معقل زهور عدي
مايحصل في أفغانستان اليوم ليس مجرد استمرار لصراع مسلح طويل على السلطة، هناك أمر مختلف، فالتدخل العسكري الأمريكي في أفغانستان بدأ منذ عشرين عاما تقريبا في تشرين الأول/ أوكتوبر عام 2001 للإطاحة بحكم طالبان وتنصيب حكومة حليفة للولايات المتحدة، وخلال عشرين عاما تم ضخ مليارات الدولارات من أجل بناء القواعد العسكرية وتدريب وتسليح جيش أفغاني قادر على حماية الدولة الجديدة، وخلال ذلك الزمن الطويل كان يفترض إزالة كل أثر لفكر طالبان وتنشئة جيل جديد وبناء مؤسسات الدولة بحيث يصبح الزمن الطالباني في ذمة التاريخ . صحيح أن الجميع يعرف أن السند العسكري والسياسي والمالي الأمريكي كان دائم الحضور في كابول لكن لا أحد يتصور أن عشرين عاما ليست كافية لتقف تلك الدولة الجديدة على أقدامها وتشق طريقها نحو المستقبل . وخلال وقت طويل كان المشهد الأفغاني يعطي الإنطباع وكأن حركة طالبان قد انعزلت وانحسر نفوذها في معظم أرجاء أفغانستان الواسعة , وأن مابقي لها من قوة في طريقه للتلاشي غدا أو بعد غد . حتى المباحثات التي كانت تجري سرا تارة وعلنا تارة أخرى بين طالبان والحكومة الأفغانية ومن ورائها الولايات المتحدة لم تكن توحي بأكثر من سعي أمريكي لاحتواء طالبان أو قسم منها وضمه للحكومة الأفغانية لعزل الطرف الأكثر تشددا في طالبان والتمهيد للقضاء عليه بصورة تامة . واليوم هناك مفاجأة كبرى في أفغانستان , مفاجأة لم تكن متوقعة ربما سوى من دوائر عميقة التخصص بالداخل الأفغاني، وبالطبع فمثل تلك الدوائر لاتقدم توقعاتها سوى للجهات التابعة لها، وهي لم تكن معنية بنشر النتائج التي تتوصل اليها في الإعلام . قوة طالبان العسكرية لاتمكنها بالتأكيد من هذا التمدد السريع الذي يقترب بسرعة من السيطرة التامة على العاصمة والمساحات الشاسعة في أفغانستان التي تقارب 650000 كم2 ، لكن مايحدث في الحقيقة هو انهيار عام ليس للجيش الأفغاني ولكن للدولة الأفغانية برمتها . وكأن كل ماتم بناؤه خلال عشرين سنة وصرفت عليه مليارات الدولارات ليس سوى جبل من ملح . إنهم لايخسرون الحرب في أفغانستان ولكنهم يستسلمون . والسؤال الكبير اليوم : لماذا انهارت الدولة الأفغانية ؟ والجواب ربما يكون بسيطا فالدولة التي يقيمها التدخل الخارجي ستتعرض للإنهيار حين تفتقد ذلك التدخل . لم تستطع الدولة الأفغانية إرساء جذور لها في التربة الأفغانية ، ولم تقدم للشعب الأفغاني البديل عن طالبان ، وكل مافعلته وأنجزته كان بمثابة قشرة هشة على سطح المجتمع الأفغاني . لقد جلبت الولايات المتحدة للحكم في أفغانستان طبقة سياسية فاشلة وفاسدة وخلال كل تلك السنين ازداد البعد بينها وبين المجتمع الأفغاني . وبالتالي ازدادت عزلتها واعتمادها على الدعم الخارجي . وحين قررت الولايات المتحدة الخروج من أفغانستان وقع ذلك القرار على تلك الطبقة السياسية كإطلاق الرصاصة على مستقبلها السياسي . تسقط أفغانستان في يد طالبان اليوم ليس حبا بطالبان ولكن كرها بالطبقة السياسية التي جلبها التدخل الأمريكي ولمحو آثار ذلك التدخل الذي لم يتقبله الشعب الأفغاني كما لم يتقبل التدخل السوفييتي قبله . لايمكن أن تجلب طالبان السلام والتقدم للشعب الأفغاني بنهجها المتشدد وبنيتها القبلية ، لكن الأمر المؤكد هو أن الطبقة السياسية التي حكمت أفغانستان بالدعم الأمريكي قد سقطت ولايمكن أن تقوم ثانية . وباستثناء التدخل الاقتصادي والثقافي والاستخباراتي فلا أحد سيفكر بعد اليوم بتكرار تجربة الولايات المتحدة أو الاتحاد السوفياتي في أفغانستان .