علي أبو مريحيل
في لقاء جمعهما بالقاهرة قبل أيام، أطلع وزير الخارجية المصري سامح شكري نظيره الصيني وانغ يي، على آخر مستجدات أزمة سد النهضة، كما استقبل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الضيف الصيني، مؤكداً له موقف بلاده بالحفاظ على أمنها المائي. تزامن ذلك مع تكثيف وسائل إعلام مصرية الحديث عن متانة العلاقات بين بكين والقاهرة، بطريقة فسّرها مراقبون بأنها محاولة للدفع بالصين نحو أداء دور وسيط في أزمة سدّ النهضة مع إثيوبيا، بعد فشل المفاوضات التي قادتها الولايات المتحدة في وقت سابق.
ويرى محللون أن بإمكان بكين استخدام نفوذها الدبلوماسي والاقتصادي للمساعدة في إيجاد حلّ للنزاع، باعتبارها عضواً دائماً في مجلس الأمن الدولي، وحليفاً رئيسياً للدول الثلاث المتنازعة، مصر والسودان وإثيوبيا. غير أن الصين تجنبت التورط خلال الفترة الماضية بشكل مباشر في الجدل القائم، واكتفت في معرض تعليقها على الأزمة، بدعوة جميع الأطراف إلى حل الصراعات عبر الحوار.
وليس خافياً أن بكين لديها حصّة كبيرة في مشروع سد النهضة، حيث كانت قد قدمت قرضاً لإثيوبيا بقيمة 1.2 مليار دولار من أجل بناء خطوط نقل الطاقة، وربط السد بالبلدات والمدن المجاورة، فضلاً عن قروض لها علاقة بمشاريع أخرى تصل قيمتها إلى 16 مليار دولار. ما يعني أن طرح مبادرة صينية في هذا النزاع قد يؤدي إلى تقويض مصالح بكين، إذ سيكون من الصعب اتخاذ الموقف ذاته تجاه جميع الأطراف، نظراً لتفاوت مستوى المصالح، ورجوح كفّة إثيوبيا مقارنة بالاستثمارات الصينية في مصر والسودان.
حول حيثيات الموقف الصيني، يرى الباحث في الشؤون الدولية تيان تشينغ، في حديث مع “العربي الجديد”، أن بكين تحاول أن توازن بين علاقاتها مع الدول الثلاث، على الرغم من الضغوط التي تطالب بأن يكون موقفها أكثر وضوحاً، ومحاولات الزج بها كوسيط موثوق بين الأطراف المتنازعة، بعد فشل الوساطة الأميركية وكذلك المفاوضات التي جرت برعاية الاتحاد الأفريقي.
ويوضح تيان تشينغ أن الصين لديها مصالح واستثمارات كبيرة في الدول الثلاث، تشمل بناء مشاريع البنية التحتية الضخمة، مثل: المناطق الاقتصادية الخاصة، خطوط السكك الحديدية، وإمدادات الطرق السريعة، بالإضافة إلى مصافي النفط ومحطات توليد الكهرباء، وهي جزء من مبادرة “الحزام والطريق” الصينية التي أطلقها الرئيس الصيني شي جين بينغ عام 2013. وبالتالي، بحسب الباحث، هناك خشية لدى بكين من أن تتسبب الأزمة الحالية بنشوب صدام قد يؤدي إلى عواقب وخيمة، لكنها في الوقت نفسه لا تريد أن تظهر في الواجهة، على الأقل لأنها مطمئنة من الجهود الدولية المبذولة للحيلولة دون إقدام مصر والسودان على عمل عسكري مشترك يستهدف السد الإثيوبي. ويشير تشينغ، في هذا الإطار، إلى موقف موسكو أيضاً الذي جاء على لسان المندوب الروسي الدائم لدى الأمم المتحدة، فاسيلي نيبينزيا، الذي حذّر في الاجتماع الأخير لمجلس الأمن من أن بلاده لن تسمح بأي عمل عسكري ضد إثيوبيا.
ويلفت الباحث في الشؤون الدولية، إلى أن الصين تستند في تحفظها الشديد إلى مبدأ عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى، وهو أحد المبادئ الخمسة للتعايش السلمي التي تقوم عليها السياسة الخارجية الصينية، لكنها في حقيقة الأمر تتابع عن كثب تطور مشروع السد الإثيوبي، ولديها مصلحة كبيرة في نجاح هذا المشروع بصفتها شريكاً رئيسياً في التمويل والبناء.
من جهته، يعتبر أستاذ الاقتصاد في جامعة خيلونغ جيانغ، لاو جيه، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن ميزان المصالح يفسر اللاموقف الصيني بشأن أزمة سد النهضة، مشيراً إلى أن بكين لديها استثمارات بمليارات الدولارات في إثيوبيا، وأن أديس أبابا تلقت قروضاً (من الصين) وصلت إلى نحو ملياري دولار في عام واحد، فضلاً عن قيام شركات صينية بعمليات بناء السد، إلى جانب الاعتماد على الخبرة الصينية في قطاع الطاقة الكهرومائية، ومشاركة الصين المباشرة في توسيع شبكة الكهرباء في البلاد. ويضيف لاو جيه أن ذلك جزء من استراتيجية الصين في تنمية القارة السمراء، حيث قامت بتمويل وبناء السدود في أكثر من 20 دولة أفريقية، ومن بين هذه المشاريع سد النهضة. ويلفت إلى أن بكين تعتبر نجاح مشروع السد مؤشرا مهما على نجاح الاستثمار الصيني في إطار مبادرة “الحزام والطريق”، في وقت تعرضت فيه الصين لاتهامات من الغرب باستغلال موارد الدول الفقيرة، واعتبار علاقتها بأفريقيا شكلاً من أشكال الاستعمار الجديد بغطاء اقتصادي.
ورداً على سؤال حول الحدّ الذي يمكن أن تصل إليه بكين في إطار النأي بنفسها عن النزاع، يقول لاو جيه: “لا يبدو أن هناك مؤشرات لصدام محتمل بين الأطراف المتنازعة قد يؤثر على المصالح الصينية، ولو جزئياً، حتى بعد إعلان إثيوبيا اكتمال المرحلة الثانية من عملية ملء سد النهضة، مضيفاً أن الصين قد تتدخل إذا لاحظت تضرر أحد الأطراف من عملية حجز المياه خلف السد، وذلك من خلال نقل خبرتها وتجربتها في إدارة موارد المياه إلى تلك الدول وتوفير التمويل اللازم، ما يعني أن تحرك الصين قد يأتي كخطوة متأخرة مثل كيّ الجرح، أي بعد وقوع الأسوأ، ولكن ليس بالنسبة لها، بل لمصر والسودان.
أخيراً، يعتقد مراقبون بأن على الصين أن تتحمل مسؤولية ضمان ألا تؤدي مبادراتها الاقتصادية إلى نشوب صدام بين دول المنبع والمصب، كما ينبغي أن تسعى إلى حماية علاقتها مع جميع شركائها الأفريقيين، وبالتالي هناك فاتورة لا بد من دفعها تتمثل في تحمل ولو مقدار جزء بسيط من المسؤولية عن أي تداعيات سياسية محتملة لاستثماراتها الكبيرة في أفريقيا.
المصدر: العربي الجديد