عماد كركص
يدخل الملف السوري منعطفاً جديداً، قبيل استحقاق موعد انتهاء آلية إدخال المساعدات الأممية إلى سورية، والرغبة الدولية بتجديدها، وسط معارضة من روسيا، التي ستحاول اللعب بهذه الورقة حتى النهاية، لتحصيل مكاسب سياسية على الطاولة وربما في أرض الميدان. وبدأت موسكو، عبر قوات النظام السوري والمليشيات التي تدعمها في إدلب، التصعيد بنيّة إيصال رسائل حازمة للدول الغربية، الداعمة لآلية إدخال المساعدات، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، التي استنفرت جهوداً دبلوماسية غير مسبوقة لدعم تجديد الآلية.
غير أن تجديد آلية إدخال المساعدات إلى سورية من عدمه، لن يكون الاستحقاق الآني الوحيد على الأجندة السورية وبين الفاعلين الرئيسيين في الملف السوري من إقليميين ودوليين، إذ حددت وزارة الدفاع الروسية نهاية الأسبوع الأول من الشهر المقبل موعداً لعقد جولة جديدة من مسار أستانة، الذي تقوده موسكو، بالشراكة مع طهران وأنقرة كضامنين لكل من النظام والمعارضة. وسعت روسيا ولا تزال لتكريس المسار كبديل عن المسارات الأممية للحل السوري، من دون تفاعل غربي. وغالباً ما كانت موسكو تلجأ للتصعيد قبيل كل جولة من جولات هذا المسار، لا سيما في إدلب، المنطقة الوحيدة المتبقية، بأجزاء منها تحت سيطرة المعارضة، بدعم تركي.
أما الاستحقاق الثالث، فسيكون محط الأنظار يوم الأربعاء المقبل، حين سيجتمع وزراء خارجية دول التحالف الدولي ضد الإرهاب في إيطاليا، والذي يُتوقع أن يولي الملف السوري أهمية في بيانه الختامي ومخرجاته، لا سيما بدعم آلية تجديد المساعدات وتثبيت وقف إطلاق نار شامل في البلاد. وبين كل تلك التجاذبات التي تمتزج فيها الجوانب الإنسانية بالسياسية والعسكرية، سيكون التفاوض بالنيران سيد الموقف، في حين يبقى المدنيون في سورية تحت رحمة المخرجات عند كل استحقاق، يدفعون، من خلال تنافر وتنافس القوى فيه، مزيداً من الأرواح والدماء.
وفي خضم هذه الاستحقاقات، تسود علاقة من التوتر على ما يبدو بين أنقرة وموسكو حيال الملف السوري والوضع في إدلب تحديداً، لا سيما بعد لجوء روسيا للتصعيد المكثف في الفترة الأخيرة. غير أن هذا التصعيد، والذي يتوقع بعض المحللين أن يكون مقدمة لتقدم عسكري جديد للنظام وحلفائه في إدلب، قابلته أنقرة بحزم أكثر من ذي قبل، حين كانت إدلب تشهد تصعيداً مماثلاً، فقد رد الجيش التركي على مصادر القصف، موقعاً إصابات مباشرة في صفوف وعتاد قوات النظام والمليشيات المساندة له، في رسالة تبدو واضحة للروس، أن التهاون السابق لن يكون حاضراً اليوم.
ويبدو أن أنقرة تحظى بدعم غربي، لا سيما بعد لقاء الرئيس رجب طيب أردوغان بنظيره الأميركي جو بايدن على هامش قمة دول حلف الشمال الأطلسي، إذ تذهب المؤشرات إلى دعم الحلف والولايات المتحدة على وجه الخصوص للخيارات التركية في إدلب، ضد طموحات النظام وروسيا، والسعي نحو مزيد من التمدد وتوسيع رقعة السيطرة في إدلب ومحيطها. وتطلب التصعيد في إدلب، إجراء اتصال هاتفي بين أردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، مساء أول من أمس الخميس. وتمحور الحديث حول إعادة ضبط الوضع في إدلب والحفاظ على وقف إطلاق النار من الانهيار، وبالتالي التهدئة من التصعيد والتصعيد المتبادل بين طرفي، أو أطراف القتال هناك. غير أن تلك المكالمة كانت تجرى على وقع استهداف مدفعية قوات النظام أحياء سكنية في مدن وبلدات جنوب إدلب، لا سيما أريحا ومحيطها.
وفي حين يُعتبر تجديد آلية إدخال المساعدات إلى سورية، محوراً رئيسياً في الاستحقاقات الثلاثة، فإن الضغط الروسي على الأرض سيكون حاضراً قبلها جميعاً، مع توقع بأن تزداد حدته بالتزامن مع انعقاد كل منها. ففي حين احتدم النقاش في جلسة مجلس الأمن، يوم الأربعاء الماضي، والتي تناولت مسألة تجديد الآلية بمطالبات غربية، فإن المندوب الروسي في المجلس جابه تلك المطالب باتهام إدلب باحتضانها للإرهاب، ما يعني استمرار الاستخدام الروسي لهذه الورقة لرفض تجديد الآلية، أو تحصيل مكاسب سياسية أو ميدانية في مقابلها.
ويشدد الروس على أن المساعدات يجب أن تدخل حصراً عن طريق المعابر التي تقع تحت سيطرة النظام، وإلا فإن دخولها من معبر خارج عن سيطرته يعتبر انتهاكاً للسيادة. وكانت روسيا قد طالبت قطر وتركيا في اجتماعات احتضنتها العاصمة القطرية الدوحة، في مارس/ آذار الماضي، بإدخال المساعدات عبر معابر النظام، أو مرورها من إدلب نحو مناطق النظام، بفتح معابر داخلية بين مناطق سيطرة النظام والمعارضة، الأمر الذي كان محط مساومة ورفض تركي وقطري بإحداث خرق في ملف المعتقلين لدى النظام، والتشديد على أن تسليم تلك المساعدات لا تكون للجهات التابعة لحكومة النظام وإنما المنظمات الإنسانية الدولية العاملة في مناطق سيطرة النظام، ولمعرفة الطرفين التركي والقطري أن الرغبة الروسية تكمن في فتح المعابر الداخلية لتحقيق انتعاش اقتصادي في مناطق سيطرة النظام من خلال الاستفادة من التبادل التجاري، ودخول القطع الأجنبي إلى مناطقه، لتفادي انهيار جديد لليرة السورية. وفشلت روسيا في ثلاث مناسبات بفتح معابر داخلية بين مناطق سيطرة النظام والمعارضة في الشمال الغربي من البلاد، وسط إدراك المعارضة وحلفائها لما ستقدمه تلك المعابر من فائدة اقتصادية ومالية مهمة لبنية النظام المتهالكة.
بالنسبة لمسار أستانة، والمقرر عقد جولة جديدة (16) منه بين 6 و8 من الشهر المقبل، فقد طلب المتحدث الرسمي باسم وفد المعارضة إلى المسار أيمن العاسمي التريث في تناول جدول الأعمال، وما هي المواضيع التي ستكون محط البحث في الجولة، وذلك لكون الوقت مبكراً للحديث عنها. لكنه أشار، في حديث مع “العربي الجديد”، إلى أن وفد المعارضة سيذهب إلى الجولة بالتركيز على مسألة تمديد آلية إدخال المساعدات عبر معبر باب الهوى، الحدودي مع تركيا من جهة إدلب، ومحاولة إعادة طرح فتح معبرين آخرين جرى إغلاقهما سابقاً أمام المساعدات الأممية، وهما اليعربية على الحدود العراقية – السورية، وباب السلامة عند الحدود السورية – التركية من جهة حلب. وأشار إلى أن قضية المعابر ووقف التصعيد سيكونان مطلبين رئيسيين للمعارضة، مؤكداً التنسيق مع “الحليف” التركي حيال ذلك، مع وعود تركية بأن أنقرة ملتزمة بحماية المنطقة (بالإشارة إلى إدلب) والمدنيين فيها.
أما على مستوى اجتماع وزراء خارجية دول التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب، في إيطاليا الأربعاء المقبل، فقد نقل الدبلوماسي السوري السابق بسام بربندي خمسة بنود حول سورية، ستتضمنها النقاشات في الاجتماع، وستكون في صلب بيانه الختامي، بحسب معلومات لديه. وأشار إلى أن تلك البنود تتعلق بـ”ضرورة إدخال المساعدات الإنسانية”، و”إغلاق ملف المعتقلين الأجانب في معسكر الهول (مخيم شمال شرق سورية)”، و”ضرورة تثبيت وقف إطلاق النار في كل سورية”، و”دعم الشريك المحلي الكردي والعربي (للتحالف) في محاربة الإرهاب”، بالإضافة لـ”دعم مشاريع دعم الاستقرار”.
وعن هذه البنود، قال بربندي، في حديث مع “العربي الجديد”، إن “التصعيد الروسي في إدلب قبل الاستحقاقات، يحمل رسائل للغرب، بأن بإمكاننا خلق أزمة نازحين ولاجئين جديدة، وبالتالي لعب هذه الورقة لتحقيق مكاسب سياسية”. وحول التركيز الأميركي على الملف الإنساني في سورية، منذ وصول بايدن للسلطة وإهمال الجوانب السياسية نوعاً ما، أشار بربندي إلى أن “الملف الإنساني يُسهل الضغط بالنسبة لواشنطن، لا سيما أنه لا يمكن لأحد معارضة دعم الناس وإيقاف المأساة، وهو متعلق بمنهجية بايدن بدعم الحريات وحقوق الإنسان، وهو توجه عموم الإدارة الديمقراطية”. ورأى أن الشق السياسي فيما يخص سورية، لا سيما بالنسبة للولايات المتحدة أخيراً، بات مرتبطاً بصفقة مع إيران لا يعرف ماهيتها، لكن من المؤكد أن المفاوضات بين واشنطن وطهران حول الملف النووي الإيراني، ستفضي إلى بعض ملامحها، بحسبه.
المصدر: العربي الجديد