إسوار براساد
تتقدم الولايات المتحدة والصين حاليا لتصبحا المحركين الرئيسين للنمو العالمي في العام 2021. فقد ارتفع الاستهلاك من جانب الأسر والشركات في كل من الاقتصادين، إلى جانب تدابير إعادة الثقة إلى القطاع الخاص. كما انتعش الإنتاج الصناعي في أغلب البلدان، مما أدى إلى ترسيخ أسعار السلع الأساسية والتجارة الدولية. ومع هذا، من المحتمل أن تكون الولايات المتحدة، والصين، والهند، وإندونيسيا، وكوريا الجنوبية الاقتصادات الرئيسة الوحيدة التي تتجاوز مستويات الناتج المحلي الإجمالي التي كانت قبل الجائحة بحلول نهاية العام. في أغلب المناطق الأخرى، من المرجح أن يخلف ركود العام 2020 ندوبا طويلة الأمد على كل من الناتج المحلي الإجمالي وتشغيل العمالة.
تتلخص مهمة صناع السياسات النقدية هذا العام في فصل التضخم الوهمي (الارتداد الوشيك بعد العام 2020) عن ضغوط الأجور والأسعار الأساسية. تعكس الزيادة في عائدات السندات الحكومية ــ التي تعبر عن اقتران توقعات النمو الأفضل بمخاطر التضخم ومخاوف الدين ــ التحديات التي ستواجه صناع السياسات وهم يحاولون فك رموز وإدارة توقعات السوق. في الظروف المثالية، تستهدف أي تدابير تحفيز إضافية تعزيز الطلب الكلي وتحسين الإنتاجية في الأمد البعيد في ذات الوقت.
من ناحية أخرى، ظل زخم النمو في الصين قويا ومتوازنا، مع تحويل الحكومة انتباهها إلى قضايا بنيوية متوسطة الأمد واحتواء مخاطر النظام المالي. وقد دعم مؤتمر الشعب الوطني الأخير التركيز المتجدد على إعادة موازنة الطلب نحو استهلاك الأسر وتحويل مصادر نمو الناتج نحو التصنيع الراقي، وقطاع الخدمات، والشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم.
من هنا، يبدو أن السلطات الصينية بدأت تميل نحو تطبيع سياسة الاقتصاد الكلي، مع توقع بعض الضبط المالي وإحكام السياسة النقدية في وقت لاحق من العام. ويرافق هذا النهج تدابير تنظيمية احترازية لإدارة ضحالة قطاع العقارات. وبينما يبدو من المرجح أن تستمر التوترات التجارية مع الولايات المتحدة في ظل إدارة الرئيس جو بايدن، فإنها لم تعد تشكل عاملا رئيسا يؤثر على معنويات القطاع الخاص أو النمو في أي من البلدين.
حققت المملكة المتحدة، التي واجهت في العام 2020 انتكاسة مزدوجة من الخروج من الاتحاد الأوروبي وكوفيد19، تقدما طيبا في تطعيم سكانها، ونجحت بالتالي في تحسين آفاق نموها. مع ذلك، يبدو التعافي في اليابان هشا على الرغم من تدابير التحفيز المكثفة، مع بقاء ثقة المستهلك على ضعفها فضلا عن ضعف نمو الصادرات.
أما عن الأسواق الناشئة، فيبدو الآن أن الأمر يشتمل على مسارات اقتصادية متعددة ــ بعضها أفضل كثيرا من بعضها الآخر. في الهند، يساهم قطاعا التصنيع والخدمات في الانتعاش القوي. لكن عودة فيروس كورونا إلى الظهور، وارتفاع التضخم، والحيز المالي المحدود (بسبب مستويات الدين العام المرتفعة) من الأسباب التي قد تقوض بعض هذا الزخم.
في الوقت الحالي، أدى انتعاش أسعار النفط إلى دعم آفاق كبار المنتجين مثل نيجيريا وروسيا والمملكة العربية السعودية. على النقيض من هذا، يترنح اقتصاد البرازيل، مما يعكس انتشار الفيروس دون رادع ــ نتيجة للقيادة السياسية غير الفَـعَّـالة.
على هذا فقد وصل الاقتصاد العالمي عند لحظة محورية. فالآن، تواجه العديد من البلدان صعوبة بالغة في اتخاذ القرار حول ما إذا كان لزاما عليها أن تفتح اقتصاداتها على الرغم من استمرار انتشار الفيروس، وما إذا كان من الواجب عليها أن تطلق العنان للتحفيز الإضافي للاقتصاد الكلي، والذي قد يعرضها لمقايضة غير مواتية بين الفوائد القصيرة الأجل والتعرض لنقاط ضعف أطول أمدا.
ما تزال الوصفة من أجل التعافي القوي الدائم على حالها: التدابير الحازمة للسيطرة على الفيروس، مقترنة بالحوافز النقدية والمالية المتوازنة والسياسات الداعمة للطلب والقادرة على تحسين الإنتاجية. في الاقتصادات التي تشهد تعافيا قويا، من السابق للأوان التخفيف في أي من البعدين؛ وفي أماكن أخرى، يحتاج صناع السياسات إلى مضاعفة جهودهم على الجبهتين.
*إسوار براساد أستاذ علوم الاقتصاد في جامعة كورنيل، وكبير زملاء مؤسسة بروكنجز.
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت.
المصدر: الغد الأردنية