فاطمة ياسين
الصور الانتخابية التي توزع رسمياً تظهر بشار الأسد في الوسط بين رجلين كهلين، والثلاثة مرشحون لرئاسة الجمهورية العربية السورية، بعد خوض انتخابات “ديمقراطية”. إيحاءات الصورة واضحة والدلالات تفضح نفسها وهي موضوعة بهذا الشكل لتقرأ بسهولة ودون مواربة، اسمان أحدهما مجهول والآخر “معارض” ملطخ بفيديو وصور خادشة انتشرت له قبل سنوات، مقابل الاسم الذي يعرف الجميع أنه يحتجز الكرسي ويحميه بسلاح روسي وحرس إيراني. تسهل المقارنة الساخرة التي يتقدم فيها بشار الأسد بسهولة على حساب السخرية من تافهين تجاوزا الستين من العمر تجرؤوا على تحدي الرئيس، وللإمعان في السخرية لا يخفي المرشحَان ميولهما السياسية التي تتلاقى مع انتخاب بشار نفسه، بتغييب فجٍ للمنطق الذي يجب على السوري المقيم في كنف النظام تقبله، بل والإشادة به، على أنه سلوك ديمقراطي سليم.
لا يحتاج الإعلام لهذه البروباغندا لتمرير انتخاب بشار الأسد لكن لطالما مارس النظام ألعابا مشابهة منذ أكثر من خمسين عاما في إخراجٍ لمشهد انتخابي، لا يأبه أحد لتدني جودته، مطابق من حيث الشكل لنصوص الدستور ولكنه مخالف لكل عرف ديمقراطي، والجميع يدرك ذلك ولكنه يبدو مجبراً على التصديق.
مر بشار الأسد بمثل هذا اليوم ثلاث مرات سابقاً، وفي كل مرة كانت التقارير والبيانات التي تقيم أداء الدولة في انخفاض، سواء كانت المؤشرات اقتصادية أم اجتماعية أو سياسية، فقد أعلن عن فوز بشار الأسد في أول استفتاء جرى بعد موت والده، في شهر يوليو عام 2000، وساد الفترة التي انقضت بين موت الرئيس وتنصيب الابن مهزلة دستورية كبرى راح ضحيتها الدستور الذي وضعه الأب بطريقة محرجة أهينت فيها أهم وثيقة قانونية تقوم الدول على أساسها. حصل بشار الأسد في تلك الانتخابات على إجماع شبه مطلق عندما رفضه ثلاثة بالألف من جميع من أدلى بصوته في ذلك الاستفتاء. الواقع يقول بأن الأسد الابن لم يتابع سياسات أبيه رغم ثبات الوجوه واسم الحزب الحاكم وكل الأهداف السياسية المعلنة، فقد أحكم الابن قبضته على لبنان بشكل خانق، واستعدى الطبقة السياسية الصديقة، وخاصة رفيق الحريري، وبنى لنفسه بطانة جديدة هناك، وخلق معايير مختلفة في العلاقة مع إيران، توجت هذه السياسة باغتيال الحريري بعد مضي خمس سنوات وبشار في منصبه، لتتحول بعدها سوريا إلى كيان منبوذ وكريه، وبهذه الصفة أنهى “خدمته” في مدة رئاسته الأولى التي بلغت سبع سنوات ميلادية كاملة، كانت سوريا خلال آخر سنتين فيها تنتظر تقارير اللجنة الدولية التي تحقق في مقتل الحريري، وتجتر البلاد أوجاعها السياسية والاقتصادية المريرة، وفي هذه الأجواء عقد الأسد استفتاءً ثانياً لفترة رئاسية جديدة.
لا يعرف السبب في تراجع “شعبية” الرئيس فقد رفضه في نتيجة الاستفتاء الثاني الذي أعلنت نتائجه في مايو 2007 3.7%، بما يعني اعترافا من السلطة الحاكمة بأن رافضي سياسة الرئيس قد زادوا، ولكنها ما زالت تؤكد أن رقم الموافقين كاسحا ويشكل تفويضا شاملا، ولكن المأزق الذي وقع فيه بشار وكل نظامه الحاكم كان أكبر من سابقه فقد شهدت السنة الرابعة لحكمه الثاني التحدي الأكبر لنظام الأسد بنسختيه، عندما أعلن الشعب السوري وبشكل متزامن رفضه لكل هذا النظام، فتعامل الأسد مع الشعب بطريقة جيوش الاحتلال، وواجه غضب الشوارع بالمدرعات والطائرات والصواريخ بعيدة المدى وحتى الأسلحة المحرمة دولياً، في هذه الظروف عقدت انتخابات لأول مرة بعدة مرشحين، حسب الدستور الذي غيره الأسد، في الثالث من يونيو 2014، وطبعا فاز فيها بشار لكن هذه المرة بنسبة 88.7%، وكان حينذاك نظام حكمه قد بدأ بالترنح، رغم كل الإجراءات العسكرية التي قام بها ليحمي ما تبقى من نظامه، وبدا واضحا أن النظام سينهار بين لحظة وأخرى رغم الدعم الإيراني الذي تلقاه بشكل مبكر، لتأتي اليد الروسية وتسند النظام بقوة بما يشبه الصفقة المعقودة تحت الطاولة أو فوقها، بتسليم الدولة بكل ما فيها للروس، والمحافظة على كرسي الرئيس في قصر قاسيون، وقد تكون هذه الاتفاقية هي إنجاز الفترة الرئاسية الثالثة التي ستضمن له كرسيه للفترة المقبلة.
تعقد هذه الانتخابات تحت شعار مقتبس من عناوين إصلاحية، وهو “الأمل بالعمل”، ليوحي رأس النظام بأن الفترة المقبلة حافلة بالنشاط ويؤكد بأنه متفائل في تحريك ملف إعادة الإعمار، وهو الأمل المتبقي له من أجل النجاة بعد أن نضبت كل مداخيل الدولة، وخوت خزائنها ومستودعاتها، وبدأت إيران تحجم عن تقديم مزيد من المساعدات له، ويتكفل الروس بتوريد السلاح والخبراء، ومنح الدعم السياسي، ومحاولة تحريك ملف إعادة الإعمار والتلويح بالنجاح في فتحه على نطاق واسع كفيل بالإبقاء على النظام، وهنا ينشط الروس بشكل كبير فهم شركاء بقطف الشهد بعد طول معاناة على الجانب العسكري الذي استنزف منهم كثيرا، ولكن هناك شك كبير في نجاح أي بدء بالإعمار في ظل رفض أوروبي شامل لهذه الانتخابات وموقف أميركي معاند بشدة،
فقد توصل الغرب إلى أن بشار الأسد غير قابل لإعادة التدوير ومن المفيد التعامل مع وجه جديد، تبقى المحاولات العربية هنا وهناك، وهذه لا تكفي إلا لإعطائه بعض المقويات مدة من الزمن، ما يرشح الوضع الحالي للتمديد مع مزيد من الخنق الاقتصادي، وعندها لا يراهن الأسد إلا على مدى صلابة عنقه تجاه الحبل الذي يشتد تدريجياً.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا