قارن كريس ماغريل
“قارن كريس ماغريل” الذي عمل مراسلا لصحيفة “الغارديان” في إسرائيل مدة أربعة أعوام من 2002 حتى 2006، وعمل في جوهانسبرغ منذ 1990، قارن بين نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا وإسرائيل.
وقال في مقال نشره في طبعة أوبزيرفر الأحد:
“ساعدت المقاطعة والعقوبات على التخلص من نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، فهل جاء الدور على إسرائيل؟”. مضيفا: “اسأل الجيل القديم من البيض في جنوب أفريقيا متى شعروا بضغط العقوبات المضادة لنظام التمييز العنصري، وبعضهم يشير إلى لحظة عام 1968 عندما منع رئيس الوزراء بي جي فورستر جولة لفريق كريكيت إنجليزي لأنه يضم اللاعب بازل دوليفيرا والذي كان من عرق مختلط”.
ومُنعت بعد ذلك جنوب أفريقيا من المشاركة بمباريات الكريكيت الدولية حتى خروج نيلسون مانديلا من السجن بعد 22 عاما. وكانت قضية دوليفيرا نقطة مهمة في زيادة الدعم للمقاطعة الرياضية، حيث استُبعد البلد من المباريات الدولية بما فيها لعبة “الرجبي” التي يعشقها “الأفريكانز البيض” والذين كانوا يشكلون أساس الحزب الحاكم وشعروا بالسخط من استبعادهم.
وهناك آخرون يشيرون إلى أن يوم الحساب جاء عام 1985 عندما طلبت المصارف الأجنبية من جنوب أفريقيا دفع قروضها، وكان من الواضح أن البلد سيدفع ثمنا باهظا لنظام الفصل العنصري. ولكن هاتين الحادثتين لم تكونا فاصلتين في نهاية النظام العنصري بنفس الطريقة التي لعبها تلاميذ المدارس السود في سويتو، والذين قادوا حركة من العصيان المدني والاضطرابات، جعلت النخبة البيضاء غير قادرة على الحكم حتى تغيرت السياسة الدولية وانهارت الشيوعية التي لعبت دورها.
ومع ذلك لا يمكن إنكار صعود حركة المقاطعة لجنوب أفريقيا على مدى ثلاثة عقود والتي تركت علاماتها على سكان البلد وواجهتهم بالشجب الذي يتعرض له نظام الحكم. فقد ضغط الأوروبيون العاديون على متاجرهم للتوقف عن بيع المنتجات المنتجة في جنوب أفريقيا. وأجبر الطلاب البريطانيون بنك “باركليز” على إغلاق فروعه في جنوب أفريقيا. وقاد رفض عامل محل في دبلن للاتصال بشركة لـ”الغريب فروت” إلى إضراب، ومنعت الحكومة الأيرلندية الاستيراد بشكل شامل من جنوب أفريقيا.
وبحلول منتصف الثمانينات من القرن الماضي، قال واحد من كل أربعة بريطانيين إنهم يدعمون الحملة المضادة للتمييز العنصري. ولكن الحملة كانت قوية في الجامعات إلى جانب الحملة ضد انتشار السلاح النووي ودعم ثوار السانديستا في نيكاراغوا.
ومنع اتحاد الموسيقيين البريطاني، الفنانين من جنوب أفريقيا من الظهور في “بي بي سي” ومنعت المقاطعة الثقافية معظم الفنانين البريطانيين من المشاركة بمناسبات في جنوب أفريقيا، مع أن إلتون جون وكوين شاركوا في حفلات موسيقية في صن سيتي بفوثاتسوانا.
ورغم عدم وجود علاقات ثقافية ورياضية وتجارية بين الولايات المتحدة وجنوب أفريقيا في تلك الفترة، إلا أن التعبئة ضد نظام الفصل العنصري في الجامعات والكنائس والتحالفات المحلية أسهمت في تقوية يد الساسة الأمريكيين والشركات الكبرى والدفع باتجاه تحويل الاستثمارات.
وفي الفترة التي قرر فيها “أف دبليو دي كلارك” التفاوض مع نيلسون مانديلا والإفراج عنه من السجن، كانت النقطة الأساسية هي وقف المقاطعة.
وبعد 27 عاما من نهاية نظام الفصل العنصري، يرى البعض أن حملة المقاطعة ضد جنوب أفريقيا هي دليل لتعبئة الدعم ضد ما يبدو بشكل متزايد “ماركة إسرائيل” من التمييز العنصري. وكما كشفت الحملة ضد جنوب أفريقيا، فبناء الدعم يحتاج لسنوات ومن يدعمون الحملة يواجهون عدوا قويا ممثلا في إسرائيل. ورغم كل التحولات في المواقف من إسرائيل، وتحديدا في الولايات المتحدة وبين الشتات اليهودي هناك، فقد قدمت تجربة جنوب أفريقيا مثالا يحتذى.
ومن أهم التحولات المهمة، هو تحطم التابو في المقارنة مع نظام جنوب أفريقيا العنصري. فمنظمة بتسيلم الإسرائيلية أصدرت في كانون الثاني/ يناير تقريرا تحدثت فيه عن “نظام تفوق يهودي من نهر الأردن إلى البحر المتوسط: نظام الفصل العنصري”. وتبعت منظمة هيومن رايتس الخطى في نيسان/ أبريل، واتهمت إسرائيل بارتكاب “جرائم تمييز عنصري”.
وظل أنصار إسرائيل يرفضون المقارنة مع جنوب أفريقيا ويعتبرونها معاداة للسامية، لأنها تشير إلى أن الدولة اليهودية هي مشروع عنصري.
وتواصل إسرائيل زعمها للعالم الخارجي أن الاحتلال مؤقت رغم ما تقوم به من تعميق له، وأن الفلسطينيين يتحملون المسؤولية لأنهم فشلوا في التفاوض على حل مرض يقود إلى الدولة.
ولكن التركيز المتزايد على العدالة الاجتماعية في الولايات المتحدة أثار الانتباه لحالة انتهاك الحقوق الفردية وحقوق الإنسان في البلدين. وتمتعت حركة المقاطعة لجنوب أفريقيا بالمصداقية معظم الوقت مع أنها لم تحظ بدعم عام بين السود الذين خافوا من خسارة أعمالهم. ودعا رئيس المجلس الوطني الأفريقي ألبرت لوثيلي في لندن عام 1958 إلى حركة المقاطعة التي ولدت بنفس الاسم، ليغير لاحقا إلى اسم الحركة المناهضة للتمييز العنصري.
وكان من بين المتحدثين جوليوس نيريري، الرئيس السابق لتنزانيا. وقال: “نحن لا نطلب منكم، أيها الشعب البريطاني أي شيء خاص، فقط نطلب منكم سحب دعمكم لنظام التمييز العنصري في جنوب أفريقيا والتوقف عن شراء البضائع”. وأضاف: “تقاتل حكومة جنوب أفريقيا التاريخ وسيخسرون، ونعرف أن حركة الكفاح للتحرير ستنتصر في جنوب أفريقيا، ولو كنتم واثقين فسنفوز”. وكان نيريري محقا ولكن الكفاح استمر لثلاثين عاما.
ومقارنة مع الحملة ضد جنوب أفريقيا، فحملة المقاطعة الفلسطينية تقودها منظمات المجتمع المدني والتي لا تملك التأثير السياسي على المنابر الدولية والنفوذ الذي تمتع به المجلس الوطني الأفريقي. ويبدو هذا ضعفا، وفي غياب القيادة الفلسطينية المسنّة، وجد الجيل الجديد منفذا لوضع فلسطين ضمن تجربة العدالة الدولية، مستخدما قدراته التواصلية الجيدة، إذا أضفنا إلى هذا حركتي الاحتجاج في الأراضي المحتلة وداخل إسرائيل اللتين اتحدتا في غضبهما ضد النظام القائم على التمييز.
وحاول المعتذرون عن جنوب أفريقيا من المحافظين على جانبي الأطلنطي تصوير المجلس الوطني الأفريقي بالحركة العنيفة المعادية للديمقراطية، وكواجهة للاتحاد السوفييتي. وتساءلت الصحافة الشعبية اليمينية عن سبب التركيز على جنوب أفريقيا وتناسي جرائم أخرى في القارة مثل ممارسات عيدي أمين في أوغندا. لكن الملايين رأوا ما يعنيه الفصل العنصري، وأنه جريمة ضد الإنسانية يعاني منها كل فرد في جنوب أفريقيا يعامل بعنصرية وتمارس عليه قوانين تمييزية.
وعملت إسرائيل كل ما بوسعها لتركيز النظر على حركة حماس، وهاجمت الناقدين لها متسائلة عن سبب “استهداف” الدولة اليهودية في وقت يمارس جيرانها العرب الاضطهاد والقمع وبدون ديمقراطية. لكن الأحداث في الأسابيع الماضية كشفت عن عدم فعالية هذه الأساليب، وتحديدا وسط الشجب والنقد الدولي على عملية طرد الفلسطينيين من بيوتهم في حي الشيخ جراح في القدس الشرقية.
وفي الوقت الذي تؤكد فيه إسرائيل أن حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات والمعاقبة (بي دي أس) لا مصداقية لها، إلا أن أفعالها تكشف أمرا آخر. فقد عملت الجماعات المؤيدة لإسرائيل ما بوسعها لإقناع الولايات المتحدة بتمرير قوانين ضد المقاطعة وتقنين تعريف معاداة السامية الذي وضعه التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست وبأمثلته الغامضة عندما يتعلق الأمر بانتقاد إسرائيل.
وتضيف المقاطعة الطويلة لليهود في أوروبا جانبا على حركة المقاطعة لإسرائيل التفكير به، ولم يشغل حركة المناهضة للتمييز العنصري. مع أن الوقت قد مضى للمقاربة بين المقاطعة في ثلاثينات القرن الماضي بالمقاطعة اليوم. ودفع 200 عالم من حول العالم في “إعلان القدس” ضد هذا الرأي، وقالوا إن المقارنة بين إسرائيل ونظام التمييز العنصري والمقاطعة ليست معاداة للسامية. و
لم يساعد بنيامين نتنياهو نفسه عندما تحالف مع دونالد ترامب واليمين في أوروبا مثل رئيس الوزراء الهنغاري فيكتور أوربان، الذي عادة ما استخدم نظريات المؤامرة المعادية للسامية. لكن التحديات تظل قائمة، فقد رفض الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) اتخاذ قرارات ضد 6 أندية كرة قدم في المستوطنات اليهودية لأن الموضوع “سياسي”، وهو ما يؤشر إلى قرار مهم يمهد الطريق لما حدث مع جنوب أفريقيا العنصرية.
وفي صدى لما حدث مع نظام التمييز العنصري في جنوب أفريقيا، دعا الفنانون وصنّاع الأفلام لعدم المشاركة في مناسبات في إسرائيل، وطالب بعضهم بسحب تنظيم مسابقات “يوروفيجين” من تل أبيب عام 2019، كما قررت المغنية النيوزلندية “لورد” إلغاء حفلة لها في المدينة قبل ثلاثة أعوام. ورداً على ذلك، وضع مؤيدون لإسرائيل إعلانا في واشنطن بوست الأمريكية وصفوها بالمتعصبة.
وقبل ثلاثة أعوام، قررت الأرجنتين إلغاء مباراة ودية تحضيرا لكأس العالم في إسرائيل بعد تصويت اللاعبين ضد المشاركة.
ويرى الكاتب أن ظهور العلم الفلسطيني في مباريات الرابطة الإنكليزية والدوري الإنجليزي الممتاز في الأيام الأخيرة، يشير إلى دعم لتحركات مقاطعة إسرائيل. ومن الصعب إقناع الشركات الكبرى بنقد سياسات إسرائيل، ولكن القطاع الخاص قرر وأمام ضغط من ترامب وقف ضد حقوق التصويت في الولايات المتحدة وسحب التمويل من الحزب الجمهوري الذي دعم هجوم الغوغاء على الكونغرس في كانون الثاني/ يناير.
ولدى الحركة أصدقاء مهمّين بين السود في جنوب أفريقيا والذين كانوا على الجبهة الأولى في الكفاح ضد التمييز العنصري. وفي يوم الأربعاء، قال الرئيس سيرل رامافوسا والذي كان رئيس اتحاد العمال الذي قاد المفاوضات مع بيض جنوب أفريقيا، إن محاولات طرد الفلسطينيين من أجل إسكان يهود مكانهم “يعيد لنا ذكريات رهيبة من تاريخنا والفصل العنصري”. و”بالنسبة لنا، هذا قريب من معاناتنا تحت الأبارتايد. وعندما نشاهد هذه الصور لا نستطيع إلا أن نقف مع الفلسطينيين”.
المصدر: أوبزيرفر