حسن النايف
شهدت مناطق دير الزور الواقعة تحت سيطرة النظام وميليشياته في الأشهر الأخيرة عشرات الحالات من الانشقاقات الفردية والجماعية، لعناصر تركوا الميليشيات الإيرانية وانضموا إلى “الفيلق الخامس”، وآخرين باتجاه معاكس انشقوا عن ميليشيا “الدفاع الوطني” وانضموا إلى الميليشيات الإيرانية.
وبحسب مصادر خاصة لموقع تلفزيون سوريا وما تناقلته شبكات محلية على مواقع التواصل الاجتماعي، فإن حالات تنقّل العناصر بين الميليشيات المتعددة زادت أخيراً في مناطق دير الزور، كان بعضها على شكل مجموعات، عدا هروب عشرات العناصر “المحليين” إلى مناطق سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد).
ومن المرجّح أن الأسباب بشأن هذه الانشقاقات، تعود إلى تردي الأوضاع الأمنية والاقتصادية التي تشهدها مناطق سيطرة النظام وميليشياته، وزيادة المهام الموكلة إلى العناصر الذين يتم رميهم لقمة سائغة لتنظيم الدولة، حيث تشهد بادية دير الزور هجمات متكررة من قبل خلايا “التنظيم” التي تتخذ من البادية موطناً جديداً لها.
دوافع الانشقاق
يرى ناشطون من المنطقة أن دوافع الانشقاق عن القوى والميليشيات المتعددة أو التنقّل بينها، لا تتعدى الدوافع المصلحية البحتة، وهي الأسباب ذاتها التي دفعتهم إلى الانضمام في البداية إلى تلك الميليشيات.
وهذا ما حدث مع أحد أبناء مدينة الميادين والذي عاد إلى مدينته بعد سيطرة قوات النظام وروسيا وإيران عليها أواخر العام 2017 “مجبراً” على حد وصفه، على الرغم من إدراكه خطورة الوضع وأنه قد دخل سن الخدمة الإلزامية.
وفي حديثه لموقع تلفزيون سوريا قال إنّه انضم إلى صفوف ميليشيا “الدفاع الوطني”، باعتبارها أفضل خيار مناسب لوضعه من حيث الخدمة بالمنطقة والراتب ذاته، وبأنها تعيض عن الخدمة في الجيش التي يلزم بها.
وبعد تغلغل الميليشيات الإيرانية في مناطق شرقي سوريا ومحاولتها فرض نفوذها على المنطقة، بدأت بالسعي لبسط سيطرتها على قوات النظام وعناصره في تلك المناطق بالتوازي، حيث قامت بالعديد من العمليات الاستعراضية في كسر شوكة قوى النظام، إحداها في حزيران عام 2019، عندما هاجمت ميليشيا “زينبيون”، ميليشيا “الدفاع الوطني” في مدينة الميادين، وسلبت منهم أسلحتهم، وهو ما دفع محدثنا إلى الانشقاق عن “الدفاع الوطني” والانضمام إلى ميليشيا “الفيلق الخامس” المدعوم من روسيا بدعوى أن موقفها أقوى ورواتبها أفضل، كما أنها تؤمّن لعناصرها الحماية من تجاوزات الميليشيات الإيرانية على الرغم من أن بعض رفاقه اختاروها لأسباب مماثلة، حيث باتت قوات النظام الحلقة الأضعف ما لم يكون ولاء قادة مجموعاتها لإحدى القوتين روسيا أو إيران اللتين تتسابقان في تشكيل الكتائب والألوية في سوريا ودمج العناصر المحلية فيها.
وأوضح الصحفي في شبكة الشرقية 24 معن النايف لموقع تلفزيون سوريا أنّ السبب الرئيسي وراء انضمام العناصر إلى الميليشيات الروسية كـ الفيلق الخامس والميليشيات الإيرانية المتعددة، يعود إلى قيمة الراتب المقدم منها والذي يعادل أضعاف الرواتب التي تعطيها تشكيلات النظام لعناصرها، وتفاقمت الحالة بالتزامن مع الأوضاع الاقتصادية المتردية التي تعيشها مناطق سيطرة النظام.
وأشار “النايف” إلى أن كل من هو في سن الـ40 وما دون ويقيم في تلك المناطق، فإنه عرضة للتجنيد أو المضايقات التي تجعل من خيار الالتحاق في صفوف إحدى الميليشيات إجبارياً أمام التهديدات التي يتعرض لها الشباب. ولا سيما أن معظم تلك المناطق استعادها النظام بدعم روسي ومن الميليشيات الأخرى معه، ما يعني قلة عدد الشبان وعودتهم المشروطة بالمصالحات والتسوية.
وهذا ما تحاول روسيا وإيران استغلاله حيث تقدم الكثير من المميزات والتسهيلات عبر مكاتب التجنيد التابعة لها، وراحت تتنافس في سبيل استقطاب أكبر عدد من السوريين في صفوفها، ومن ثم يتنقل العناصر بين الميليشيات بحسب العروض المقدمة.
