوع الحالي. ومما قاله، إن هناك حاجة إلى تعاون دولي لحل الأزمة السورية، مشدّدا على أن الحل لن يتأتى بفرض إرادة لاعبٍ أو مجموعةٍ بمفردها. وتحدّث، بصراحة للمرة الأولى، أنه “لا يمكن أن يحلّ السوريون وحدهم جميع المشكلات”، بل “هناك حاجة إلى التعاون الدولي”. وأكّد على ضرورة أن تجتمع البلدان ذات وجهات النظر المختلفة، وتتخذ خطواتٍ ملموسة لدفع العملية السياسية. ولفت بيدرسون إلى أن المفاوضات السورية لم تجلب حتى الآن “تغييرات ملموسة” لحياة السوريين، أو “رؤية حقيقية” من أجل مستقبلهم.
لا يحتاج هذا التشخيص إلى شرح أو تفسير، فهو واضح جدا، ويذهب نحو أصل الداء، ويحدّد الدواء، فالحل دولي فقط. ويتوقف قبل كل شيء على توفر إرادة دولية وتوافق دولي، وما لم يتحدّث عنه صراحة أن الولايات المتحدة هي الطرف الوحيد القادر على إحداث اختراقٍ كبير في جدار هذه الأزمة. ومن المرجّح أن بيدرسون اختار وصول إدارة أميركية جديدة إلى البيت الأبيض، كي يرمي كلامه هذا على مسمع الجميع، ويحدّد المسؤوليات. وهو مثل غيره من الذين يأملون بحل سوري سريع، يعوّل على إدارة الرئيس جو بايدن أن تضع ثقلها من أجل تحريك القضية السورية التي وصلت إلى طريق مسدود، بسبب التدخلات الأجنبية، وتحويل سورية إلى مناطق نفوذ دولية، ورهان روسيا وإيران على حل عسكري يمكّن بشار الأسد من استعادة السيطرة على الجغرافيا السورية.
ومهما يكن من أمر، يحتاج تحرّك واشنطن نحو حل دولي في سورية أن تقابله موسكو بمرونة واستعداد لتطبيق قرار مجلس الأمن 2254 الذي لعبت دورا أساسيا في كتابة نصه، وهذا أمر لا يبدو أن روسيا في وارد أن تُقدم عليه من تلقاء ذاتها.
المصدر: العربي الجديد