لا يختلف واقع محافظة دير الزور عن باقي المحافظات في معاملة النظام وسياساته، لكن خصوصية المنطقة الشرقية التي يتقاسم السيطرة عليها كل من روسيا والميليشيات الإيرانية والنظام وقسد، والثقل الكبير الذي تسعى الميليشيات الإيرانية لامتلاكه في بوابتها نحو سوريا، جعل من دير الزور وتعقيداتها المثال الأكثر وضوحاً عن أهداف القوى في كسب أكبر قدر من السوريين في صفوفها وليس في صفوف النظام. حيث تسيطر قوات النظام منذ أواخر العام 2017 على الضفة اليمنى من نهر الفرات ابتداء من جنوبي الرقة وصولاً إلى الحدود السورية العراقية،
ويعدّ وجود الميليشيات الإيرانية في هذه المنطقة، “الأكبر” في سوريا من خلال انتشارها، وتعدى تطويع وتجنيد الشبان المحليين في صفوف تشكيلاتها إلى إنشاء ميليشيات قوامها من السكان المحليين، وتخضع لإدارة مباشرة من “الحرس الثوري” الإيراني كـ”اللواء 47″ الذي يتخذ من البوكمال مقراً رئيسياً له ويضم عدداً كبيراً من العناصر المطلوبين لنظام الأسد ممن قاموا بتسوية أوضاعهم على غرار ما تقوم به روسيا مع وجود فروقات بسيطة.
وبحسب ما يراه محللون بأن زيادة عمليات التجنيد لصالح القوى الرديفة لنظام الأسد وافتتاحها مكاتب لذلك في أماكن كثيرة، أضعف من تشكيلات النظام بشكل كبير وجعل السلطة العليا للميليشيات الإيرانية في مناطق أصبحت مركز ثقل لها كـ البوكمال على سبيل المثال لا الحصر، ولروسيا في مناطق أخرى تتمركز فيها، ولا توجد سلطة للنظام في تلك المناطق بحيث لا يجرؤ على اعتقال أحد أو القيام بأية عملية في منطقة من دون الرجوع إلى القوة المسيطرة عليها، ولذلك شهد ريف دير الزور خلافات متكررة بين قوات النظام والميليشيات الإيرانية خلصت معظمها إلى إهانة تشكيلات النظام أمنية كانت أو عسكرية من قبل الإيرانيين، وفي بعض الحالات يلجأ النظام إلى طلب وساطة روسية لإنقاذه كـ الاشتباكات التي حصلت في حزيران 2019 بين قوات النظام وميليشيا تابعة للحرس الثوري الإيراني في مدينة الميادين التي وقع فيها قتلى من عناصر الأمن العسكري ولم تنته إلا بتدخل روسي.
لجميع القوى الموجودة في سوريا مصالحها التي تدخلت من أجل تحقيقها، وهذا ما يظهر جلياً من خلال وضع روسيا يدها على مراكز اقتصادية كثيرة، وهو ما دفعها لتبني عشرات المجموعات من جيش النظام وتشكيل ميليشيات تابعة لها، بالإضافة إلى المرتزقة التي جلبتها بغرض حماية منشآتها، أما إيران فهي أبعد في أحلامها حيث تسعى لبسط نفوذها الكامل من خلال تحركاتها، وذلك لاسترداد أضعاف ما أنفقته، كما جاء على لسان الأمين العام لمجمّع تشخيص مصلحة النظام الإيراني “محسن رضائي” في تقرير نشره موقع “انتخاب” المقرب من الرئيس حسن روحاني خلال مهرجان لتكريم قاسم سليماني في طهران الذي قتل مطلع العام 2020.
وتتخذ إيران من خلال تجنيد وتطويع السوريين في ميليشياتها أسلوباً لنشر التشييع، كذلك لكسب حاضنة شعبية ليس لها أذرع فيها، وذلك يفسّر خفض سقف شروط الانتساب إلى الميليشيات الإيرانية وتقديمها كثيراً من المزايا لمنتسبيها، ولا يعني ذلك الحفاظ عليهم بل على العكس هي أيضاً تقوم بزج العناصر المحليين في المواجهات والمعارك التي تكلفها كثيراً من العناصر.
وعلى غرار الميليشيات العراقية واللبنانية والأفغانية اتجهت إيران إلى تشكيل ميليشيات سورية تتبع لها وتدعمها كـ حزب الله السوري، وميليشيا لواء القدس التي تمثل ذراع الحرس الثوري الإيراني في سوريا، والذي يعتمد في تشكيله على عناصر معظمهم سوريون، وميليشيا “اللواء 47” الذي يتخذ من مدينة البوكمال شرقي دير الزور مركزاً رئيسياً ويخضع لإدارة “الحرس الثوري” الإيراني بشكل مباشر بالإضافة إلى تجنيد آخرين ودمجهم في تشكيلات الميليشيات الإيرانية الأخرى كـ”زنبيون” و”فاطميون” وغيرهم.
ويؤكد الازدياد الملحوظ في الانشقاقات الحاصلة على عدم قدرة الميليشيات متعددة الولاءات خلال سنوات في أن تخلق استقراراً في صفوفها وهو ما يكشف الهشاشة في بنية تلك القوات.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا